بيروت -عماد مرمل
بسرعة انتقلت عدوى الحوار من الساحة الاسلامية الى الساحة المسيحية التي تنتظر لقاء بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. بدا واضحا ان الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله شكّل حافزا للقطبين المسيحيين كي يخوضا المغامرة ذاتها، ويحاولان ترميم جسور التواصل المتبادل، التي حطمتها الخصومة والقطيعة.
لقد أحرج اللقاء السني- الشيعي الزعماء المسيحيين، لاسيما الموارنة منهم، ودفعهم الى إعادة التموضع والانفتاح على بعضهم البعض، بعدما أصبحوا يشعرون انه من غير الجائز او اللائق ان يبقوا فـي حالة عداء ورفض للآخر، بينما أصبح جلوس ممثلي حزب الله والمستقبل جنبا الى جنب ممكنا برغم سنوات طويلة من الصدام وجها لوجه.
رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع |
وهناك من يقول ان ما يفرق «الحزب» و«المستقبل» هو أكبر وأصعب مما يفرق عون وجعجع، ذلك ان ما بين الصفر والزرق ملف جريمة اغتيال الرئيس رفـيق الحريري والمحكمة الدولية وأحداث 7 أيار والحرب فـي سوريا والموقف من النظام، وكلها قضايا حديثة فـي الزمن، لكنها لم تمنع إقبالهما على الحوار فـي لحظة الحقيقة، بينما تبدو العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية متخففة من أعباء هذه الحمولة الثقيلة، وإن تكن هناك ملفات من نوع آخر ترهق علاقتهما، وتتصل بالزعامة المسيحية والتنافس على الشعبية والنفوذ والتباين فـي الخيارات السياسية.
وما أحرج عون وجعجع اكثر فاكثر، هو ان الاستحقاق الرئاسي يندرج ضمن بنود جدول أعمال الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، ما أوحى بان المسلمين هم الذين سيرسمون مسار انتخاب رئيس الجمهورية الماروني وسيطبخون مواصفاته واسمه، ثم يطلبون من المسيحيين تذوق الطبق، الامر الذي شكل استفزازا للقيادات المسيحية التي شعرت بان البساط يُسحب من تحت أقدامها وان المبادرة تُنتزع من أيديها، بفعل تفرقها وتبعثرها.
بهذا المعنى، فان قبول عون وجعجع بمبدأ التلاقي والحوار، بعد ممانعة، إنما يعكس محاولتهما إعادة تفعيل الدور المسيحي فـي الملف الرئاسي، و«الصمود» فـي صفوفه الامامية التي تسمح لمن يشغلها بان يكون شريكا فـي صناعة الفعل، خلافا لمن يقف على رصيف الانتظار حيث سيجد نفسه فـي موقع رد الفعل، ليس إلا.
ويذهب البعض فـي الاوساط المارونية فـي حماسته لخيار الحوار بين القوات والتيار الحر الى حد القول ان اتفاق عون وجعجع، لو حصل، سيسمح لهما بان يملكا العدد الاكبر من «الاسهم السياسية» فـي الرئيس المقبل، وان يكونا صاحبي الكفة الراجحة والرأي الوازن فـي تحديد هويته، فـي حين ان خلافهما سيمنح الآخرين فـي الداخل والخارج فرصة لفرض أي تسوية قد يتوصلون اليها، على المسيحيين، بمعزل عما إذا كانت ملائمة لهم أم لا.
ولكن، ما هي إمكانية ان ينجح اي حوار بين الرجلين المسكونين بازمة ثقة متبادلة فـي التوافق على مقاربة واحدة للاستحقاق الرئاسي؟
برغم الاجتماعات التحضيرية المكثفة التي عقدت بين النائب ابراهيم كنعان ممثل عون، وملحم رياشي ممثل جعجع، لتمهيد الطريق امام «لقاء القمة»، إلا ان احتمال ان يثمر الحوار المرتقب بين مرشحي 8 و 14آذار تفاهما على الرئيس المقبل لا يزال ضعيفا إن لم يكن معدوما، وفق المعطيات الراهنة، للأسباب الآتية:
-ليس واردا لدى عون حتى إشعار آخر التراجع عن ترشيحه الى رئاسة الجمهورية، وهو يؤكد فـي كل المناسبات انه لن يتنازل عما يعتبره، حق المسيحيين، فـي ان يتمثلوا فـي السلطة برئيس قوي يحقق التوازن والشراكة مع الطوائف الاخرى، وتنطبق مواصفاته تبعا لمعايير التيار الحر على الجنرال، من حيث التمثيل الشعبي وحجم الكتلة النيابية.
وانطلاقا من هذه القاعدة، الى غيرها من الاعتبارات السياسية والشخصية، لا يمكن لعون ان يؤيد ترشيح جعجع، بل سبق له ان دعاه الى مبارزة انتخابية وجها لوجه فـي مجلس النواب، شرط أن تنحصر المنافسة بينهما.
-ليس لدى جعجع أمس واليوم وغدا اي استعداد لدعم وصول خصمه السياسي اللدود الى الرئاسة، أولا بسبب الخلاف الحاد حول الخيارات الاستراتيجية وثانيا نتيجة مترتبات العلاقة التحالفـية مع السعودية التي تضع فـيتو على الجنرال، وبالتالي من المؤكد ان جعجع لن ينسحب له ما لم تحصل معجزة، وهو يدعو فـي المقابل عون الى قبول مبدأ البحث فـي مرشح آخر، من خارج معراب والرابية.
-ليس لدى عون اي قابلية لمناقشة خيار المرشح التوافقي الذي لا يرى فـيه إلا واحدة من صورتين، فإما ان يكون مرشحا ضعيفا لا لون له ولا طعم ولا رائحة ولا قاعدة شعبية، وإما ان يكون نسخة جديدة من الرئيس ميشال سليمان الذي بدأ عهده الرئاسي توافقيا وانهاه منحازا الى جانب فريق 14آذار كما يتهمه الجنرال وحلفاؤه.
امام هذه المصالح والحسابات المتضاربة فـي مقاربة استحقاق رئاسة الجمهورية، يصبح أقصى الطموح لدى خريجي مدرسة الواقعية السياسية ان يتمكن عون وجعجع من الاتفاق على تنظيم خلافاتهما والتعايش معها باقل الخسائر الممكنة، مع ما يعنيه ذلك على سبيل المثال من وقف للحرب الاعلامية وتنفـيس للاحتقان المزمن السائد فـي صفوف المناصرين، الى ان تستجد معطيات خارجية وداخلية تخلط الاوراق ليخرج من إحداها اسم رئيس الجمهورية الجديد.
والارجح، ان مثل هذا الامر يتطلب تفاهمات إقليمية – دولية، من شأنها متى ما تمت ان تولّدت قوة دفع فـي الداخل اللبناني، لن يكون بمستطاع اللاعبين المحليين فـي حينه مواجهتها. لكن ولادة توافقات من هذا النوع لا تزال تحتاج الى وقت إضافـي، فـي انتظار اكتمال الاتفاق الايراني-الاميركي حول الملف النووي ومن ثم ارضاء السعودية عبر منحها جوائز ترضية فـي ملفات آخرى.
وحتى ذلك الحين، هناك من يعتقد ان الوظيفة الاساسية للحوارات اللبنانية هي تخفـيف التشنج وتحضير الظروف المناسبة للتفاعل مع التطورات المحتملة، بحيث يجري «حرث» الارض لتنبت فـيها التسوية، متى بدأ «الري» الاقليمي والدولي.
Leave a Reply