نيويورك
أمر قاض فدرالي في ولاية نيوجيرزي، بالإفراج عن طالب «جامعة كولومبيا» الفلسطيني محمود خليل، من مركز احتجاز تابع لسلطات الهجرة، وهو ما يمثل انتصاراً كبيراً للحقوق المدنية وأنصار القضية الفلسطينية بعد استهدافهم من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بزعم معاداة السامية.
وكان محامو خليل قد طالبوا القاضي الفدرالي مايكل فاربيارز، بالسماح لخليل بالخروج فوراً بكفالة من سجنه في ولاية لويزيانا، أو على الأقل نقله إلى نيوجيرزي، ليكون أقرب إلى زوجته وطفله حديث الولادة، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».
وخليل كان أول معتقل ضمن حملة إدارة ترمب على الطلاب المشاركين في الاحتجاجات داخل الحرم الجامعي ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال ربيع العام 2024. وتحول خليل إلى رمز للمتظاهرين وأنصار حرية التعبير بعد اعتقاله الجائر في سكنه الجامعي بنيويورك يوم 8 آذار (مارس) الماضي.
وسبق أن طالب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بترحيل خليل من البلاد، معتبراً أن بقاءه يمكن أن يشكل تهديداً على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد أقدمت الوزارة على إلغاء بطاقته الخضراء (غرين كارد) تمهيداً لإبعاده.
غير أن القاضي فاربيارز وجد في حكمه، يوم الجمعة الماضي، أن الحكومة الفدالية لا يمكنها استخدام مصالح السياسة الخارجية كمبرر لمواصلة احتجاز خليل الذي أطلق سراحه يوم السبت المنصرم.
واتهم القاضي، الإدارة الأميركية بانتهاك حق خليل في حرية التعبير، من خلال احتجازه ومحاولة ترحيله بموجب بند نادراً ما يستخدم من قانون الهجرة الأميركي يمنح وزير الخارجية سلطة طلب ترحيل أي شخص غير أميركي يُنظر إلى وجوده في البلاد على أنه يتنافى مع مصالح السياسة الخارجية.
وأضاف أن «المسيرة المهنية لمقدم الالتماس وسمعته تتعرضان للضرر، ويُحرم من حقه في التعبير».
وأفادت شبكة «أن بي سي» بأن إدارة ترامب قدّمت على الفور إشعاراً بالاستئناف. فيما أمر القاضي فاربيارز، خليل بتسليم جواز سفره وبطاقته الخضراء (غرين كارد) إلى مسؤولي إدارة الهجرة والجمارك في لويزيانا، كجزء من إطلاق سراحه المشروط بانتظار البت بقضيته. كما حدّدت المحكمة عدد الولايات التي يُسمح لخليل بالسفر إليها، وهي نيويورك وميشيغن، لزيارة عائلته، ولويزيانا ونيوجيرزي لحضور جلسات المحاكمة، بالإضافة إلى واشنطن العاصمة.
ولم يكن خليل متهماً بخرق أي قوانين أثناء الاحتجاجات بـ«جامعة كولومبيا». وكان طالب الدراسات العليا المختص بالشؤون الدولية، متحدثاً ومفاوضاً باسم الطلبة الناشطين خلال الحراك الجامعي، ولم يكن ضمن المعتقلين، لكن ظهوره البارز في التغطيات الإعلامية، واستعداده للحديث علناً جعلاه هدفاً للسلطات.
وقالت إدارة ترمب، إن غير المواطنين الذين يشاركون في مثل هذه المظاهرات ينبغي طردهم من البلاد، معتبرة أن مواقفهم «معادية للسامية».
وقالت نور ظفر، المحامية البارزة في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، الذي دعم خليل: «إن حكم الإفراج عن خليل يؤكد على مبدأ حيوي من مبادئ التعديل الدستوري الأول، وهو أنه لا يجوز للحكومة إساءة استخدام قانون الهجرة لمعاقبة التعبير الذي لا تفضله».
يشار إلى أن سلطات الهجرة والجمارك الأميركية اعتقلت الطالب الفلسطيني بتهمة قيادته مظاهرات تضامنية مع فلسطين، وتنديداً بحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة. وانتشرت الاحتجاجات الداعمة لفلسطين، التي بدأت في «جامعة كولومبيا»، إلى أكثر من 50 جامعة أميركية في شتى أنحاء البلاد، قبل أن تبادر الشرطة إلى قمع الحراك الطلابي من خلال تفكيك المخيمات التضامنية مع غزة بالقوة، واعتقال أكثر من 3,100 ناشط، معظمهم من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
هواء الحرية
بعد احتجاز دام أكثر من 100 يوم غادر خريج «جامعة كولومبيا» محمود خليل، مركز احتجاز للمهاجرين بولاية لويزيانا، ليتنشق هواء الحرية مجدداً، متعهّداً بمواصلة نضاله من أجل قضية وطنه الأم فلسطين.
وشوهد خليل، وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية ويرفع قبضته اليمنى، ويقترب من الصحفيين خارج مركز الاحتجاز، حيث أدان ما وصفه بسياسات الهجرة العنصرية التي تنتهجها إدارة ترامب. وقال إنه يترك وراءه مئات الرجال المحتجزين في مركز الاحتجاز، والذين لا ينبغي أن يكونوا هناك.
وقال خليل في تصريحات إعلامية، عقب إطلاق سراحه، إنه «على الرغم من أن العدالة انتصرت، إلا أنها تأخرت كثيراً. وما كان ينبغي أن يستغرق هذا الأمر ثلاثة أشهر»، متهماً الرئيس ترامب بالسعي إلى قمع الدعم لفلسطين «لكنه أخفق».
وفي حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز» في اليوم التالي لإطلاق سراحه، قال خليل إنه «سيبقى مدافعاً عن حقوق فلسطين رغم ما عاناه خلال فترة اعتقاله بالولايات المتحدة على خلفية نشاطه الطلابي»، مشيراً إلى أنه «لم يرتكب أي فعل مُعادٍ للسامية خلال مظاهرات الدعم لحقوق الفلسطينيين، وذلك خلافاً لما تزعمه السلطات الأميركية».
وتابع الناشط الفلسطيني الأصل والسوري المولد، قائلاً: «كنت أدافع عن حقوق شعبي وأنادي بإنهاء الإبادة، وكنت أطالب بعدم استثمار الرسوم الدراسية التي دفعتها أنا وطلاب آخرون بشركات تصنيع الأسلحة»، متسائلاً: «ما الذي يُعَدّ معادياً للسامية في ذلك؟».
وأوضح خليل أنه عندما جاء إلى الولايات المتحدة لم يكن قلقاً من أن تؤدي تصريحاته الداعمة لفلسطين إلى سجنه، ولكن مخاوفه على نفسه وأهله ازدادت بعد تولي ترامب منصبه.
وذكر خليل أنه شارك أكثر من 70 شخصاً الغرفة نفسها في مركز الاحتجاز بلويزيانا، وأنه لم يكن يتمتع بأي خصوصية، منوهاً بأنه «كان يتمنى أن يكون بجانب زوجته عندما وضعت مولودها، وأنه لا شيء سيُعيد إليه تلك اللحظات التي فاتته مع زوجته في أثناء الولادة».
وأكد أنّ ما عاشه لن يمنعه من الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، بل على العكس، يُعزز إيمانه بحقوقهم.
وقال إن فترة الاعتقال «غيّرته»، موضحاً أنه «بمجرد دخولك إلى هناك، ترى واقعاً مختلفاً. واقعاً مختلفاً عن هذا البلد الذي يُفترض أنه يدافع عن حقوق الإنسان والحرية والعدالة».
وشارك خليل في مظاهرة نظمها داعموه أمام «جامعة كولومبيا»، الأحد الماضي، وقال خلال كلمة له بحضور عضوة الكونغرس الأميركي ألكساندريا أوكاسيو كورتيز إنّ الطلاب الذين اعتُقلوا مثله، سيواصلون دعم فلسطين.
ويخطط خليل للعيش مع زوجته الدكتورة نور عبدالله وابنهما الرضيع الذي ولد خلال فترة احتجاز خليل. وقالت زوجته في بيان: «هذا القرار لا يُعالج الظلم الذي ألحقته إدارة ترامب بعائلتنا، وكثيرين غيرنا. نحتفل اليوم بعودة محمود إلى نيويورك ليجتمع بعائلتنا الصغيرة ومجتمعنا الذي دعمنا منذ اليوم الذي اعتُقل فيه ظلماً لمناصرته حرية فلسطين».
في المقابل، قال البيت الأبيض، إن ملاحقة خليل قضائياً سوف تستمر بتهمة الحصول على تأشيرة دراسية بطريقة احتيالية وإخفاء معلومات عن سلطات الهجرة عند تقديم طلب الإقامة الدائمة، تتعلق بعمله في منظمة «الأونروا» الأممية.
وينفي محامو خليل هذه الادعاءات، ويقولون إن المهاجرين نادراً ما يُحتجزون بمثل هذه التهم. وحكم القاضي فاربيارز بأنه «من غير المعتاد للغاية» أن تقوم الحكومة الفدرالية بسجن مهاجر بتهمة ارتكاب أخطاء في طلب الحصول على الإقامة الدائمة.
وأصبح خليل، البالغ من العمر 30 عاماً، مقيماً دائماً في الولايات المتحدة العام الماضي، كما أن زوجته وابنه حديث الولادة مواطنان أميركيان.
Leave a Reply