ديربورن
عشيّة الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أقامت «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) حفلها السنوي السابع والعشرين في قاعة «بيبلوس» بمدينة ديربورن يوم الأربعاء المنصرم بحضور العديد من الفعاليات الحكومية والقضائية والمجتمعية بمنطقة ديترويت، مؤكدة على أهمية المشاركة الانتخابية الكثيفة يوم الثلاثاء المقبل برغم دعوتها لمقاطعة سباق البيت الأبيض بامتناعها عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، بسبب دعمهما المطلق للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة ولبنان.
ووسط حضور لافت للمسؤولين الحكوميين والمنُتخبين، وكذلك المرشحين لمختلف المناصب العامة، استأنفت اللجنة التي تأسست في عام 1998 حفلها السنوي هذا العام بعدما عدلت في منتصف شهر آب (أغسطس) 2023 عن إحياء حفلها السنوي السادس والعشرين احتجاجاً على تحيّز ودعم الإدارة الأميركية لجرائم الإبادة الجماعية التي نفّذها كيان الاحتلال في قطاع غزة، جنباً إلى جنب مع تجاهل معظم القادة والمسؤولين الأميركيين لمشاعر وآلام المجتمعات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة وعدم تورّعهم عن تأييد آلة القتل الإسرائيلية ضد المدنيين العزّل في القطاع المحاصر، وكذلك السكوت عليها.
وضمّت قائمة المسؤولين الحكوميين والمنتخبين كلاً من النائبة العربية الأميركية عن ولاية ميشيغن في الكونغرس رشيدة طليب، والنائب العربي الأميركي عن مدينة ديربورن في مجلس نواب ميشيغن العباس فرحات، والمفوض في مقاطعة وين سام بيضون، ورئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود، ورئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي، ورئيس مجلس مدينة ديربورن مايك سرعيني، والقضاة في محكمة مقاطعة وين هلال فرحات ومريم بزي وديفيد بيركنز، والقضاة في محكمة ديربورن سالم سلامة وجين هانت ومارك سومرز، ومساعدا القاضي (ماجستريت) في المحكمة علي حمود ورلى عون، والماجستريت في محكمة ديربورن هايتس منى فضل الله، بالإضافة إلى المشرف العام على مدارس ديربورن الدكتور غلين ماليكو، والمشرف العام على مدارس «كريستوود» بديربورن هايتس الدكتور يوسف مسلّم، ورئيس «كلية هنري فورد» راسل كافالونا، إلى جانب العديد من الأعضاء في المجلسين البلدي والتربوي في مدينتي ديربورن وديربورن هايتس.
وحضر الحفل أيضاً المرشحون في السباقات التشريعية والقضائية والتربوية المدعومون من قبل اللجنة التي قررت هذا العام عدم توجيه الدعوة إلى عديد المسؤولين المرموقين في ولاية ميشيغن بسبب سخط واستياء المجتمع العربي الأميركي من صمتهم المطبق حيال سياسات التطهير العرقي التي تنتهجها دولة الاحتلال الإسرائيلي في كل من لبنان وفلسطين، والتي أودت بحياة عشرات آلاف المدنيين العزّل وتهجير ما يربو على ثلاثة ملايين نسمة.
واستهلت رئيسة «أيباك» المحامية فرح حب الله، الحفل بالإشارة إلى أن اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي تحيي حفلها السنوي السابع والعشرين وسط أجواء من الأسى والحزن على تداعيات الحرب الوحشية التي تشنّها إسرائيل على «أوطاننا الأم»، موضحة بأن استمرار جرائم الإبادة في الشرق الأوسط لا يشكل «مأساة فقط، وإنما انتهاكاً لوجودنا وكرامتنا الإنسانية».
وأشارت حبّ الله –التي تتحدر من أصول لبنانية– إلى أن أعضاء «أيباك» صوّتوا بالإجماع على عدم تأييد أي من المرشحين الرئاسيين خلال الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر، مؤكدة بأن هذا الموقف جاء انسجاماً مع «قيمنا ومبادئنا والتزامنا الذي لا يتزحزح بقيم السلام والعدالة ومناهضة الظلم والحروب»، على حد تعبيرها.
وكانت «أيباك» قد أصدرت في أواسط سبتمبر الفائت قائمة المرشحين الذين قررت دعمهم خلال الانتخابات الحالية، مستثنية دعم أي من المرشحين الرئاسيين في سباق البيت الأبيض، وأي من المرشحين لمقعد الولاية في مجلس الشيوخ الأميركي، الذي تتنافس عليه النائبة الحالية عن ولاية ميشيغن في الكونغرس الأميركي، الديمقراطية إليسا سلوتكين، وعضو الكونغرس الجمهوري السابق عن ميشيغن مايك رودجرز، مطالبة الناخبين العرب الأميركيين بعدم التصويت لأي منهم بسبب دعمهم اللامحدود لإسرائيل.
وتلا مسؤول لجنة الدعم في «أيباك» حسين سعد أسماء المرشحين الذين قررت المنظمة دعمهم خلال الانتخابات الحالية، معرجاً على آليات اختيارهم بطريقة ديمقراطية تتضمن موافقة ثلثي الأعضاء على تأييد المرشحين الذين يتوجب عليهم تقديم طلبات خطية للدعم، بالإضافة إلى مناقشتهم بشكل موسع ومستفيض حول خططهم ورؤاهم لضمان مصالح الناخبين.
من جانبه، أكد مؤسِس «أيباك» المحامي عبد حمود بأن جرائم الإبادة وسياسات التطهير التي تواصل إسرائيل ارتكابها في لبنان وفلسطين بدعم من الحكومة الأميركية «لا تسيء لنا كعرب فقط، وإنما كأميركيين أيضاً»، موضحاً بأن تلك الجرائم تنتهك «قيم العدالة والكرامة الإنسانية، وبقية القيم التي من أجلها جئنا إلى هذه البلاد، وتحتم علينا العديد من المسؤوليات والواجبات الأخلاقية والإنسانية في المقام الأول».
حمود الذي تولى تقديم الحفل، أضاء على تواطؤ الإدارة الحالية مع إسرائيل التي تستكمل اعتداءاتها على لبنان بعد أكثر من عام على حربها في قطاع غزة، لافتاً إلى أن إدارة بايدن–هاريس «لا تموّل تلك الحرب فحسب، وإنما تديرها أيضاً»، محمّلاً الرئيس الديمقراطي مسؤولية «أطول حرب في منطقة الشرق الأوسط».
وأوضح حمود أنه كان بإمكان بايدن إيقاف الحرب على الفلسطينيين واللبنانيين عبر مكالمة هاتفية واحدة، ولكنه بدلاً من ذلك قرر دعم إسرائيل والتغاضي عن جرائم الإبادة التي ترتكبها ضد المدنيين العزّل، مذكراً بزيارة الرئيس الأميركي إلى تل أبيب واجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية المصغرة (الكابينت) في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
وقال حمود: «إن ذلك الاجتماع يعدّ سابقة في التاريخ الأميركي»، موضحاً بأن الحرب الإسرائيلية على لبنان وقطاع غزة «ليست حرباً إسرائيلية خالصة، وإنما هي حرب تُدار من قبل الإدارة الأميركية، وبمشاركة العديد من الجنرالات الأميركيين» ناهيك عن سيل المساعدات العسكرية والمالية المتواصلة لدولة الاحتلال.
وفي سياق آخر، أوضح حمود بأن دعم اللجنة لا يقتصر على دعم المرشحين الديمقراطيين «كما يعتقد الكثيرون». وقال إن «أيباك» دعمت منذ تأسيسها في 1998 العديد من المرشحين الجمهوريين بمن فيهم المرشح الرئاسي جورج دبليو بوش في عام 2000، مضيفاً أنه «في نهاية المطاف، أيباك منظمة غير حزبية، وهي تدعم عبر عملية ديمقراطية، المرشحين الملتزمين بقضايا تضمن وتدافع عن حقوق الناخبين ومستقبلهم».
عضو مجلس مفوضي مقاطعة وين، سام بيضون، أدان المساعدات الأميركية التي تمكّن الدولة العبرية من مواصلة حربها الوحشية على الفلسطينيين واللبنانيين للشهر الثالث عشر على التوالي، وقال: «إن تلك المساعدات التي لا معنى لها تمكّن إسرائيل من قتل الأبرياء بمن فيهم المواطنون الأميركيون من أمثال اللبناني الأميركي كامل جواد، وهو من سكان مدينة ديربورن، والذي قضى في الآونة الأخيرة من جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارته بينما كان يساعد في إجلاء المدنيين في الجنوب اللبناني».
وذكر بيضون المدعوم من قبل «أيباك» في سباق مجلس مفوضي مقاطعة وين، بأن أحد الصيادلة العرب الأميركيين في منطقة ديربورن فقد خلال يوم واحد 80 شخصاً من أقاربه، وقال: «هل يستطيع أحدكم أن يتخيل فقدان 80 شخصاً من أقاربه خلال يوم واحد؟»، مستنكراً دعم المسؤولين الأميركيين اللامحدود للحروب الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط بزعم «الدفاع عن النفس».
وأوضح بيضون بأن مواصلة الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل لا يساعد في إرساء السلام، وإنما يسهم في تسعير العنف وتوسيع الدمار، وقال: «من ديربورن، عاصمة العرب الأميركيين، ندين بأشد العبارات، الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وفلسطين ونجدد مطلبنا لإدارة بايدن بأن تضع حداً لهذه الإبادة الجماعية ولهذه الحرب التي أودت حتى الآن بحياة أكثر من 50 ألف فلسطيني ولبناني».
المتحدث الرئيسي
في كلمته، أشاد المتحدث الرئيسي في الحفل، رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود، بالتزام سكان المدينة بقيم العدالة والكرامة الإنسانية على حساب الانتماءات الحزبية الضيقة من خلال دعمهم لحقوق الشعب الفلسطيني، والذي أسفر عن إطلاق حملة التصويت بـ«غير ملتزم» خلال تمهيديات الرئاسة الأميركية في شباط (فبراير) الفائت.
وأشار حمود إلى مشاعر الأسى التي تكتنف الحفل السنوي لـ«أيباك» هذا العام بسبب ضراوة الحرب الإسرائيلية في الشرق الأوسط وتداعياتها على المجتمع العربي الأميركي في منطقة ديترويت، وقال: «لقد كانت الاحتفالات السنوية لأيباك دوماً حيوية الطابع، ولكنها تبدو مختلفة هذا العام»، مستدركاً بالتأكيد على أن «الحاضرين هنا اليوم هم أصدقاؤنا الحقيقيون».
وتوعد حمود الذين تغيبوا عن حفل «أيباك» الأربعاء الماضي بأنهم لن ينالوا أصوات العرب الأميركيين في انتخابات العام 2026.
وعبّر حمود، اللبناني الأصل، عن فخره بمدينة ديربورن بكل أطيافها وشرائحها، وقال: «لقد حقق مجتمعنا نجاحاً كبيراً في إطلاق تلك الحملة التي وصلت أصداؤها إلى عموم الولايات المتحدة، والتي تمخضت عن مشاركة عشرات المندوبين في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي ممن يناهضون الحروب ويدافعون عن قيم السلام والعدالة»، معرباً عن شعوره بالاعتزاز بمجتمع المدينة الذي «قرر عدم تأييد رئيس يساند جرائم الإبادة»، في إشارة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن.
وأوضح حمود بأن ذلك الإنجاز لم يكن «سهلاً» كما يعتقد البعض، وقال: «لقد كان أمراً صعباً للغاية أن تقف وتقول بأنك ستضع الناس والمجتمع أولاً، وقبل انتمائك الحزبي، خاصة إذا كنت منتمياً لذلك الحزب منذ أمد طويل»، مؤكداً بأن التاريخ سيسجل ذلك الموقف لمجتمع مدينة ديربورن.
وتابع: «يمكنك أن تقايض على المرشحين، لكن ما لا يمكنك فعله أبداً، هو المجيء إلى مدينتنا والطلب منا أن نقايض على قيمنا ومبادئنا»، مبدياً في الوقت نفسه تفهمه لخيارات العديد من الفعاليات العربية الأميركية التي قررت المضي في دعم أحد المرشحين الرئاسيين، هاريس أو ترامب، بمن فيهم رئيس بلدية هامترامك أمير غالب ورئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي، اللذين قررا دعم المرشح الجمهوري.
وأفاد حمود بأنه قرر عدم تأييد أي من المرشحين الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطية كامالا هاريس في 5 نوفمبر، مؤكداً بأن «جرائم الإبادة هي خط أحمر»، وقال: «إن التزامي بمجتمع هذه المدينة هو أكبر من انتمائي الحزبي، وسوف أضحي بأي مستقبل سياسي من أجل مستقبل أفضل لبناتي وعموم مجتمعي».
من ناحيتها، تحدثت النائب العربية الأميركية عن في الكونغرس رشيدة طليب عن معاناتها كـ«نائب فلسطينية الأصل» بسبب معارضتها للحرب الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ساردة بعض المضايقات التي تعرضت لها خلال حضورها لخطاب نتنياهو تحت قبة الكابيتول في تموز (يوليو) المنصرم، بما في ذلك محاولات طواقم الأمن منعها من الدخول إلى قاعة الكونغرس، وحرص العديد من زملائها المشرعين على عدم التواجد بقربها وهي تحمل لافتة تصف نتنياهو بـ«مجرم حرب».
وحثت طليب –المدعومة من قبل «أيباك» في انتخابات 5 نوفمبر– العرب الأميركيين على التصويت بكثافة من أجل إيصال صوتهم على الرغم من جرائم الإبادة المستمرة بحق شعوبنا العربية، وقالت: «ليس بالضرورة أن ندلي بأصواتنا في سباق الرئاسة، ولكن من المهم للغاية أن نشارك بشكل كثيف في هذه الانتخابات»، مضيفة: «لا تعطوهم الفرصة لكي يمحونا، إنهم يريدون محوي ومحو سام بيضون وعبدالله حمود وجميع المسؤولين العرب الأميركيين الملتزمين بقضايا السلام والعدالة».
أهمية الاقتراع
في كلمته، أكد ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني على أهمية التصويت الكثيف في 5 نوفمبر، وخاصة للمرشحين في السباقات المحلية التي تستحق «اهتمامنا ودعمنا»، موضحاً أسباب عدم تأييد «أيباك» لأي من المرشحين في سباق البيت الأبيض. وقال السبلاني: «لقد قامت أيباك وصدى الوطن اللتين قدمتا خدمات جليلة لمجتمعنا العربي الأميركي خلال العقود المنصرمة بمناقشة موضوع الانتخابات الحالية بشكل دقيق يتعدى النتائج الانتخابية وتأثيراتها بعد الخامس من نوفمبر، وتوصلنا إلى أن كلا المرشحين الرئاسيين، ترامب وهاريس، لا يستحقان أصواتنا».
وأضاف: «لنصوّت بكثافة في انتخابات الخامس من نوفمبر من أجل معاقبة هؤلاء الذين تواطأوا على قتل عائلاتنا واقاربنا ودمروا منازل وحياة أبناء شعوبنا في فلسطين ولبنان وبقية مناطق الشرق الأوسط»، مشيراً إلى الارتفاع اليومي في أعداد القتلى في الضاحية الجنوبية وقرى البقاع والجنوب اللبناني من جراء الغارات الإسرائيلية التي تستخدم الأسلحة والذخائر الأميركية الصنع، بما فيها القنابل الفوسفورية، وطائرات «أف 16» و«أف 35».
وأوضح ناشر «صدى الوطن» بأن الاعتداءات الإسرائيلية لا تقتصر على المدنيين وإنما تطال فرق الصحافة وكوادر الإغاثة الطبية، لافتاً إلى مقتل أكثر من 180 صحفياً و260 من طواقم المساعدات الإنسانية في القطاع المحاصر، منوهاً في الوقت نفسه بتمادي دولة الاحتلال في انتهاك الشرعية الدولية بما في ذلك تصويت الكنيست الإسرائيلي على منع مؤسسات «الأونروا» من مواصلة أعمالها في المخيمات الفلسطينية.
ولفت السبلاني إلى أن الحرب الإسرائيلية المدعومة من قبل إدارة بايدن هاريس قد أودت بحياة أكثر من 43 ألف فلسطيني وما يقدر بنحو ثلاثة آلاف لبناني حتى الآن، مطالباً الناخبين العرب الأميركيين بعدم التصويت لهاريس التي لا تقوم بما يكفي لوقف الحرب، وكذلك عدم التصويت لترامب الذي «يعتقد بأن إسرائيل صغيرة على الخريطة ويتطلع إلى توسيعها».
وحذّر السبلاني من أن البيت الأبيض ينخرط حالياً في إجراء مفاوضات لـ«عقد صفقة تقوم على استسلام لبنان»، مؤكداً أن ذلك «لن يحدث بأي حال من الأحوال«، مكرراً التأكيد على أن المشاركة الانتخابية الكثيفة تعبر عن «مساندتنا لإرساء السلام وتحقيق العدالة في أوطاننا الأم، إلى جانب وفائنا لأصدقائنا من المسؤولين الذي وقفوا إلى جانبنا ودعم قضايانا خلال العقود السابقة».
للاطلاع على لائحة المرشحين المدعومين من قبل «أيباك» و«صدى الوطن» يمكن مراجعة الصفحة 15 من القسم الإنكليزي للصحيفة.
Leave a Reply