مازالت مدن منطقة ديترويت الكبرى تئن من وطأة الأزمة المالية بالرغم من التعافي الإقتصادي. فإيرادات هذه المدن تبقى متدنية وتجبر المسؤولين على الحد من النفقات لتجنب العجز في الموازنة.
المؤشرات الإقتصادية الإيجابية مثل إرتفاع قيمة العقارات وتدني نسبة البطالة وطلب المزيد من رخص البناء، قابلها قلق جديد ناجم عن بدء قانون الإصلاح الصحي الفدرالي ومشروع الحاكم ريك سنايدر المقترح من أجل ترشيد ضرائب الملكية الشخصية.
ديترويت (عدسة عماد محمد( |
رؤساء البلديات مستمرون في البحث عن توفير الأموال والبعض منهم منشغل في إستئناف الخدمات البلدية وملء الشواغر لكن الجميع متفقون على أنه سيمر وقت طويل جداً قبل أن تعود الإيرادات المالية إلى سابق عهدها قبل فترة الركود الإقتصادي.
الخبير الإقتصادي في «جامعة ميشيغن»، أريك سكورسوني قال لصحيفة «ديترويت نيوز» إن «الدلائل تشير إلى وصول الأزمة إلى مداها الإقتصادي وستبقى هناك مشاكل عالقة بسبب ضغوط التكاليف المالية لكن دورة الخزينة الإقتصادية لن تكون بهذا السوء وحتماً ليس أسوأ من العام الماضي».
وأضاف سكورسوني «إن المؤثران الكبيران على الإقتصاد هما قانون الصحة الجديد الذي سيترك بصماته على التأمين الصحي، والآخر قانون الضريبة المقترح على الملكية الشخصية الذي سيؤثر على المداخيل».
الضائقة المالية التي تعتري موازنات المدن دعت المراقبين الإقتصاديين إلى حث حكومة الولاية على القيام بتغييرات جذرية لتخفيف العجز عن كاهل الحكومات المحلية.
الأستاذ المساعد لمادة العلوم السياسية في «جامعة ميشيغن-ديربورن»، ديل طومبسون، أشار للصحيفة إلى «أن هذه ليست مشكلة دورية إقتصادية إنها مسألة وقت حتى يستعيد الإقتصاد عافيته فيصبح كل شيء على ما يرام. إنها مشكلة هيكلية».
والمعروف أن انحسار الإيرادات المالية للبلديات يأتي نتيجة تراجع الضرائب العقارية، كما يقول طومبسون الذي يرأس أيضاً إدارة «معهد الحكومات المحلية».
وكان نظام تمويل البلديات يعد فعالاً إبان الطفرة العقارية لكن عندما وقعت الأزمة عام ٢٠٠٧ تبين أن ميزانيات البلديات تعاني من ضعف شديد بسبب تراجع قيمة العقارات وبالتالي قيمة الضرائب المفروضة على مالكيها، ما حدا بالبلديات الى تطبيق اقتطاعات هائلة في النفقات لسد العجز الذي خلفه تراجع الإيرادات.
الأمر بدأ يتبدل مع التحسن في السوق العقاري ولكن ليس بالوتيرة الكافية للتخلص من العجز في موازنات الكثير من البلديات.
وقد شهد العام الماضي ٢٠١٢ ارتفاعاً في القيمة العقارية للمنازل السكنية في مدن وبلدات مقاطعة ماكومب بنسبة ١,١٣ بالمئة بالمقارنة مع العام السابق، وفي مقاطعة أوكلاند ٠,٥٦ بالمئة لكنها في مقاطعة وين إنخفضت إلى ١,٤ بالمئة.
من هنا تتسارع الدعوات إلى إعادة النظر من قبل حكومة الولاية في نظام تمويل الحكومات المحلية، كما إقترح إنطوني مايجاين، المدير التنفيذي ورئيس منظمة «رابطة بلديات ميشيغن»، الذي يرى «أن كل الأقاويل حول التخلص من الزوائد والحصول على فعاليات أكبر لم تعد قاعدة صحيحة بعد الآن» بل يجب إعادة النظر بنظام التمويل برمته. وأردف قائلاً «سنواجه تحديات جمة ونحن نمضي قدماً وفي مكان ما ستطرح مسألة ما إذا كانت هناك حاجة إلى الإستثمار في الحكم المحلي لخلق مناطق في ميشيغن تجذب السكان للعيش والعمل فيها».
تجنب الأزمة المالية
في السنوات الأخيرة، قام رؤساء البلديات باتخاذ سلسلة إجراءات من شأنها الحد من تأثير العجز في الموازنة على الخدمات التي تقدمها المدينة.
رئيس بلدية ديربورن هايتس، دانيال بالاتكو، يعتقد أن الدمج هو النموذج لتسيير دفة السفينة المالية، ويدعو إلى المزيد من تكثيف التعاون مع المدن المجاورة لتوفير الخدمات للسكان.
المسؤولون في المدينة يتوقعون أن تخرج البلدية من عجز وقدره ٥,٥ مليون دولار في مقتبل عام ٢٠١٦ ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية وافق الموظفون على خفض رواتبهم في ٢٠١١ بنسبة ١٠ بالمئة وأغلقت البلدية المكاتب غير الضرورية أيام الجمعة. كذلك بدأت بلدية ديربورن هايتس عملية المشاركة في الخدمات المكتبية والوقود مع بلدية مدينة ديربورن.
كذلك وفرت بلدية ساوثفيلد خدماتها لمدن قريبة مقابل مردود مالي، فهي تقوم منذ العام ٢٠١٠ بمساعدة مدن ألن بارك ولينكولن بارك ووايندوت التي تستفيد من خدمات شرطة ساوثفيلد ودائرة حماية الحيوانات.
في هذا المجال أشار مدير مدينة ساوثغيت براندون فورينار، «إننا نعيش في مجتمع يساعد بعضه بعضاً من أجل النهوض معاً ولنسير إلى الأمام».
مسؤولو بلدية سترلينغ هايتس قالوا أنهم عرفوا بتباشير الأزمة منذ عام ٢٠٠٨ وعملوا على تخفيف وقع خسائر ضريبية تقدر بحوالي ٤٤ مليون دولار. فقامت البلدية بصرف ٢٠٠ موظف وخفضت الرواتب بنسبة ١٥ بالمئة وجمدت التوظيف لمدة خمس سنوات مما وفر على خزينة البلدية ٢٧ مليون دولار.
بلدية هاربر وودز صرفت ١٢ إطفائياً من الخدمة في آذار (مارس) ٢٠١٢ بعد خسارة ٣,٣ مليون دولار من موازنتها خلال سنة ونصف بسبب هبوط أسعار العقارات وتراجع الضرائب عليها. وبلغت أزمة النقص الإداري درجة أن مرتين متتاليتين لم يتواجد إطفائي واحد العام الماضي واضطرت المدينة للإستعانة بإطفائي غروس بوينت. وتتوقع المدينة تحصيل ١١,٩ مليون دولار عوائد للسنة المالية ٢٠١٣ وهي نفس قيمة الموازنة للعام الماضي.
نفس القصة تتكرر في مدينة رويال أوك حيث أن عصر النفقات أدى إلى خفض عناصر الشرطة والإطفاء لكن في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وافق الناخبون على مشروع قانون لزيادة «الميليج» بـ٣,٩ مما عزز ببطء عملية إعادة الحياة لهذا السلك العام.
مدير إدارة مدينة تروي، براين كيشنيك، قال إن مدينته تبحث عن خدمات تم إقتطاعها جذرياً، مشيراً إلى أنه من السابق لأوانه ربما معرفة إذا كنا سوف نبدأ بالتوظيف لكننا سوف «ننظر إلى هذا الأمر في غضون الأشهر القليلة المقبلة».
أما في مدينة إيكورس فقد تمكن مدير الطوارئ المالية الذي عينته حكومة الولاية عام ٢٠٠٩، جويس باركر، أن يوفر ١٤,٦ مليون دولار من ميزانية المدينة.
وقد قام باركر بدمج خدمات الشرطة والاطفاء في إيكورس مع ريفر روج ولينكولن بارك، مما أدى إلى نشّل ميزانية المدينة من تبعات تراجع عائدات الموازنة.
أما في إيست بوينت فإن مدير إدارة المدينة ستيفن دوشين يقول إن البلدية تحاول معالجة الأزمة المالية كالمدن الأخرى، ولذلك لجأت الى التشارك مع بلدية روزفيل لتبادل خدمات دوائر الشرطة والترفيه. ولكن رغم الإقتطاعات تشير التقارير الى أن المدينة قد تفلس بحدود ٢٠١٧ بسبب التراجع المستمر في عائدات الضريبة العقارية، حيث أن أسعار العقارات في المدينة هبطت بنسبة ٨,١٢ بالمئة في العام الماضي.
من جهته، قال رئيس بلدية وورن، جيم فاوتس، إن ٢٠ بالمئة من دخل المدينة البالغ ٩٨ مليون دولار يُحصَّل من الضرائب الشخصية على المعدات الصناعية لذا فخسارة هذا المصدر سوف يلقي عبئاً ثقيلاً على السكان الذين وافقوا لتوهم على ثلاثة استفتاءات لرفع الضريبة العقارية «ميليج» خلال السنوات الأخيرة.
مديرة مدينة فيرنديل، آبريل لينش، قالت إن المدينة بدأت تعاني من قانون الرعاية الصحية الجديد (أوباما كير). وقد قامت المدينة بصرف ٢٠ بالمئة من قواها العاملة ودمجت دوائرها وأغلقت مكاتب البلدية أيام الجمعة.
ولخصت ابريل معاناة كل المدن بالقول «لا يمكننا إلا أن نعمل لحفظ ما تبقى من خدمات من دون صرف المزيد من الموظفين، وبنفس الوقت عدم زيادة عددهم. ففي وقت ما لن يكون عندنا ما يكفي للاستمرار».
Leave a Reply