كيفن كارسون
بعد أكثر من ثلاثة أشهر على قتل الشرطي الأبيض دارين ويلسون للشاب الأسود مايكل براون فـي وضح النهار فـي مدينة فـيرغسون، توصلت «هيئة المحلفـين الكبرى» إلى قرار يقضي بعدم تحريك القضية للنيابة العامة، مما يعني بان لا عدالة من قبل نظام المحاكم فـي الدولة الأميركية لمعاقبة ويلسون على جريمته الذي لن يخضع للمحاكمة أبداً ناهيك عن أي احتمال بإدانته. ولكن فـي نظام العدالة الحقيقية، هذه ليست نهاية المطاف لويلسون – إنَّها البداية فقط.
نحن نعلم يقيناً أن نظام «العدالة» الرسمي متمترس خلف رجال الشرطة، الذين يتمتعون بالحصانة ضد القوالب والمعايير العادية للصواب والخطأ. ويتم اختيار هيئة المحلفـين عادةً لخضوعهم الساذج لقوات الشرطة ومتطلبات الإدعاء.
وهكذا لو حدث أن الشرطة كانت تلاحق جانياً غير عنفـي وأدت الملاحقة لقتل المارة الأبرياء، فإن المتهم يتحمل المسؤولية الجنائية. وإذا سال بعض الدم من مفاصل الشرطي الدموية فـي أصابعه نتيجة الضرب المبرح لضحية مغمى عليها، فإنَّ تهمتي «الاعتداء والضرب» تضافان إلى قائمة طويلة من الاتهامات المساقة فـي وجه المتهم لابتزازه من أجل القيام بصفقة أو تسوية قضائية.
ما على الشرطي إلا أن ينطق بعبارة «شعرت بأن حياتي كانت فـي خطر» حتى يتلقى براءة الذمة ونفي الشك – ولا يهم سواء أطلق النار على كلب الأسرة الصغير من فصيلة «تشيواوا»أمام الأطفال، أو على مراهق أعزل أصابه فـي الظهر. وإذا حدث وتم ضرب شخص ما حتى الموت بتهمة «مقاومة الإعتقال»، بينما يكون هذا الشخص فـي غيبوبة بسبب مرض السكري أو وسط نوبة صرع، أو إذا قرر فجأةً الانتحار بأيد مكبَّلة وراء ظهره، يظل رجال الشرطة يحصلون على الاستفادة من نفي الشك.
لذلك نحن نعرف لتونا فعلاً أنَّ إدانة ويلسون لم تكن لتحصل، وأي تغيير فـي ثقافة القتل البوليسية الخارجة عن القانون لم يأتِ إلاّ من الخارج، وليس من داخل النظام.
نظام العدالة الجنائية كان دائماً فـي خدمة حماية رجال الشرطة ومنع تنفـيذ العدالة بحقهم. حتى وقت قريب، لم تكن هناك خارج الصحف الراديكالية التي تعمل بالسر المعروفة باللغة الإنكليزية بـ«إيندي ميديا»، أي تقارير تسرد علناً واقع الرواية الرسمية لدائرة الشرطة.
ولكن بدأت الأمور تتغير مع لقطات الفـيديو الشهيرة للإعتداء الوحشي من قبل شرطة لوس أنجلوس على الأسود رودني كينغ، الذي أظهر المتهم فـي وضعية «لولبية جنينية» وهو يتعرَّض للركل والضربات العنيفة بالعصي التي كالها له نصف دزينة من رجال الشرطة. ولكن نظراً للطبيعة المكلفة والمرهقة لكاميرات الفـيديو الرقمية ودور الإعلام المرئي والسمعي كحارس بواب، كان على التغيير الحقيقي لكي يبرز ان ينتظر اليوم الذي توجد فـيه كاميرات رخيصة يسهل اخفاؤها تتجول فـي كل مكان، من أجل إمكانية تسجيل فـيديوهات مباشرة بشكل مستقل وإيصالها إلى الناس.
ومع إمتلاك الناس شبه الشامل فـي كل مكان للهواتف الذكية وسهولة التنقل بين شريط الفـيديو وشبكة الإنترنت، جاء هذا اليوم، وكبر حجم التحديات فـي وجه تفسير الشرطة الرسمي للأحداث، مع بزوغ روايات معارضة للرواية الحكومية خصوصاً بعد قيام حركة «احتلوا». وبفضل موقع «يوتيوب» وتدفق وصلات الفـيديو التي أظهرت عنف الشرطة فـي «حديقة زاكوتي» ومدينتي «أوكلاند» و«تولسا» وأماكن أخرى، كان من السهل إثبات أن روايات الشرطة كانت محض أكاذيب.
إنَّ العواقب والتبعات التي تنتظر رجال الشرطة الذين يقعون أمام أعين الجمهور بسبب ممارستهم مستويات متطرفة من الوحشية، أمرٌ بنَّاء فـي هذا العصر الجديد من صحافة المواطن. والناس سيكونون أكثر سعادةً لإقامة العدل عندما ترفض المحاكم الأميركية القيام بدروها.
المثال على ذلك، انه على الرغم من خروجه من السجن، الشرطي يوهانس ميسيريل- قاتل أوسكار غرانت فـي أوكلاند – يميزه الناس بسرعة أينما حل فـي أي مكان وينبذونه بسرعة مما يحمله بعض الأحيان على ترك المرافق العامة وهو يشعر بالذل عندما يلاحظ وجوده أفراد محتشمون من حوله.
الملازم جون بايك، السيئ السمعة بسبب شهرته فـي رش الفلفل على الطلاب المسالمين فـي «جامعة كاليفورنيا فـي مدينة ديفـيس» وهم جالسون بهدوء على الأرض، انتهى به الأمر الى تقاعده بداعي العجز الجسدي الناجم عن إنهيار عصبي بسبب العداء الذي كان يتعرض له يومياً من الناس.
وربما يمضي الشرطي ويلسون بقية حياته وهو يخشى من مغادرة منزله. وهو الآن بالكاد يلمس ويتفهم حقيقة الجحيم الذي سيلف بقية حياته. فالمعلومات عن رقم هاتفه وعنوان بريده الإلكتروني وعنوان شارعه قريباً ستكون (إذا لم تكن بالفعل) منشورة على نطاق واسع.
حتى ولو لم يتم طرده من دائرة شرطة فـيرغسون، فإنه كلما واجه مواطناً فـي سياق مهامه سوف يتساءل عما إذا كان هذا الشخص توجه اليه سخريةً أو ازدراء أو أنَّ هذا مجرد خياله. وفـي كل مرة يتعامل فـيها مع نادل أو محاسب على الصندوق، أو يلتقي أي شخص جديد، فسوف يرى أن نظرة الشخص السريعة التي تتعرف الى أعماقه ستتحول بسرعة إلى قناع جامد من الاشمئزاز المكظوم الغيظ. يمكن لويلسون أنْ يهرب، لكنه لا يمكن أن يختبئ.
قال الله لقابيل «صوت دم اخيك يناديني من الأرض»، فحكم عليه أن يعيش حياة «فار من وجه العدالة ومتشرد … فـي الأرض». ولأن قابيل «يخشى الانتقام من البشرية الغاضبة جعل الرب لقابيل علامة فارقة لكل من يعثر عليه فـيقتله».
دارين ويلسون يحمل علامة قابيل. وإذا كان قتلة الحكومة المستأجَرون يفلتون كالشعر من العجين من خلال نظام «العدالة»الحالي، إلاَّ أنَّ نظام عدالة الشعب- المكوَّنة من عيوننا والفـيديوهات والنبذ الشعبي وإلحاق العار- لا يمكن أبداً تجنبه.
(كيفن كارسون هو عضو بارز فـي مركز «مجتمع بلا دولة» (c4ss.org) ويرأس مركز كارل هيس فـي النظرية الاجتماعية)
Leave a Reply