بغداد – تتجه الأوضاع في العراق إلى المزيد من التصعيد مع تنامي الاحتجاجات المناوئة للحكومة وتمددها إلى أكثر من محافظة في الوقت الذي واصلت فيه قوات الأمن قمع المظاهرات بالغاز المسيل للدموع وبالرصاص المطاطي، ما أسفر عن مقتل عدد من المتظاهرين وإصابة المئات.
حكومة عادل عبدالمهدي التي تم تشكيلها قبل عام تقريباً، قررت الحزم في مواجهة أول امتحان شعبي لها، لكن ذلك لم يثن المحتجين، عن مواصلة حراكهم العفوي بعيداً عن الشعارات الحزبية.
وقررت السلطات فرض حظر تجول لمحاولة السيطرة على الشارع، في ظل تنامي أعداد المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بمحاسبة الفاسدين ومكافحة البطالة.
وتعد هذه التظاهرات غير مسبوقة، إذ أنها لم تنطلق بدعوة من حزب أو زعيم ديني كما جرت العادة في الحركات الاحتجاجية السابقة، بل جمعت الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والوظائف وفساد السلطة السياسية الحاكمة.
وتم بداية فرض حظر التجول في مدن الناصرية والعمارة والحلة بجنوب البلاد، إلا أن تجدد الاحتجاجات وتوسعها إلى أكثر من منطقة، دفع الحكومة العراقية، الخميس الماضي، إلى إعلان حظر تجول لأجل غير مسمى في العاصمة بغداد وعدد من المدن الأخرى.
واشتبك المحتجون مع قوات الأمن وفي بعض الأنحاء أحرقوا مباني حكومية وحزبية. وأفادت مصادر أخرى في الشرطة بتبادل لإطلاق النار بين المحتجين وقوات الأمن في الناصرية، ثم جرى نشر قوات مكافحة الإرهاب بعدما فقدت الشرطة السيطرة على الوضع.
وقالت مصادر أمنية إن قوات «مكافحة الإرهاب» العراقية استخدمت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لمنع محتجين من اقتحام مطار بغداد.
وفرقت قوات الأمن، التظاهرات في العاصمة وعدة مدن من جنوب البلاد بالقوة، أولاً بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. بعيد ذلك في بغداد خصوصاً، استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي الذي أطلقته في الهواء لساعات في ساحة التحرير.
ومنعاً لوصول المتظاهرين إلى المقار الحكومية والسفارة الأميركية في قلب العاصمة، قررت السلطات إعادة إغلاق «المنطقة الخضراء» التي كانت قد أعيد افتتاحها في حزيران (يونيو) الماضي.
وعادة ما يتخذ المتظاهرون من المنطقة الخضراء وجهة لهم لرمزيتها للعراق ما بعد الغزو.
وإلى جانب حظر التجول بدا صعباً الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي مع بطء شديد في شبكة الإنترنت وتعطلها في معظم أنحاء البلاد.
ويعاني العراق الذي أنهكته الحروب انقطاعاً مزمناً للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات ويحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية.
وبحسب تقارير رسمية، فمنذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.
وأعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس–بلاسخارت عن «قلق بالغ»، داعية السلطات إلى «ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات».
بدورها، أبدت لجنة حقوق الإنسان النيابية اعتراضها على «ردة الفعل الخاطئة وأسلوب قمع التظاهرات السلمية»، مؤكدة ضرورة أن «يتحمل الجميع مسؤوليته».
وقالت الوزارة في بيان إن «وزير الدفاع نجاح الشمري أمر بإدخال كافة القطاعات بالإنذار للحفاظ على سيادة الدولة والمنشآت الحكومية والأهداف الحيوية وكافة السفارات والبعثات الدبلوماسية، وأكد على ضرورة ضبط النفس».
من جانبه، دعا الصدر مناصريه إلى «إضراب عام» لإسناد المتظاهرين، معلناً رفضه التعدي على «المتظاهرين العزل الذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً ولا عنفاً».
وقال الصدر في تغريدة على صفحته بـ«تويتر»: «إننا لا نريد ولا نرى من المصلحة تحول التظاهرات الشعبية إلى تظاهرات تيارية وإلا لأمرنا ثوار الإصلاح بالتظاهر معهم ولكننا نريد الحفاظ على شعبيتها تماماً».
أما الحكومة العراقية فاتهمت «معتدين ومندسين» بالتسبب عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين.
وفيما أكد رئيس الوزراء العراقي على الحق في التظاهر، حذر عبد المهدي من محاولات إخراج التحركات عن مسارها السلمي.
وفي كلمة وجهها الى الشعب العراقي، قال إن «المطالب بمحاربة الفساد والاهتمام بمستقبل الشباب هي مطالب محقة ونحن نستجيب لكل طلب مشروع».
لكنه أضاف أن «هناك علامات استفهام حول الشعارات المرفوعة في التظاهرات ومحاولات استغلال هذه التحركات المطلبية»
عبد المهدي رأى أن الحكومة لا يمكن ان تحقق كل الطموحات خلال سنة واحدة وطالب مجلس النواب منح صلاحيات لرئيس الوزراء لاستكمال التشكيلة الوزارية والقيام بالتعديلات الحكومية، علماً بأنه –حتى الآن– لم يُذكر شيء عن تعديلات وزارية أو استقالات.
ودعا رئيس الوزراء العراقي إلى عودة الحياة الى طبيعتها تحت سقف القانون مشدداً على أن «حفظ الامن يقع في أولوية المصلحة الوطنية العليا»، وأعلن أنه قرر إطلاق سراح المعتقلين ممن لم يرتكبوا أعمالاً جنائية.
وكان عبد المهدي، قد أعلن، عن حظر للتجول في بغداد، من الساعة الخامسة من صباح الخميس حتى إشعار آخر، بما في ذلك «العجلات (الآليات) والأفراد في بغداد».
وعقدت الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي) اجتماعاً عاجلاً «لبحث آلية الاستجابة لمطالب المحتجين».
ووعد عبد المهدي بإتاحة وظائف للخريجين وأصدر تعليمات لوزارة النفط وهيئات حكومية أخرى لاشتراط أن يكون 50 بالمئة من العاملين من العراقيين في التعاقدات التالية مع الشركات الأجنبية.
وكانت الحكومة السابقة قد أصدرت وعوداً مماثلة لتحسين الرعاية الصحية والكهرباء والخدمات في العام الماضي.
من هم المتظاهرون؟
بلغ السيل الزبى بالعراقيين. فبعد عامين من هزيمة تنظيم «داعش» يعيش قطاع كبير من سكان البلاد الذين يقترب عددهم من 40 مليون نسمة في أوضاع متدهورة رغم ما يملكه العراق من ثروة نفطية.
وإذا كان الوضع الأمني قد تحسن عما كان عليه منذ سنوات غير أن البنية التحتية التي حاق بها الدمار لم تمتد إليها يد الإصلاح كما أن الوظائف أصبحت نادرة. ويتهم الشباب من يرون أنها قيادات فاسدة صراحة بالمسؤولية عن ذلك ويقولون إن هذه القيادات لا تمثلهم.
وفي بيان لها، قالت لجنة تنظيم مظاهرات في العراق إن الاحتجاجات عمت الكثير من المحافظات العراقية وسط وجنوبي العراق بصورة واسعة فاقت توقعات المتابعين.
وأضافت اللجنة: «خرج ثوار بغداد والبصرة وميسان والقادسية وذي قار وواسط والمثنى وبابل وكربلاء، إضافة إلى عشرات الأقضية والنواحي وهي أكبر مظاهرة خرجت منذ تظاهرة 25 شباط (فبراير) الماضي».، مؤكدة «فشل أحزاب السلطة والحكومة في ترهيب المتظاهرين».
واتهمت اللجنة، الحكومة وأجهزتها المتنوعة بمحاولة ثانية في التشويش على التظاهرات العراقية بأساليب متعددة من خلال رفع شعارات ومطالب جانبية وقضايا فردية، يرفع لافتاتها وينادي بها موظفون حكوميون ويسلط إعلام الحكومة والأحزاب، الضوء عليها ليقولوا هذه مطالب المتظاهرين بغية حرف مسارها.
وشدد البيان على أن المتظاهرين «يطالبون بحقوق العراقيين وحقوق العراق التي تهدف لاستعادة وطن من الخونة والسراق والمتآمرين ومن يتعاون معهم».
وشهد العراق انطلاق الاحتجاجات الشعبية منذ شتاء 2011 في ظل موجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في إطار ما سمي بـ«الربيع العربي».
ويشكو العراقيون من تغلغل الفساد وترسخه في مختلف دوائر الدولة في ظل حكم الأحزاب الطائفية الذي ظهر بعد سقوط النظام السابق، بموجب «دستور بريمر».
ويقود هذه الاحتجاجات التي ظلت تطل من حين إلى آخر، شبان يطالبون بالقضاء على الفساد وإيجاد فرص عمل لأعداد كبيرة من العاطلين خاصة حملة الشهادات الجامعية، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.فيما يرصد المراقبون غياباً للأحزاب والكتل السياسية والرموز الدينية التي استحوذت على الشارع العراقي بعد الغزو الأميركي للبلد عام 2003. الأمر الذي أوضح أن الصراع الطائفي والعرقي ليس بين أبناء الشعب بل بين الكيانات السياسية التي لا تمثل واقع المجتمع.
Leave a Reply