خليل إسماعيل رمَّال
لبنان وطن الفرجة وخيال الصحرا والصفة المشبَّهة بأنه دولة، يحمل اليوم نعتاً آخر: بلد الجور والفجور والشمندور، والفنان التائب عن التوبة والمحرِّض على قتل جنود الجيش اللبناني فـي معركة «عبرا» مع مرشده الشيخ الإرهابي التكفـيري الفار أحمد الأسير.
الفنان، الذي تفنّن بالدم وحرَّض على قتل الجنود، جرى تلميع صورته من قبل «القناة اللبنانية للإرسال» (آل بي سي) التي زارَتْ مجرماً فارَّاً من وجه العدالة من دون تسليمه مما يجعلها موضوعياً شريكة فـي الجرم (هذا عدل أشرف ريفـي)، فقط لأنها تريد خطب ود الوليد بن طلال الذي أوعز بدوره لخالته الوزيرة السابقة ليلى الصلح لتتوسّط له لدى قيادة الجيش، من أجل إيجاد مخرج له بعد أنْ نفد ماله وتمنَّعَتْ زوجته عن مده بالمزيد منه ورفضَتْ الهرب للسكن معه، وبعد أنْ ملَّ هو من وكره فـي مخيم «عين الحلوة» الذي أضحى مرتعاً للإرهابيين الهاربين أمثاله من كل مكان، وهو الذي اعتاد الأضواء والشهرة والغناء واللهو والترف وتوابعهم ومشتقاتهم. لذا حلق ذقنه الإرهابية الكثَّة وأحسن هندامه ولبسه حتى بات وكأنه مستعد للبدء بحفلة غنائية، وظهر على «المُعجبين» بحلته الجديدة من أجل كسب عطفهم بينما ١٨ من شهداء الجيش اللبناني راقدون تحت التراب وأهاليهم أموات فوق التراب.
الاستغراب والدهشة ممنوعان ومحرَّمان فـي مسخ الوطن فالشيء غير الطبيعي أنْ تجري فـيه الأمور بشكلٍ طبيعي. لقد ضرب الرقم القياسي العالمي، بل الكوني، بفرادته فـي كل الأمور الغريبة والعجيبة والمجنونة التي تحصل كل يوم حتى لم يعد أي مشهد يهز مشاعر أحدٍ فـيه. لا يتشابه نهاران فـي لبنان، بل كل نهار أسوَأ من الذي قبله بسبب الأزمات والكوارث السياسية والأمنية والقضائية والغذائية والاجتماعية والصحية وو… التي لا تنتهي. ولكن حتى بالقياس اللبناني، الذي لا مقياس له ولا معيار، هذه الصفقة المشينة لتسوية وضع فضل شاكر قبل محاكمته، تزكم رائحتها الأنوف فـي البلد المنتوف. وإذا رضيَتْ قيادة الجيش بهذا التعدي والتحدي السافريَن على كرامة أبناء المؤسسة العسكرية الذين يضعون دماءهم على أكفهم كل يوم، تكون قيادة متخاذلة لا تستحق أنْ تكون فـي موقع المسؤولية هذه ناهيك عن ما يحكى عن ترشيحها للموقع الأول فـي قصر بعبدا المأفون.
لكن الذي يحز فـي القلب أكثر أنَّ المحامية التي ستترافع عن المجرم هي مي الخنساء القريبة من خط المقاومة! الإخراج الذي أُخبرنا به يفـيد أن الشمندور أقسم لها أنٌَه لم يتورط بالدماء وإذا اكتشفت العكس فـيمكنها أنْ تعتبر نفسها فـي حلٍ من قضيته ويمكنها التخلي فوراً فـي مسألة الدفاع عنه. حتى الفـيديو المشهور له وهو يشمت فـيه بشهداء الجيش ويصفهم «بالفطايس» تبرأ منه وادَّعى إنّ المقصود بكلامه ليس الجيش على حد كذبه لكن الكاميرا لا تكذب. فهل تيقَّنَتْ السيدة مي فعلاً أنَّ يديه لم تقطر دماً على الرغم من وفرة الأدلة القاطعة ضده؟!
وبسبب هذا التوكيل تعرضت المحامية الخنساء إلى حملة واسعة ضدها تستحقها على صفحات التواصل الإجتماعي، من بينها حملة كاتب هذه السطور الذي طرح عليها السؤال الآتي: سؤال أخوي للمحامية المناضلة المدافعة عن المقاومة بشراسة من باب المعرفة بالشيء لا التجني ولا المزايدة لأننا نعرف قيمتكِ ومدى تمسكك بالمقاومة. قامت قيامتك وثورتك، وكنا معك، عندما تشكلت هذه الحكومة الصلعاء وكنت ضد توزير ريفـي والمشنوق وصدر منك انتقاد لاذع لقبول المقاومة بذلك. لكنك اليوم تدافعين عن المجرم غير التائب فضل شاكر صاحب المواقف الفتنوية التحريضية المذهبية والشتائم ضد المقاومة وسيدها، فما تبريرك لذلك دام فضلك؟!
وردّت مي بكلام ديني عام عن شهادة الإمام الحسين رددت فـيه أنَّ شاكر لم يتورط بالدم ثم نسبت الى الكثيرين كلامهم المسيء للمقاومة التي عفت عنهم. فكان جوابنا أن هذا المجرم تورط مع مَنْ تقطر يداه دماً وساعده فـي إجرامه وأهان المقاومة وأيد الدواعش وأساء للجيش.
كلامها لا يشفـي الغليل وإذا كانت أخلاقيات المقاومة تسمح لها بالتسامح فـي الكلام فإنَّ العدالة يجب ألاَّ تسامح فـيما يتعلَّق بالحق العام ولماذا يحظى شاكر فقط بصفقة لتسوية وضعه قبل المحاكمة، وليس غيره وماذا يمنع ان لا تكر السبحة ونسامح غداً سفَّاحي «عبرا» وعلى رأسهم أحمد الأسير؟! ثم ماذا يمنع أنْ يذهب شاكر للعمل الفني مجدَّداً مع شركة الوليد «روتانا» خارج لبنان ثم يحمل قضية شيخه من جديد ويكرس ماله للدفاع عن زملائه المجرمين؟! ولعل أكثر ما يزعج فـي عذر مي الخنساء الذي كان أقبح من ذنبها استشهادها بآيات من القرآن الكريم حول التوَّابين المتطهِّرين لتبرير فعلتها.
على مي أنْ تبكي على قرارها الأعوج هذا أكثر مما بكت الشاعرة الخنساء على أشقائها، أما نحن الشعب المسكين فسنظل نبكي كالخنساء على وطن ضائع كسفـينة تائهة فـي بحرٍ لجيٍ يغشاه موجٌ من فوقه، موجٌ من فوقه سحاب.
Leave a Reply