الحفاظ على المؤسسة الزوجية مهمة صعبة بالنسبة للكثيرين من العرب الأميركيين. فالتناقضات العميقة بين الموروثات والتقاليد الشرقية من جهة، وأسلوب الحياة الأميركية من جهة أخرى، دفعت الكثير من العائلات الى التفكك، ليدفع الأبناء الفاتورة الأضخم.
بنين محسن الموسوي، طفلة عراقية في السابعة من عمرها، فتحت عيناها على هذه الدنيا ووالداها قد بدآ إجراءات الطلاق لتجد نفسها اليوم بعيدة آلاف الأميال عن عن حضن أمها.
بنين قضت عامها الأول تحت وطأة المعارك القضائية حيث كان أبواها يتنازعان حقوق الحضانة حتى حكم القضاء بإبقائها تحت وصاية امها.
وقد بقي الوضع على هذا الحال طيلة السنوات الست الماضية. وبحلول كانون الثاني (يناير) الماضي قرر الأب محسن الموسوي السفر الى العراق ليتمم معاملة التقاعد وأموراً أخرى. قد طلب الأب اصطحاب ابنته بنين وكان له ما أروارد بموجب إذن قضائي، شريطة أن يعود الى الولايات المتحدة مع بنين في منتصف شباط (فبراير)، حسب الاتفاق مع مطلّقته، والدة بنين، في قاعة المحكمة.
غير أن محسن لم يف بوعده وظل في العراق، فما كان من أم الطفلة إلا ان تتصل به لتستعلم عن تأخره وعدم مجيئه، فأخبرها أنه لن يعود الى الولايات المتحدة ابداً، وانها لن ترى بنين في حياتها مطلقاً، عندها بدأت أم بنين بالاتصال بالسلطات الأميركية وتواصلت مع مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) والسفارة الاميركية ببغداد في جهد منها لاستعادة طفلتها.
وبالفعل قامت مسؤولة في السفارة الأميركية بالعاصمة العراقية بغداد، بالاتصال بمحسن الموسوي للاطمئنان على سلامة بنين، فتحدث معها المسؤولون عبر الهاتف وأكدت لهم أنها بخير. وقد ناشد المسؤولون والد الطفلة بضرورة ارجاعها الى الولايات المتحدة حيث امها، لكنه جابههم بالرفض مؤكدا حقه الكامل بالاحتفاظ بابنته تماما كحق أمها، ولكي يؤكد للمسؤولين سلامة نواياه بعدم إيذاء ابنته، أظهر الموسوي وثائق ومستندات تؤكد أنه سجلها بمدرسة ابتدائية خاصة في العراق لكي لا تفوت العام الدراسي، وهذا ما طمأن مسؤولي السفارة.
من جانبها، تقول أم بنين، المقيمة في منطقة ديترويت، إن لديها مستندات ووثائق تؤكد أن مطلّقها لا ينوي ارجاع ابنتها اليها. وأكدت أنه قام بالإلتفاف على القانون العراقي عبر استصدار شهادة الجنسية العراقية للطفلة، جاعلا اسم أم بنين اسم زوجته الحالية، وذلك في محاولة منه للقضاء على اي محاولة لام بنين باسترجاع ابنتها عبر النظام القضائي العراقي. وفي السجلات الرسمية العراقية يظهر اسم سهام ثجيل عبدالواحد، زوجة الموسوي الحالية، في حقل اسم الام بهوية بنين وليس اسم امها الحقيقية زينب الكعبي؛ كما وتحتفظ «صدى الوطن» بنسخة من الوثائق التي قدمتها الأم.
«صدى الوطن» اتصلت بالموسوي في العراق، واستفسرت منه عن حقيقة ما جرى وسبب أخذه لبنين الى العراق بهذه الطريقة، فأكد كل أقوال زوجته السابقة بأنه أراد الذهاب الى العراق لكي يتمم معاملة راتبه التقاعدي، لكنه قال إن زوجته الحالية وأولاده مواطنين أميركيين يقيمون في الولايات المتحدة مؤكداً أنه لا ينوي البقاء في العراق. الموسوي أكد كلام زوجته السابقة بأنه سجل ابنته في مدرسة ابتدائية خاصة في مدينة الناصرية جنوب العراق، من دون الاشارة الى حادثة تغيير اسم الام، ولكنه لا ينوي ارجاع بنين لوالدتها في الوقت الحاضر، «حتى يصل الى حل وسط مع مطلّقته»، يضمن بموجبه سلامة بنين وعدم اختلاطها ببيئة «غير محافظة» على حد تعبيره.
وقد رفعت الكعبي، والدة بنين، دعوى قضائية ضد زوجها السابق متهمة اياه بــ«خطف» ابنتها، وقد استدعت المحكمة في ديترويت، الموسوي، إلى جلسة استماع بتاريخ 22 آذار (مارس) الماضي، ولكونه في العراق فقد تم تأجيل القضية حتى موعد لاحق.
قصة بنين ليست فريدة، وهي نموذج من تصارع العائلات في الولايات المتحدة، إذ لم يتوقع مايكل شانون في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 أن يكون ذلك اليوم هو آخر الأيام التي يقع نظره فيها على ولديه بعدما عادت بهما والدتهما إلى بلدها الأصلي مصر، ليدور صراع عائلي مستمر الى الآن.
حيث لا يزال الجدل مستمراً بين كل من والد الطفلين ووالدتهما، نرمين خليفة، التي اصطحبتهما إلى مصر بعد أحداث «11 أيلول»، ويقول شانون إن عائلة خليفة ساعدت الأم في إخراجهما من الولايات المتحدة، إذ لم يكن يتوقع بأنها ستتمكن من القيام بذلك خاصة وأن جوازات سفرهما كانت بحوزته، لكن القوانين الأميركية حينها كانت تسمح لأحد الوالدين بالإبلاغ عن ضياع جواز سفر الأطفال لتصدر الحكومة جوازات بديلة، وهذا ما قامت به خليفة بالضبط، وفق ما يقول شانون.
ورغم أن الوصاية على أحدهما، ويدعى جايسون، الذي كان يبلغ من العمر عشرة أشهر حينها، كانت بحوزة الأم، إلا أنها لم تتمكن من الخروج من ولاية ماريلاند في نيويورك إلا بموافقة شانون، أما الولد الآخر، آدم، فكان بوصاية أبيه وبلغ عمره أربعة أعوام في ذلك الوقت.
وقد وافق الوالد على خروجها عندما قامت والدة خليفة بزيارة من مصر لنيويورك، تعهدت فيها بالحفاظ على الولدين، لتنقطع أخبارهم لاحقا، في وقت رفضت فيه عائلة خليفة إرسال أي صور للأب في أميركا، وفقا لما قاله لشبكة «سي أن أن».
وقد رفع شانون قضية في الولايات المتحدة، للحصول على حق استرجاع طفليه من مصر، وفاز بها، لكن محاميه ستيفن كولين واجه صعوبات غير متوقعة عندما حاول تنفيذ الحكم قائلا: «لقد خدعونا في مصر، عندما حملنا أمر المحكمة الأميركية».
وتشير، سوزان جايكوبس، المستشارة الخاصة في شؤون الأطفال بالإدارة الأميركية الحالية إلى وجود أكثر من 22 حالة نزاع حول الأطفال بين مواطني الولايات المتحدة الأميركية والمصريين.
وعندما تحدثت «سي أن أن» إلى خليفة أشارت الأخيرة إلى أنها لم تمنع شانون من رؤية الطفلين على الإطلاق، بل أكدت أن بوسعه زيارتهما متى شاء، وألقت اللوم على النظام القضائي الأميركي، ووصفته بـ«المتعصب» والذي «يمارس التمييز ضد المسلمين العرب»، وأن هذا كان أبرز أسباب خروجها مع طفليها من أميركا. كما ذكرت أنها لم تتمكن من حضور جلسة الاستماع في قضية الوصاية على طفليها، وذلك لأن جلسة الاستماع وقعت في نفس يوم وقوع أحداث «١١ أيلول»، وأضافت: «القاضي لم يكلف نفسه الاستماع إلى وجهة نظري، بل أمر بالوصاية لشانون مباشرة».
ويقول شانون بأن عائلة خليفة سمحت له التحدث لابنه آدم بمناسبة عيد ميلاده العاشر، ولكنه أشار بأن طفله رد عليه قائلاً: «آمل بأن تقوم الجرافات بهدم منزلك وحرقه»، مضيفا أن ولده يشاهد على الأرجح الكثير من المواد الإخبارية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
Leave a Reply