خليل إسماعيل رمَّال
ما يجعل المقاومة الإسلامية فـي لبنان ملكة المقاومات وأنبلها فـي التاريخ، هو قيادتها الحكيمة التي تزِن الأمور بميزان الذهب قبل أنْ تقوم بأي عمل عسكري بطولي خارق كعملية شبعا-٢. فالعملية جاءت مُحكمة ومدروسة من كل النواحي ضاربةً عدَّة عصافـير بحجر واحد، رغم كيد الزغاليل والطحالب التي جعجعت نيابةً عن الكيان الغاصب.
١- لم يتأخر رد حزب الله الصاعق على عملية القنيطرة حتى لا تتفرَّد «إسرائيل» لوحدها وتفرض قوانين ردع جديدة تناسبها فجاء الانتقام مزلزلاً وطبقاً لمقولة المقاومة «إنْ عدتم عُدنا»، وحتى لا تساورها نفسها أنها مازالت قادرة على العربدة واستباحة الارض متى تشاء من دون عقاب. لقد مضى الزمن الذي كانت تدخُل فـيه «إسرائيل» متنزهةً فـي لبنان ويخرج جنودها وعملاؤها منه قطعة واحدة. كما أن العملية فـي شبعا كانت سريعة لضرورة دمل الجرح العاطفـي الخاص الذي أحدثه استشهاد جهاد عماد مغنية.
٢- لتعاسة حظ سمير جعجع، لم تعد «إسرائيل» تملك قرار الحرب والسلم فـي المنطقة. فـي السابق كانت لا تزال تملك قرار الحرب بسبب جنونها وغطرستها ولكنها فقدت قرار السلم منذ زمن، واليوم بعد عملية شبعا-٢ النوعية فقدت الإثنين معاً. فهي قد انكفأت وامتصَّتْ الضربة بعد عنتريات نتنياهو الأولية ودعوته لعدم اختباره لكنه غيَّر من لهجته بسبب سقوطه فـي امتحان الحرب الشاملة التي يريدها لأسباب انتخابية ولضرب الاتفاق النووي الإيراني-الغربي، لكنه أعجز وأجبن من أنْ يقوم بها ويتحمل أكلافها.
٣- كما أسلفنا فـي المقال السابق جنَتْ على نفسها «براقش صهيون» والحمد لله لأنه أبقانا إلى هذا اليوم لكي نرى ذُل وهوان العدو الغاشم الذي كاد يستعطف ويوسِّط العالم من أجل عدم الرد وَإِنْ كان ولا بد فليكن الرد ضد أهدافٍ عسكرية فقط وكأنَّ المقاومة الخلوقة الشريفة لا تفعل ذلك. لقد اكتحلت أعيننا باليوم الذي شهدنا فـيه «إسرائيل» تشتكي إلى الأمم المتحدة التي رمت كل قراراتها السابقة إلى سلة المهملات.
٤- انتظرت «إسرائيل» الضربة من جهة الغرب فجاءتها من جهة الشرق. إنَّ اختيار المقاومة لموقع العملية كان موفَّقاً جدَّاً وخضع لحسابات لا يعلمها إلاَّ الله والراسخون فـي علم المقاومة، فلم يكن الرد فـي القنيطرة بل فـي شبعا التي هي أرضٌ لبنانية محتلَّة تحمل مشروعية المقاومة والدفاع عن النفس ضد الغاصب.
٥- حقَّقت المقاومة معجزة بطولية بتنفـيذ العملية واصطياد خيرة ضباط العدو بالرغم من حالة الاستنفار القصوى فـي صفوفه منذ عدوان القنيطرة ورغم رصده بالأقمار الصناعية وتحسُّبه لأي حركة على الأرض وتهيُّئِهِ لأي عمل عسكري مقاوم. لكن المقاومة اثبتت عن جدارة قتالية واستخباراتية وتكنولوجية عالية جدَّاً تخطت وخرقت الجيش المسلّح حتى أسنانه بكل العديد والعتاد. وربَّما كان الصاروخان اللذان أُطلقا على الجولان المحتل هما للتمويه قبل تنفـيذ عملية شبعا-٢.
٦- عملية شبعا حملت الرقم واحد مما يعني أنَّ الحساب مفتوح مع العدو الغادر، وما يثلج صدر الشرفاء فـي لبنان وخصوصاً عوائل شهداء القنيطرة هو أن المقاومة تثمِّن عالياً دماء مجاهديها ولا تنام على ضيم لأنَّ العدو لا يفهم إلاَّ لغة القوة. لقد احتفل أنصار المقاومة بالعملية وتحدى الجنوبيون بالأراكيل و«التقريق» والنكات معلنين ثقتهم بقدرات المقاومة.
كم هو عظيم زمن الانتصار للكرامة هذا!
Leave a Reply