بغداد – أخيرا، وبعد تسعة اشهر على الانتخابات التشريعية ومخاض عسير في تشكيل الحكومة بسبب عدم انبثاق اكثرية واضحة، منح البرلمان العراقي الثلاثاء الماضي الثقة لحكومة الوحدة الوطنية التي شكلها نوري المالكي واقر برنامجها الرامي الى تحرير الاقتصاد وتنمية الانتاج النفطي ومحاربة الارهاب.
وكانت القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي فازت بـ91 مقعداً وحل بعدها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي (٨٩) الذي شكل بعد مداولات طويلة تحالفا مع الائتلاف العراقي ليشكل كتلة من 159 نائباً.
وكان للفارق البسيط اثره في عرقلة تشكيلة الحكومة حيث بقي الطرفان متمسكين بمواقفهما بالنسبة لحقهما في تشكيل الحكومة، الامر الذي كرس عدم الثقة.
بعد معاناة لاكثر من تسعة اشهر تعرض خلالها العراقيون لمخاطر امنية سقط فيها عشرات القتلى والجرحى، وعانوا من خلافات سياسية كادت تشعل مختلف انواع الفتن الطائفية والمذهبية، شكلت حكومة عراقية جديدة برئاسة نوري المالكي، هي واحدة من اغرب الحكومات في العالم لانها ضمت ممثلين عن جميع الكتل النيابية التي فازت في الانتخابات العامة في آذار الماضي، وحازت بالتالي على ثقة شبه اجماعية من البرلمان، لكن ربع مقاعدها وزع على وزراء بالوكالة نظرا لعدم اتفاق بعض الكتل على اسماء مرشحيها لتولي المناصب الحكومية، فاضطر المالكي نفسه الى الاحتفاظ بوزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني بيده، واعلن بعد نيله الثقة ان الحكومة الجديدة لا ترضي الشارع العراقي لكنها افضل الممكن في الظروف الحالية.
وسيناط بالحكومة الجديدة “اخراج” قوات الاحتلال الاميركي نهائيا من العراق نهاية العام المقبل، كما انها ستواجه عددا كبيرا من التحديات، أبرزها الكلفة الباهظة لإعادة بناء البلد الذي دمره الاحتلال الأميركي وقدرة القوات العراقية على ضبط الأمن قبل وبعد جلاء قوات الاحتلال وتمرير عدد كبير من مشاريع القوانين أبرزها النفط والغاز، بالإضافة إلى إيجاد حلول لموضوع كركوك والمناطق المتنازع عليها، والتي يطالب الأكراد بضمها إلى إقليمهم وهو ما يعارضه العرب والتركمان.
وفي حين أعلن زعيم “القائمة العراقية” إياد علاوي عن دعمه الكامل لحكومة المالكي، قال رئيس كتلة “التحالف الكردستاني” البرلمانية فؤاد معصوم إن “تشكيل حكومة شراكة وطنية مهمة ليست بالأمر السهل، ومع ذلك فقد أسهم الجميع من منطلق الشعور بالمسؤولية لأداء مهمة وطنية”. وأضاف “هنا نؤكد على الشراكة الوطنية الحقيقية وتكون هناك ضمانات يلتزم بها الشركاء، ونرجو أن يكون الوزراء مهنيين بصورة بحتة وليس لهم ميول تجاه هذا الطرف أو ذاك”.
وصوت البرلمان على البرنامج الحكومي، قبل أن يتم التصويت على 30 وزيرا، بالإضافة إلى رئيس الوزراء وثلاثة من نوابه بالغالبية المطلقة، فيما حمل عدد كبير من الوزراء مناصب أخرى بالوكالة. وقام المالكي بترقية نائب وزير النفط عبد الكريم لعيبي إلى منصب الوزير، وحسين الشهرستاني إلى نائب لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة. وعين الزعيم السني رافع العيساوي في منصب وزير المالية. كما عين صالح المطلك نائبا لرئيس الحكومة، فيما استمر هوشيار زيباري في منصب وزير الخارجية.
وقدم المالكي للبرلمان “مبادئ وأسس البرنامج السياسي للحكومة”، وشدد فيه على أهمية “العمل بيد واحدة في حكومة الشراكة الوطنية من اجل خدمة الشعب”، مشيرا إلى أن “برنامج الحكومة يقوم على أساس بناء عراق مستقل ديموقراطي اتحادي يتمتع بسيادة كاملة، والحفاظ على دستور العراق والالتزام به، ومتابعة عمل اللجان المشكلة وفقا للدستور وبخاصة المادة 140” الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها.
وعقدت الحكومة العراقية الجديدة أول اجتماع لها الأربعاء الماضي برئاسة المالكي، وذلك بعد تأديتها اليمين الدستورية وترحيب المجتمع الدولي بها.
وقال المستشار الإعلامي للمالكي علي موسوي إن رئيس الوزراء أكد خلال الاجتماع أن الأولويات الثلاث الرئيسية للحكومة هي الأمن، والخدمات العامة خصوصا الكهرباء، والعلاقة مع دول الجوار.
وتعهد المالكي بمواصلة الحكومة محاربة الإرهاب وإصلاح العلاقات مع دول الجوار، واستكمال بناء القوات المسلحة وبسط سلطة القانون والتأكيد على استقلالية القضاء، والسعي لإكمال مشروع المصالحة الوطنية ومتابعة تنفيذ عقود النفط والغاز التي أبرمت مع الشركات العالمية وتحرير الاقتصاد العراقي من النظام المركزي إلى اقتصاد السوق.
واعترف المالكي بان حكومته ليست مثالية. وقال “لا يمكنني القول أن هذه الحكومة، بكل تشكيلاتها، ترضي طموحات المواطنين العراقيين أو الكتل السياسية أو طموحاتي أو طموحات أي شخص لأنه تم تشكيلها في ظروف استثنائية”. وأضاف “هذا ما لدينا، وكان يمكن أن يكون أحسن لو تمسكنا بقراراتنا”.
وحمل الكتل السياسية مسؤولية تأجيل الإعلان عن الوزارات الباقية، مشيرا إلى انه تم تأجيل بعضها بسبب عدم ترشيح نساء لترؤسها. واحتجت نائبتان على غياب المرأة عن تشكيل الحكومة الجديدة. وأضاف المالكي “أجلت بعض الوزارات لأنني مسؤول عن اختيار الأفضل والأكثر خبرة، لكن مع الأسف فان تسليم السير الذاتية للمرشحين تأخر، واستلمت أسماء بعضهم”. وتابع “احتاج فترة لاختيار الأفضل، وسأستمر بدراسة الملفات حتى استطيع الاختيار على أساس القدرة والكفاءة. وسأطلب تغيير بعضهم إذا وجدت الشروط غير متوفرة فيهم”.
وقال الرئيس الاميركي باراك اوباما، في بيان، إن تصويت البرلمان على الثقة بحكومة المالكي “يشكل لحظة مهمة في تاريخ العراق وخطوة كبيرة إلى الأمام لدفع الوحدة الوطنية. إن قرارهم تشكيل حكومة مشاركة تضم الجميع هو رفض واضح لجهود المتطرفين لإثارة الانقسامات الطائفية”. واعتبر أن منح الثقة لهذه الحكومة يدل على أن “العراقيين وممثليهم اظهروا مرة أخرى التزامهم العمل في إطار العملية الديموقراطية لتجاوز خلافاتهم وتحديد مستقبل العراق”، واعدا بمواصلة “تعزيز شراكتنا” مع هذا البلد.
عراق ٢٠١١
انهى العراق الذي يستعد لتولي مسؤولياته الكاملة مع انسحاب القوات الاميركية العام المقبل، سنة 2010 مع انفراج ازمة تشكيل الحكومة التي شغلت الاوساط السياسية لفترة طويلة مع منح البرلمان الثقة للحكومة الجديدة.
وشكل التأخر في تشكيل الحكومة أثراً واضحاً على مجرى الاحداث السياسية وشغل كل الحديث السياسي في الفترة الماضية.
وسجل العام 2010 ايضاً انخفاض عدد الجنود الاميركيين في العراق الى اقل من خمسين الفاً في خطوة نحو انسحاب كامل للقوات الاميركية، وينتظر العراق نهاية عام 2011 الانسحاب الكامل للقوات الاميركية في تطور سيكون الابرز منذ سقوط نظام صدام حسين. إلا أنه من المرجح أن تقوم الحكومة العراقية ببعض التعديلات تضمن بقاء عدد من القوات برغبة لتحقيق بعض الجوانب لامور التدريب والمعلومات والاستخباراتية.
في الإطار الاقتصادي يبدي بعض المراقبين تفاؤلا بان العام المقبل سيكون افضل لعدة اعتبارات أبرزها تشكيل حكومة في ظل استثمار الشركات الاجنبية التي توافقت وتسابقت للفوز بعقود النفط.
ووقع العراق في المجموع عشرة عقود مع شركات اجنبية منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لاستغلال عشرة من حقوله النفطية. كما فازت اربع شركات عالمية في تشرين الاول (اكتوبر) بعقود استثمار للمرة الاولى للعمل في ثلاثة حقول للغاز في العراق سيستغل انتاجها لتشغيل محطات لتوليد الطاقة الكهربائية بشكل رئيسي.
وعلى الرغم ان العراق شهد استقراراً امنياً نسبياً في عام 2010 الا ان هجمات نوعية تبنى معظمها تنظيم القاعدة، اثارت شكوكاً حول امكانياته لمواجهة التحديات.
وكان ابرز الاحداث الامنية مقتل 44 مسيحياً في عملية اقتحام كنيسة سيدة النجاة في حي الكرادة في 31 تشرين الاول، هو الاعنف في البلاد منذ 2003.
وبلغ عدد ضحايا اعمال العنف في 2010 حتى الان 3428 قتيلاً وفقاً لاحصائيات صدرت عن وزارت الصحة والدفاع والداخلية العراقية، وهي اقل بقليل فقط من العام الذي سبقه بالرغم من ان عدد الهجمات انخفض بشكل ملحوظ الا انها كانت اكثر دموية.
Leave a Reply