• مريم شهاب
«غداً إذا ما اغتالتني المخابرات العسكرية، أكون قد استحققت هذا المصير لأنني أحب بلدي وأُخلص لمهنتي»،
هذا ما قاله سليم اللوزي قبيل اغتياله، الذي تعاود ذكراه في مطلع شهر آذار من كل عام. تلك الذكرى الحزينة للجريمة البشعة التي أنهت حياته في أوج عطائه، حيث عَثر عليه أحد رعاة الغنم جثة هامدة، وسط أحراش عرمون في جبل لبنان، قرب معسكر تابع لقوات الردع السورية أوائل شهر آذار في سنة 1980.
والمرحوم سليم اللوزي كان من الكتَّاب المميزين الذين كنت أقرأ لهم كثيراً، حين كانت مجلة “الحوادث” في متناول الجميع، وتحمل في آخر صفحة مقال الكاتبة غادة السمّان، ومقالاتها النارية عن العروبة وفلسطين والحركة الوطنية وتحرير المرأة العربية، وكان المرحوم اللوزي يطلق العنان لقلمه الصريح وأسلوبه الرشيق ضد التدخل السوري في لبنان.
احتدمت الحرب الأهلية في بيروت وكثرت التهديدات بالتصفية والاغتيال، مما دفع سليم اللوزي وأغلب الكتَّاب معه ومنهم غادة السمّان، أن يحمل مجلته ويهاجر إلى لندن، حيث لا قومية عربية ولا وحدة ولا اشتراكية “فانتزية” ولا قوات ردع عربية، بل فيها الأمن والأمان والعدالة وحقوق البني آدم ومملكة غير إسلامية، لا يظلم عندها أحد.
مثل الكثيرين، كان معارضاً للتدخل السوري في شؤون لبنان، ورافضاً للممارسات الخاطئة في حق اللبنانيين، سواء من الفلسطينيين أو من السوريين، منذ اجتازت الدبابات السورية آنذاك نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسوريا، عقب اشتعال فتيل الحرب الأهلية بين الأخوة الأعداء والأصدقاء. وقد توقع الجميع أن نهاية سليم اللوزي ستكون مفجعة، تماماً مثل نهاية كمال جنبلاط والإمام موسى الصدر والشيخ صبحي الصالح والمفتي حسن خالد، وغيرهم من شرفاء لبنان الذين كانوا ينادون بالعدل والحرية ورفع الظلم عن وطن صغير اسمه لبنان، ورفض الهيمنة السورية والفلسطينية وتصفية حسابات العربان على أرضه.
كان المرحوم سليم اللوزي من رجال الصحافة الكبار الذين لم يدخلوا جامعة ولم يحملوا شهادات جامعية عليا. بالكاد أكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة الصنائع البيروتية، وفيما بعد أصبح من كبار وجوه الصحافة بمفرده وقلمه ومثابرته في بلاط صاحبة الجلالة وبيت الحبر والورق والسياسة والحوادث العربية حتى لحظة اغتياله. بعد علمه بوفاة والدته قرر السفر إلى بيروت رغم معارضة أقربائه ومعارفه، قائلاً لهم: إني ذاهبٌ لأدفن والدتي. بعد اليوم الرابع لوصوله إلى بيروت، كان متوجهاً مع زوجته إلى المطار ليغادر عائداً إلى لندن، عندما استوقفه حاجز مسلح تابع للمخابرات السورية، حيث تم خطفه وترك زوجته حافية القدمين على الطريق العام، وبعد تسعة أيام عثر عليه راعي غنم في أحراش منطقة عرمون مقتولاً برصاصة في مؤخرة رأسه، وقد هُشِّمت جمجمته، أما يده اليمنى فقد تمَّ سلخُ لحمها عن عظمها حتى الكوع وكان لونها يميل إلى السواد بعد أن جرى تغطيسها بالأسيد الذي أحرقها.
وهكذا انتقموا من اليد التي كتبت ضد السياسة الظالمة والطغيان اللامحدود ضد معظم اللبنانيين، ثم دسُّوا العشرات من أقلام الحبر في أحشائه من الخلف.. حتى راعي الغنم الذي عثر على جثة سليم اللوزي، قُتل هو الآخر بعد خمسة أيام على اكتشافه للواقعة.
كان ذلك قبل سبعة وثلاثين عاماً، انتقام نظام يملك القوة والمخابرات، جعلته ينتقم من كاتب صحفي لا يملك سوى قلم سطَّر به كلمات عبَّر فيها عن رأيه من أرض بريطانية تبعد عنهم آلاف الأميال.. إنه الطغيان الذي دمَّر بلاد العربان جميعاً ولا زال!
Leave a Reply