عماد مرمل – «صدى الوطن»
من المعروف ان استقراراً أمنياً نسبياً يسود لبنان، برغم اشتعال البراكين الإقليمية من حوله، وتصحّر مؤسساته الدستورية التي أصابها الشغور أو الشلل. لكن يبدو أن البعض في الدولة اللبنانية يستسهل العبث بهذه المعادلة-النعمة، ولا يجد حرجاً في المجازفة بها.
طراس محاضراً في مسجد بلال بن رباح الذي أسسه الإرهابي أحمد الأسير في صيدا. |
وانطلاقا من هذه الخفة في التعاطي مع الملف الأمني، الشديد الحساسية، لم يتورع عدد من المرجعيات الدينية والسياسية عن ممارسة ضغوط فجة وصريحة على جهاز «الأمن العام»، دفعته الى اطلاق سراح مفتٍ سابق لمنطقة راشيا في البقاع، هو الشيخ الدكتور بسام طراس، بعد توقيفه، في أعقاب ورود اسمه ضمن اعترافات بعض الموقوفين في قضية التفجير الذي استهدف منطقة كسارة-زحلة، في 31 آب (أغسطس) الماضي، خلال توجه حافلات تقل مناصرين لحركة «أمل» من البقاع الى مدينة صور في الجنوب للمشاركة في مهرجان ذكرى إخفاء الإمام السيد موسى الصدر.
وقد دخل وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل المستقيل أشرف ريفي وعدد من المشايخ على خط الضغط للإفراج عن الطراس، بحجة ان الاستمرار في توقيفه سيؤدي الى تداعيات مذهبية وميدانية، لا يمكن ضبطها أو التحكم بها.
وتُرجمت «الرعاية الخاصة» لهذا الملف بتكليف أحد القضاة الذين توجد «مونة» سياسية عليهم بمتابعته وايجاد المخرج الملائم لاطلاق سراح الموقوف. وبالفعل، انتقل القاضي «البراغماتي» سريعاً الى مقر المديرية العامة للأمن العام، برغم العطلة القضائية، للتحقيق مع الشيخ الطراس واطلاق سراحه، قبيل ساعات من حلول عيد الأضحى المبارك.
وحاول القضاء المختص تبرير الموقف بالاشارة الى أنه لم يثبت تورط الطراس في تفجير كسارة وأن التحقيق معه مرتبط حصرا باجتماعه في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي مع أحد الموقوفين، ولا يتعلق بالتفجير.
ولم يتردد المشنوق في الإقرار بأن عملية توقيف الطراس عشية عيد الاضحى أدت الى استنفار مذهبي واسع، وكان يمكن ان ينتج عنها تصعيد في الكلام وعلى الأرض، موضحاً أنه تدخل تحت وطأة هذه الاعتبارات لدرء الفتنة وتلافي المحظور، لأن الموقوف هو مفتٍ سابق. ولكن المشنوق، حاول من جهة أخرى التخفيف من وطأة ما حصل، مشيراً الى أن الطراس تُرك رهن التحقيق وبالتالي يمكن للقضاء ان يستدعيه متى يشاء، لأنه مشتبه به، وإن يكن ليس متهماً بعد.
وقد تلقت صورة الدولة ومصداقيتها، بفعل ما جرى، ضربة موجعة «تحت الحزام» تعكس المدى الذي بلغه عبث مراكز القوى في الطوائف بالامن والقضاء، في وقت تستوجب المواجهة المصيرية مع الارهاب تحصين هاتين المؤسستين المعنيتين بحماية سلامة اللبنانيين وحقوقهم.
ربما يكون الطراس متورطاً في التفجير أو بريئا منه. المسألة ليست هنا، وإنما في استخدام الحصانة الطائفية والتحريض المذهبي لمنع جهاز أمني من استكمال دوره وإلزامه باطلاق سراح أحد الموقوفين قبيل الانتهاء من التحقيق معه وتبيان كل الملابسات المتصلة بهذه القضية التي تتعلق بالأمن القومي اللبناني.
ويكفي العلم أنه لو نجحت العملية الارهابية، كما خُطط لها، لكانت قد تركت آثاراً سلبية على السلم الأهلي وهددت بوقوع الفتنة المذهبية التي ينبه اليها الجميع.
إن التدخلات السياسية والدينية التي جرت على أعلى المستويات لتعطيل التحقيق مع موقوف، وإخلاء سبيله في «ليلة ما فيها ضو قمر»، تكاد تكون أخطر من عبوة كسارة بحد ذاتها، لأنها تؤشر الى أن الأمن والقضاء في لبنان لا يزالان رهينة الحسابات الفئوية والمزايدات السياسية ونفوذ الطوائف ومزاج الشارع. وما لم يتم تحريرهما من هذه المؤثرات فإن اللبنانيين لن يستعيدوا ثقتهم المفقودة في الدولة، ولن يشعروا بالأمان والطمأنينية. والأخطر من ذلك، أن المرتكبين سيشعرون بأن هناك مظلة يمكن أن تحميهم، إذا جرى توقيفهم، الأمر الذي من شأنه أن يشجع على ارتكاب المزيد من الأعمال المخلة بالاستقرار.
وما يزيد الطين بلة، ان ما حدث هو تكرار لسيناريو الإفراج عن الإرهابي شادي المولوي الذي سبق ان أوقفه «الأمن العام» في الماضي للاشتباه بتعاونه مع جماعات تكفيرية، لكن التدخلات التي تمت في حينه، وشارك فيها مسؤولون في السلطة، أفضت الى اخلاء سبيله، ليتبين لاحقاً انه منخرط في أنشطة إرهابية وأن خروجه من السجن سمح بتفعيل دوره المشبوه وتالياً بمضاعفة خطره.
وبدل أن يتعلم المعنيون من هذا الدرس ويستخلصون العبر اللازمة منه، إذا بهم يكررون الفعل ذاته مرة أخرى، وكأنهم لم يجروا أي مراجعة.
وإزاء هذا الخلل الفاضح في الانتظام العام ومناعة الاجهزة الأمنية والقضائية، حذر «الامن العام» من الزج باسمه في الاستقطابات السياسية الداخلية، مؤكداً أنه لن يكون مطية لأحد، ومستغرباً المواقف والشعارات وتوزيع البيانات وتوجيه التهديد في أعقاب التحقيق مع الشيخ الطراس.
Leave a Reply