وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
طغى الحديث في الأيام القليلة الماضية عن إعادة التموضع الأميركية التي تشهدها الساحة العراقية والحركة المكثفة للطائرات في سماء بغداد إضافة إلى نشر منظومة صواريخ باتريوت، على كل ما يعيشه العراق من أزمات، من تفشي الكورونا إلى الانهيار الاقتصادي وصولاً إلى المحاولات المستمرة والمتعثرة لتأليف الحكومة، مع ما استبطنته تلك التحركات من تهديدات مباشرة وغير مباشرة لبعض الفصائل العراقية المنضوية تحت الحشد الشعبي الذي ينتمي بدوره إلى السلطة الرسمية ويمثل جزءاً لا يتجزأ من القوى الأمنية التابعة لها.
تهديدات متبادلة
تهديدات متلاحقة يتبادلها الأميركيون مع بعض الأطراف العراقيين المعنيين بالتوتر المستجد، ومن خلفها إيران، وقد أفاد مصدر أمني بأن قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار كانت قد شهدت وصول طائرات تقل جنوداً ومستشارين أميركيين إلى مبنى القاعدة.
في المقابل، جاءت زيارة الجنرال إسماعيل قاآني إلى بغداد الثلاثاء الماضي لتعيد ترتيب أوراق البيت الشيعي وتمهد لاستمرار العلاقة بين إيران والفصائل العراقية الموالية لها، من خلال تسليم ملف تلك العلاقة للجنرال قاآني «قائد قوة القدس» خليفة قاسم سليماني.
وفي محاولة لرسم صورة واضحة عن الوضع في العراق، وعن زيارة قاآني تحديداً وأهدافها، سألت «صدى الوطن» النائب السابق في البرلمان العراقي ورئيس المكتب السياسي لحركة «عبا» زاهر العبادي فاعتبر أن زيارة قاآني الثلاثاء الماضي والتي كانت بعيدة عن الأضواء، التقى خلالها رئيس «كتلة الفتح» هادي العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي ورئيس «تيار الحكمة» عمار الحكيم، فيما جرى الحديث عن لقاء مرتقب مع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لكنه تأجل ولم يعرف إلى متى.
ووسط كل ذلك يصف النائب السابق زيارة قاآني بالاعتيادية على نسق الزيارات التي كان يقوم بها القائد السابق لقوة القدس قبل اغتياله وهو اليوم يزور العراق بصفته ممثلاً لدولة مجاورة لها الكثير من الأصدقاء في الساحة العراقية، وهناك الكثير من الأمور التي استجدت وهو ما استدعى القيام بهذه الزيارة وهي أيضاً تدخل في سياق توطيد العلاقة بين البلدين ومتابعة الاستعدادات على الأرض ولا سيما بعد التهديدات الأميركية الأخيرة، والحديث عن «انقلاب وشيك» إضافة إلى موضوع تأليف الحكومة وتكليف عدنان الزرفي والذي اعتبره «معركة كسر عظم» ضد المكونات الشيعية والتي للكتلة الأكبر فيها الحق الحصري في اختيار رئيس الوزراء بحكم القانون، وهو ما لم يحدث وتجاوزه الرئيس العراقي بتسمية الزرفي من دون العودة إليها، وهو يعد تعدياً على هذا الحق.
يلفت العبادي أيضاً إلى أن زيارة قاآني ليست لتأكيد رفض إيران تكليف الزرفي بتأليف الحكومة لأن ثلثي المكونات الشيعية أعلنت رفضها صراحة له وعدم رغبتها في توليه المنصب فيما تريث الثلث المتبقي مع رفض ضمني في انتظار جلاء الصورة. ما يعني انتفاء حاجة قاآني لممارسة أي ضغط على تلك المكونات لاستبعاد الزرفي لأن الأمر بات بحكم المنتهي والمحسوم.
حظوظ الزرفي
وتأتي الزيارة أيضاً في سياق حث القوى الشيعية التي «تمون» عليها إيران لخلق جو من الاستقرار والتوافق على الساحة العراقية وإن كل ما يقال أو يشاع خلاف ذلك عن أهداف الزيارة والظروف التي أحاطت بها هو مغاير للحقيقة.
ويلفت النائب السابق إلى وجود توجه من قبل القوى الشيعية إلى التوافق على شخصية تلقى شبه إجماع وغير جدلية ولا شبهات تحوم حولها وهو ما لا يمتلكه الزرفي بطبيعة الحال ويعود هنا إلى زيارة قاآني التي يجزم بأنها تصب في هذا السياق وفي نصح العراقيين باختيار شخصية توافقية تحظى برضى الغالبية وتوافقها، تخدم المرحلة وتستطيع العبور بالبلاد نحو الاستقرار السياسي وتجاوز أزمة الكورونا وسط ما يمتلكه العراق من إمكانات ضعيفة وانخفاض أسعار النفط والتهديدات الأمنية المستمرة، باعتبار أن استقرار العراق يخدم كل محيطه.
وعن حظوظ الزرفي في متابعة مهمته وتشكيل الكابينة الحكومية يؤكد العبادي عدم وجود موقف شخصي من الزرفي بل هناك خلاف على الآلية التي تم اختياره من خلالها بلحاظ عدم دستورية التكليف، لكنه في الوقت عينه يعتقد أن الزرفي لن يعتذر بل سيتابع حتى نهاية الثلاثين يوماً وهي المهلة الدستورية التي يمتلكها لتأليف حكومته، لأنه إذا فعل فسيخسر مستقبله السياسي ولن يكلف لاحقاً بأي مهمة سياسية رسمية.
غير أن عضو «كتلة الفتح» النيابية، محمد سالم الغبان، ذهب، الأربعاء الماضي، إلى حد القول إن الرئيس العراقي برهم صالح نفسه، سيخضع للمساءلة القانونية خلال اليومين المقبلين،
وقال الغبان في تغريدة على موقعه في «تويتر» إن «رئيس الجمهورية سيكون تحت طائلة المساءلة القانونية والبرلمانية خلال اليومين المقبلين وسينتج عن ذلك بطلان».
عودة محتملة لعادل عبد المهدي
وحول الحديث عن طرح آخر يتعلق باستمرار تكليف عادل عبد المهدي يشير العبادي إلى أن هناك كلاماً حقيقياً بشأن ذلك ولا سيما في ظل وجود أزمة الكورونا واستحالة التفكير في إجراء انتخابات مبكرة في المدى المنظور وسط تزايد أعداد المصابين فضلاً عن الوضع الاقتصادي السيء، كل هذه الأمور هي فعلياً ملقاة على عاتق عبد المهدي إلى حين انتهاء الأزمة وتنظيم انتخابات مبكرة.
لكن هناك رأياً مغايراً لهذا الطرح يقضي باختيار شخصية توافقية تُمنح صلاحيات كاملة وتمضي باتجاه تشكيل الحكومة.
وفي معرض تقييمه للضربات الأميركية التي استهدفت فصائل من الحشد الشعبي، يعبر العبادي عن رفضه القاطع لها لأن الحشد الشعبي ينضوي داخل إطار الدولة ويتبع رئاسة الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ما يعني أن الاعتداء عليه اعتداء مباشر على العراق وسيادته ولكنه في الوقت نفسه يوجه نداء لكل الفصائل كي توحد كلمتها ضمن إطار القائد العام للقوات المسلحة حتى لا تكون هناك ذريعة للولايات المتحدة أو غيرها لضرب أي مكون عراقي.
في المقلب الآخر يلفت العبادي إلى الضربات أو الهجمات التي تشنها بعض المجموعات المسلحة المجهولة بحيث لم يقم أي فصيل أو جهة بتبنيها، ويشير إلى تجنيد بعض المجموعات للقيام بأعمال مماثلة بهدف خلق إرباك ومزيد من التوتر بين القوات الأميركية وفصائل الحشد الشعبي وزعزعة الأمن والاستقرار في العراق، والتسبب بمواجهة عسكرية بين القوات الأميركية وبعض فصائل الحشد الشعبي.
وفيما خص التحركات العسكرية الأميركية والتي تمثلت في إعادة التموضع وإخلاء بعض المواقع والانتقال إلى أخرى، يشير العبادي إلى أنه في ظل محاولات تأليف الحكومة المتعثرة تحاول واشنطن الضغط على الفصائل العراقية والشيعية تحديداً بسبب رفضها تكليف عدنان الزرفي، كما أنها تسعى إلى حماية جنودها من التهديدات المحدقة بها ولا سيما في ظل النوايا الأميركية لتوجيه ضربات لبعض الفصائل العراقية مثل «كتائب حزب الله» و«منظمة بدر» وفق تسريبات صحف أميركية وهو ما يستتبع رداً من قبل تلك الفصائل بطبيعة الحال.
من جهتها، أعلنت واشنطن، الخميس الماضي، نقل أنظمة دفاعية إلى العراق، لحماية «التحالف الدولي» ومن ضمنه القوات الأميركية في البلاد. كذلك غرد ترامب عبر «تويتر» أن لديه معلومات تشير إلى أن «إيران» أو «وكلاءها» يخططون لتنفيذ هجمات على القوات والممتلكات الأميركية في العراق. وجاء الرد من رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري الذي شدد على أن إيران تراقب تماما التحركات الأميركية وتتابعها لحظة بلحظة، مؤكداً أن بلاده ليس لها أية علاقة باستهداف القواعد الأميركية في العراق.
Leave a Reply