وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
جلسة الإثنين الماضي التي كان من المفترض أن يتم فيها انتخاب رئيس جديد للجمهورية العراقية أُفشلت وتم تطيير النصاب ولم يحضر سوى 58 نائباً من أصل 329.
فقد رشّح «الاتحاد الوطني الكردستاني» برهم صالح من جديد لرئاسة الجمهورية، وبالتحالف مع «الإطار التنسيقي» المناوئ للأغلبية الصدرية التي تسعى إلى تشكيل حكومة بالتحالف مع التكتل السني الأبرز «تحالف السيادة» المكون من اندماج كتلتي محمد الحلبوسي (رئيس البرلمان) وخميس الخنجر.
الشقاق الحاصل داخل الصف الشيعي انعكس على المكوّن الكردي، والخلاف الحالي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين على هوية الرئيس المقبل يخالف ما كانا قد اتفقا عليه سابقاً وبات بمنزلة العرف منذ اتفاق عام 2006 وهو أن يتولى الديمقراطي الرئاسة في الإقليم على أن يتولى «الاتحاد» رئاسة الجمهورية، ما يعني تبنّي ترشيح برهم صالح من قبل كلا الحزبين، إلا في حال التوافق على غير ذلك. الجدير ذكره أن القوى المعارضة لـ«تحالف الأغلبية» تملك أكثر بكثير من ثلث عدد أعضاء مجلس النواب، بما يمكّنها إذا أرادت، من منْع اكتمال النصاب البالغ 220 نائباً، فيما يملك التحالف الأوّل، بأطرافه الثلاثة مجتمعين، 172 نائباً، أي أنه يظلّ قاصراً عن توفير النصاب.
ترشيح زيباري
في هذا السياق، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، يوم الأحد الماضي، بياناً مقتضباً أبطلت فيه ترشيح هوشيار زيباري للرئاسة وحددت موعداً للمرافعة بشأن الدعوى المُقامة ضد قبول ترشيحه، فيما أكدت كتلة «الحزب الديمقراطي الكردستاني» على لسان رئيستها، فيان صبري، تمسكها بترشيح زيباري مشددة على احترامها لقرار المحكمة واعتبار الدعوى «كيدية».
عدم حسم موضوع الكتلة الأكبر التي يخولها الدستور العراقي –بحسب المادة 76– تقديم مرشّحها لتشكيل الحكومة، هو سبب عدم الاتفاق بين الكتل السياسية على مرشّح رئاسة الجمهورية، لكن ثمة من يعوّل على قرار «المستقلين» لقلب الموازين.
ووفقاً للدستور العراقي أيضاً، سيستمر رئيس الجمهورية الحالي في تصريف الأعمال، فيما يقول الخبراء إنه في حال استمرار التغيّب عن جلسات البرلمان، يُطبَّق على الغائبين قانون الاستبدال وفق المادة 18 وما بعدها من النظام الداخلي للبرلمان.
فعدم الحضور، إذا استمرّ، يُعدّ حنثاً باليمين، تُطبَّق عليه المادة 235 من قانون العقوبات العراقي التي تنصّ على الحبس والغرامة أو عليهما معاً.
باب الترشح للرئاسة
وعلى أثر الإخفاق في انتخاب الرئيس الجديد، عمد رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، يوم الثلاثاء الماضي، إلى إعادة فتح باب الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية. وقالت رئاسة مجلس النواب في بيان لها، إنه «نظراً لانتهاء المدة الدستورية المحدّدة لانتخاب رئيس الجمهورية، بموجب المادة «72/ ثانياً، ب» من الدستور، دون انتخابه، واستناداً لأحكام قانون الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية رقم (8) لسنة 2012، قرّرت رئاسة المجلس فتح باب الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية حتى يوم الجمعة (مع إعداد هذا التقرير).
على أثر بيان المجلس، صدرت ردود فعل من بعض القوى، فاعتبر «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، على لسان النائب محمد الصيهود، أن ذلك يعد مخالفة دستورية واضحة جداً، لافتاً إلى أن الفيصل في قضايا خلافية دستورية وقانونية كهذه، هو المحكمة الاتحادية العليا، مشيراً إلى وجود نية لدى جهات وشخصيات مختلفة للطعن بهذا القرار، أمام المحكمة الاتحادية.
أما تحالف «السيادة» الذي يتزعّمه خميس الخنجر، فقد رأى أن القرار دستوري وهو من ضمن صلاحيات رئاسة البرلمان.
مفاوضات مستمرة
رغم إعلان الصدر تجميد المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة ومقاطعة كتلته لجلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، يستمر التواصل والتفاوض بين الكتل السياسية في الغرف المغلقة، في ظل إصرار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على تشكيل حكومة أغلبية تُقصي زعيم «ائتلاف دولة القانون» الذي شغل منصب رئيس مجلس الوزراء لدورتين، وهذا ما يرفضه قادة «الإطار التنسيقي» الذين يطالبون بتشكيل حكومة توافق مثلما جرت عليه العادة منذ سقوط نظام صدام حسين. فيما كان لافتاً إعلان النائب مشعان الجبوري القيادي في تحالف «السيادة» الذي يضم أغلبية القوى السياسية السنية يوم الثلاثاء المنصرم، أن التحالف يدعم بقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي في منصبه لولاية الثانية.
قاآني في بغداد
في إطار المساعي التي تقوم بها إيران للملمة «البيت الشيعي»، قام اللواء إسماعيل قاآني، قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيرانية، بزيارة غير معلنة للعراق، هي الثالثة له خلال شهر واحد، حيث انخرط في جولة مباحثات بين العاصمة بغداد والنجف، لم تُفضِ إلى حلحلة للانقسام الشيعي–الشيعي بشأن تشكيل الحكومة.
وشملت لقاءات قاآني زيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في منزله بالحنانة. وعن فحوى الاجتماع، تحدثت مصادر موثوقة عن أن قاآني سلّم الصدر رسالة من المرشد الإيراني علي خامنئي، أكد فيها ضرورة توحيد البيت الشيعي بكل قواه، والتشديد على حرمة تفكيك هذا البيت، تحت أي ظرف كان، فيما أبلغ الصدر قاآني، بأنه ماضٍ في مشروع حكومة الأغلبية، بمشاركة أطراف من الإطار التنسيقي، باستثناء تيار المالكي. وغرد الصدر تغريدة بعد لقائه قاآني: «لا شرقية لا غربية.. حكومة أغلبية وطنية».
وفي دلالة واضحة على المسار المعقد الذي بلغته مفاوضات تشكيل الحكومة، قال الصدر في كلمة متلفزة: «دعوتُ هادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض للمشاركة في حكومة الأغلبية بشرط عدم مشاركة المالكي لكنهم رفضوا ذلك»، وأضاف: «إن قوى الإطار التنسيقي رهنت مشاركة المالكي بقدومها للحنّانة وقلنا لهم: براحتكم». في المقابل، أكدت مصادر في «الإطار التنسيقي»، لوسائل إعلام محلية، أن «الأمور اتضحت، ويبدو أن جزءاً من الإطار سيلتحق بالكتلة الصدرية لتشكيل الكتلة الشيعية الأكبر، وأنه لا مجال لحلحلة الأزمة السياسية الحالية بغير ذلك».
استهداف المرجعية
إضافة إلى العراقيل التي تواجه الصدر في تشكيل الحكومة وفق ما يريد، برز إلى الواجهة خلال الأسبوع الماضي كلام أحد أبرز القياديين في التيار الصدري، وهو حازم الأعرجي الذي أطلق تصريحاً وصفه البعض بأنه تطاول على المرجعية. فقد قال الأعرجي إن «قرار العراق يصدر فقط من الحنانة» وهو مقر إقامة الصدر في النجف، غامزاً من قناة المرجع السيد علي السيستاني، ليعتذر لاحقاً بالقول: «إن السيد مقتدى الصدر أمرني بالاعتذار»! علماً بأن الصدر عادة ما يعاقب محازبيه ممن يرى في سلوكهم أو تصريحاتهم أي تجاوز بالطرد، أو على الأقل بتجميد عملهم وكف يدهم، لكنه هذه المرة اكتفى بطلب الاعتذار من الأعرجي، ربما لأن الأمر في نظره ليس كبيراً ولا يستحق أكثر من اعتذار.
التطاول على مرجعية السيستاني أولاً، بما يمثله من ثقل في الساحة العراقية، والاكتفاء بالاعتذار لاحقاً، أدّيا إلى خروج تظاهرات مستنكرة في عدد من المناطق، وإلى عاصفة من الانتقادات من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم توفر الصدر عينه، الذي لطالما سعى إلى تقديم نفسه ظلاً للمرجعية ومتماهياً مع مواقفها، ولاسيما في محاولة إسباغ صفة الحياد على بلاد الرافدين، وهو ما يبدو مستحيلاً في بلد مثل العراق تتنازعه الانتماءات الطائفية والعرقية والتدخلات الخارجية.
موجة التطبيع؟
علامات استفهام كثيرة تُطرح بشأن طموحات الصدر الفضفاضة للإمساك بزمام الأمور في العراق، علماً بأنها غير معبدة بالورود، فدونها عقبات كثيرة أبرزها القوى المتحالفة مع إيران بذراعها العسكرية، «الحشد الشعبي» والتي لا يُستهان بقدراتها، فيما بات واضحاً أن أول خطوة سيتخذها الصدر في حال تشكيل حكومة أغلبية وفقاً لما يريد هو حل »الحشد الشعبي» ودمجه في القوات الأمنية الرسمية. هذا فضلاً عن التساؤلات التي تحيط بالعلاقة التي تربطه بكل من السعودية والإمارات وسط موجة التطبيع الحالية التي تتزعمها أبوظبي ما يعزز الشكوك حول نية الصدر في الالتحاق بركب المطبعين.
Leave a Reply