وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بسبع حقائب شاغرة، تجاوز مصطفى الكاظمي «قطوع» التصويت على الثقة داخل البرلمان العراقي بعدما ظل الشد والجذب بين الأحزاب على المقاعد الوزارية حتى اللحظات الأخيرة، فولدت الحكومة الجديدة بعد نحو سبعة أشهر من المخاض السياسي العسير، وإن كانت غير مكتملة الأعضاء.
نجح الكاظمي رئيس المخابرات والصحفي السابق، حيث فشل الآخرون، ونال إجماع غالبية القوى اللاعبة على المسرحين المحلي والإقليمي، بعد رحلة شاقة بدأها الرجل على وقع أزمات تكاد لا تُعد ولا تُحصى… وربما كان التوازن الذي يتميز به الكاظمي في علاقته بكل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة، العامل الأبرز في تخطي المهمة شبه المستحيلة رغم التعقيدات الشديدة سواء في التركيبة السياسية العراقية أو التشابكات الإقليمية والدولية.
فقد بارك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لرئيس الحكومة الجديد بمهمته الجديدة، وأكد دعم بلاده للشعب العراقي، وحذا حذوه نظيره الأميركي مايك بومبيو الذي سارع بدوره إلى تهنئة الكاظمي مانحاً إياه «هدية البداية» وهي عبارة عن استثناء لمدة عشرين يوماً لمواصلة استيراد الكهرباء من إيران لمساعدة الحكومة الجديدة.
الكابينة العتيدة
في التفاصيل، صوّت مجلس النواب العراقي، الثلاثاء الماضي، على كابينة من 15 وزيراً وهم: عثمان الغانمي وزيراً للداخلية، جمعة عناد وزيراً للدفاع، علي عبد الأمير علاوي وزيراً للمالية، خالد بتال وزيراً للتخطيط، حسن التميمي وزيراً للصحة، نبيل كاظم وزيراً للتعليم العالي، ماجد مهدي وزيراً للكهرباء، نازين محمد وزيراً للبلديات، ناصر حسين وزيراً للنقل، عدنان درجال وزيراً للشباب، منهل عزيز وزيراً للصناعة، أركان شهاب أحمد وزيراً للاتصالات، عادل حاشوس وزيراً للعمل، مهدي رشيد وزيراً للموارد المائية، علي حميد مخلف وزيراً للتربية، في حين رفض المجلس منح الثقة لوزراء التجارة والعدل والثقافة والزراعة والهجرة وتأجل التصويت على وزيري الخارجية والنفط.
وكان «المنهاج الحكومي» الذي وقعه الكاظمي ونال على أساسه، قد تضمن العديد من المحاور الاستراتيجية كإجراء انتخابات مبكرة بعد استكمال مشروع القانون الانتخابي وحماية سيادة العراق وأمنه، وحصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها العسكرية الرسمية، إضافة إلى إعداد مشروع قانون موازنة استثنائية، والتركيز على مكافحة الفساد وتفعيل الملفات المعطلة.
وقال الكاظمي على حسابه على تويتر بعد موافقة البرلمان على حكومته «سيادة العراق وأمنه واستقراره وازدهاره مسارنا».
وقال إنه سيعطي الأولوية للتصدي لجائحة فيروس كورونا، ومحاسبة قتلة المحتجين في المظاهرات المناهضة للحكومة خلال الشهور الماضية.
ويقول مسؤولون عراقيون إن الكاظمي شخصية مقبولة لدى كل من الولايات المتحدة وإيران، اللتين تحول الصراع بينهما على النفوذ في العراق إلى مواجهة مفتوحة في العام الماضي.
الإعفاء الأميركي
وبالعودة إلى «الهدية» الأميركية، فمنذ نحو عام ونيف، وأميركا تمدد الإعفاء الذي يسمح للعراق باستيراد الكهرباء والغاز من إيران لمدة 90 أو 120 يوماً، وقد فعلت ذلك مراراً وتكراراً. وقد أعلنت الخميس المنصرم أنها ستمدد الإعفاء أربعة أشهر إضافية، وهذا معناه أن الشعب العراقي سيستمتع من الآن وحتی نهاية فصل الصيف بهذه النعمة.
وفي الواقع، لا يمكن لواشنطن إجبار بغداد على قطع العلاقات مع جارتها طهران، كما أن إدارة ترامب تسعى جاهدة لامتصاص غضب الشعب العراقي المتزايد من وجود القوات الأميركية في بلاد الرافدين، لاسيما بعد تعالي الأصوات المنادية بطردها.
مواقف محلية
رئيس وزراء الحكومة المحلية في كردستان العراق، مسرور بارزاني، أشار في تصريح له إلى أنه يتطلع للعمل بشكل وثيق مع حكومة الكاظمي، إثر مكالمة هاتفية بينهما.
رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، بارك –بدوره– للكاظمي نيله ثقة البرلمان، داعياً الجميع إلى الالتفاف حول الحكومة الجديدة لتوفير كل وسائل الدعم والمساعدة لتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
وفي موقف له الكثير من الدلالات، استقبل رئيس «تيار الحكمة» السيد عمار الحكيم، بمكتبه رئيس الوزراء الجديد وبارك له نيل الثقة.
وأكد الحكيم خلال اللقاء على ضرورة معالجة الأزمات وجعلها على رأس الأولويات بالنسبة للحكومة، وعلى رأسها مواجهة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية نتيجة انخفاض أسعار النفط.
كما شدد بيان الحكيم «على الالتزام بتنفيذ البرنامج الحكومي وإجراء الانتخابات المبكرة وحصر السلاح بيد الدولة وتوفير بيئة انتخابية تنافسية بين الجميع».
وقال الحكيم «إن العراق منطقة التقاء المصالح لا تقاطعها»، داعياً إلى «سياسة خارجية متوازنة» مشدداً على «ضرورة الانتهاء من إكمال باقي الوزارات الشاغرة ليتسنى للحكومة التحرك وفق خط أفقي واحد».
تحديات مفتوحة
يتعين على حكومة الكاظمي التعامل مع أزمة اقتصادية وشيكة عجل بها انهيار أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات العراق.
ويمثل الضغط الذي شكلته الاحتجاجات تحدياً لا يستهان به أمام الحكومة الجديدة، فما كان يرضي الشعب سابقا قد لا يرضيه اليوم، خصوصا وأن الاحتجاجات كانت السبب بالإطاحة بعبد المهدي بعد عام ونصف من قيادته الحكومة، قبل انتهاء ولايته؛ الأمر الذي لم تشهده البلاد منذ 2003.
كما تواجه حكومة الكاظمي تمرداً متصاعداً من جانب تنظيم «داعش» حيث يكثف التنظيم المتشدد، الهجمات على القوات الحكومية من مخابئ في مناطق نائية بشمال البلاد.
ويواجه العراق أيضاً خطر أن يجد نفسه محاصراً وسط أية مواجهة بين واشنطن وطهران، إذ لم يعد خافياً أن الكباش الأميركي الإيراني على الساحة العراقية قد بلغ مرحلة دقيقة وحساسة ولاسيما بعد اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني.
وفي ظل تشابك التحديات المحلية والداخلية، وعودة تنظيم «داعش» إلى الواجهة من خلال استهداف مواقع الحشد الشعبي، تناقل العراقيون بقلق، معلومات عن ضغوط أميركية قاسية تحدث عنها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وصلت إلى حد التهديد بتدمير العراق في حال عدم تمرير وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء.
غير أن إيران تداركت الموقف بحنكة معهودة، فبادرت فوراً وعبر وزير خارجيتها إلى تهنئة الكاظمي، في مسعى واضح لامتصاص الضغوط الأميركية.
وعلى الرغم من التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران، يتفاوض الطرفان على إطلاق سراح عدد من السجناء، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
ووفقاً للصحيفة يتفاوض الطرفان على صفقة من شأنها إطلاق سراح ضابط سابق بالبحرية الأميركية تحتجزه السلطات الإيرانية مقابل طبيب إيراني أميركي تحتجزه واشنطن.
وأكدت الصحيفة أن هذه المفاوضات استثنائية لأنها تأتي في وقت يتزايد فيه التوتر بين واشنطن وطهران، وقطع العلاقة بينهما بشكل كامل.
في الختام، يمكن القول إن التحديات أمام الحكومة العراقية العتيدة جسيمة وكبيرة، تبدأ باستكمال التشكيلة الوزارية التي ما زالت تعاني شغور سبع حقائب فيها، مع اليقين بصعوبة ملء ذلك الشغور في وقت قريب، إضافة إلى أزمة جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد.
وفي انتظار ما ستؤول اليه الأمور في الأيام المقبلة، ما زال الشارع العراقي يرزح تحت ضغط الأزمات على أمل أن تنجح الحكومة الجديدة في تحقيق بعض الوعود التي أطلقتها في منهاجها الوزاري.
Leave a Reply