بقلم: إسكندر حبش
غيب الموت نهار الأربعاء ٢٨ أيار (مايو) ٢٠١٤، الكاتبة والشاعرة الأميركية مايا أنجيلو، التي تعد واحدة، من أبرز كاتبات أميركا، كما من أشهر المناضلات اللواتي رفعن عالياً صوت السود في أميركا منذ ستينيات القرن الماضي. وقد وُجدت غائبة عن الوعي في منزلها في ولاية نورث كارولينا حيث تقطن منذ عام 1981.
ولدت مايا أنجيلو في 4 نيسان (أبريل) من عام 1928 في ميسوري، ونشأت ما بين سانت لويس وأركنسو، حيث ذهبت إلى هذه المدينة الأخيرة مع والدتها. وفي طفولتها عانت من الصعوبة في النطق، نظراً للعنف الذي كان يرتكب ضد السود، إلا أن سيدة أرستقراطية، تدعى «السيدة فلاورز»، علمتها الكتابة كما جعلتها تكتشف الأدب.
في بداية الستينيات، كتبت أنجيلو عدداً من المسرحيات التي قدمت في نيويورك ولوس أنجلوس، لكن الحدث الذي غير حياتها كان اغتيال مارتن لوثر كينغ في العام 1968، إذ كانت الكاتبة رافقت الزعيم الأسود لسنوات عديدة في تحركاته من أجل حقوق السود، لأنها كانت المنسقة العامة لفرع نيويورك في منظمة كينغ. أضف إلى هذا الاغتيال، اغتيال «مالكوم أكس»، التي عملت معه قبل سنوات، دفعاها إلى كتابة أول سيرة ذاتية لها بعنوان «أعرف لمَ يغني العصفور في القفص» الذي لا يزال يعد إلى الآن أشهر كتبها، قبل أن تكتب الشعر لاحقاً، وهذه السيرة عادت وأكملتها بستة أجزاء أخرى، شكلت في النهاية صورة بانورامية واضحة المعالم عن نضال السود في أميركا «العنصرية».
شعرها لم يشذ بدوره عن هذه المناخات العامة، إذ رسمت فيه أيضا صورة عن الإنسان المقهور، لا الأسود فقط، بل أيضاً ذاك الإنسان المقهور الذي يقع تحت ضحية القمع. وبين هذا التنوع الكتابي كله، لم تتوقف عن العمل السياسي وعن الدفاع عن حقوق الإنسان، من هنا جاءت مساندتها بداية للرئيس بيل كلينتون «في تغييره الديمقراطي» خلال حملته الانتخابية الأولى، قبل أن تنتقل إلى جانب الرئيس الحالي أوباما.
هنا ترجمة لثلاث من قصائدها بمثابة إطلالة على شعرها.
سأنهض
بإمكانكم أن تحطوا قدري أمام عيني التاريخ
بأكاذيبكم الملتوية والمريرة
بإمكانكم جرّي في الوحل
لكن، مثل الغبار، سأنهض!
هل تزعجكم سعادتي؟
لمَ تتجهمون بهذا الشكل، لأني أضحك،
كما لو أني وجدت بئر نفط
في وسط صالة المنزل؟
بإمكانكم أن تعدموني جيدا بكلماتكم
وأن تمزقوني بأعينكم
سأنهض سأنهض!
تستأصلوني من أكواخ التاريخ القذرة
خارج ماضٍ متجذر في الألم،
سأنهض سأنهض!
ترغبون في رؤيتي محطمة،
برأس محنٍ، بعينين خفيضتين
بكتفين سابلين كالدموع،
ضعيفة عبر بكاء ممزق،
هل أن طمأنينتي تزعجكم؟
هل من الصعب عليكم أن تروني أمشي
كما لو أني وجدت منجم ألماس
في وسط حديقتي؟
بإمكانكم أن تعدموني جيداً بكلماتكم
أن تمزقوني بأعينكم،
سأنهض سأنهض!
أعرف لمَ العصفور
يغني فـي القفص
يختلج العصفور الطليق
فوق ظهر النصر
ويخفق نحو مصب النهر
إلى أن ينتهي الجنوح
ويغرق جناحيه
في أشعة الشمس البرتقالية
ويجرؤ على أن يزعق بوجه السماء.
لكن عصفوراً يتخبط
في قفصه الضيق
نادراً ما يرى خارج
قضبان غضبه
جناحاه موثوقتان قائمتاه مربوطتان
عندئذ يفتح حلقه كي يغني.
العصفور في القفص يغني
بسبب ارتجافة تدفع إلى الذعر
من الأشياء المجهولة
ويُسمع لحنه
على التلة البعيدة، بينما العصفور في القفص
يغني الحرية
العصفور الحرّ يفكر بنسيم آخر
وبالهواء الناعم عبر الأشجار المتنهدة
والشعر الكبير الذي يكون عشبه في الصباح
ويسمي السماء، سماءه
لكن العصفور في القفص يغني
من ارتجافة تدفع إلى الذعر
من الأشياء المجهولة
ويُسمع لحنه
على التلة البعيدة بينما العصفور في القفص
يغني الحرية.
امرأة مذهلة
تتساءل النسوة الجميلات
أين موضع سرّي.
فأنا لست امرأة ناعمة
ولا حتى جسدي يشبه جسد عارضة أزياء.
لكن حين أبدأ الكلام معهن،
يعتقدن بأنني أكذب.
أقول، إن الأمر كامن في متناول ذراعيّ،
في استمرارية وركيّ،
خطوات سيري،
انعطافة شفتيّ.
أنا امرأة مذهلة.
امرأة مذهلة.
إنها أنا.
أسير في غرفة بطريقة هادئة،
أكثر منكن، لو سمحتن.
والرجال، إما أن يقف مضاربو البورصة لي،
وإما يهوون على ركبهم.
من ثم، يشكلون حولي قفير نحل.
أقول، إنها النار في عينيّ،
ولمعان أسناني.
انكفاء شكلي
وفرح قدميّ.
أنا امرأة مذهلة.
امرأة مذهلة.
إنها أنا.
تساءل الرجال فيما بينهم
ما الذي يرونه فيّ.
حاولوا كثيراً،
لكنهم لم يستطيعوا
أن يلامسوا سرّي الحميم.
وحين أحاول أن أظهره لهم،
يقولون أن ليس بإمكانهم أن يروا دوماً.
أقول،
الأمر كامن في ظهري المحدودب،
في شمس ابتسامتي،
في رحلة صدري، في أناقة أسلوبي.
أنا امرأة مذهلة.
امرأة مذهلة.
إنها أنا.
تفهمون الآن، بالضبط،
لمَ لم ينحنِ رأسي.
لا أصرخ أو أقفز من جراء ذلك.
ولا حتى أتحدث عنه بصوت عال.
حين تشاهدونني وأنا أمرّ،
عليكم أن تشعروا بالفخر.
أقول،
إن الأمر كامن في قرقعة نعليّ،
في تقوس شعري،
في راحة يدي،
في حاجة اعتناءاتي.
لأني امرأة مذهلة.
امرأة مذهلة.
إنها أنا.
Leave a Reply