جاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى منصبه، كمرشح تسوية، في عراق جديد ينتهج المحاصصة ويتناهب المكاسب.
استبشر الكثيرون بمقدمه، لما له من حزام أمني في البرلمان، وتأريخ في إدارة الملف الجهادي لحزب الدعوة، ولامتيازه بالكياسة وبقلب ثابت شجاع ولباقة ومسحة تدين. إلا أنه ما بين رجل الأمن الحزبي ورجل الدولة الأول المزيد من الامتحانات. إن السياسة العراقية اليوم لا تدار في المكاتب الرسمية، بل في المطابخ السياسية المحلية والدولية. وتناولها يستوجب المزيد من الدراية والحذر، فبقدر ما تعطي هذه الوجبات من قوة، فإنها تهدد بالتسميم. ولكن المالكي المقدام، ما كان مباليا في تناولها وإرضاء طباخيها، متجاوزا بذلك تحذيرات شروط الـ”حلال” في السياسة.. والمبادئ!
أرى شخصيا، أن قوة المالكي هي نقطة ضعفه، فقد كان جسورا حيث ينبغي أن يكون حكيما. وما تجاسر عليه كان من المحرمات الخطايا، في أعراف الثورة الإسلامية، كما في قوانين السياسة الوضعية. لذا امتلأت مائدته ومن حوله حواريوه، بنتاج المطبخ الحزبي والأميركي والبعثي.. والميكافيللي معا، في خبطة كانت عجبا!
الطبخة الأميركية، قدمت له يوم حصاره، اذ أراد شركاؤه الإطاحة به بالتصويت البرلماني، حين ظهرت بوادر انفراده وحاشيته الحزبية بالسلطة، إلا أن العصا الأميركية والوضع الأمني حال دون ذلك.
لقد أرادت له أن يكون الضد النوعي للائتلاف الشيعي، المتهم بموالاة إيران، فكان لها ما أرادت فصال في (صولة الفرسان) ضد الخارجين عن القانون في التيار الصدري، وأرادها ضربة للتيار برمته، حتى إنه رفض التفاهم يومها مع مقتدى الصدر مع أنه كان من المتذمرين من هؤلاء الخارجين عن القانون، فرحبت أميركا بذلك، ومنحته شهادة قبول.
بعدها رفع كلمة “الإسلامية” من اسم حزبه (حزب الدعوة الإسلامية) ودخل الانتخابات بقائمة منعزلة عن التجمع الشيعي. واثقا من فوزه بأغلبية مريحة، واذ لم يفز عاد الى التحالف الشيعي، عودة الابن الضال، فلم تقبل به وتفرضه، رغم الولاء، ألا مخففا بالشيعي العلماني الآخر إياد علاوي، الذي قبل شريكا بل رئيسا!
ناهيك عن أن المجاهرة بالولاء للإدارة الأميركية والاستقواء بها، قد أحبط التراث الفكري، لحزب الدعوة المولد لأغلب الحركات الشيعية في المنطقة. وحتى لو حاز المالكي على كرسي الرئاسة، فانه سيكون بمثابة المومياء عليه، أو كشرطي المرور، كما قال مساعده حيدر العبادي، لا دور له سوى التأشير.
إن طبخة التسوية الأولى، التي نشطته ليكون رئيسا، ظهر أثرها الآن. فالمجلس الأعلى، الشريك بالائتلاف الشيعي، رضي وفق تلك التسوية، أن تكون رئاسة الوزراء من حصة شريكه حزب الدعوة لدورتين (الجعفري والمالكي). وقد انطوت تلك التسوية على اتفاق ضمني. وعهد أخلاقي بدهي، أن تكون الدورة القادمة من حصته، لذا ترى عادل عبدالمهدي/المجلس، يتقدم مطالبا بحقه من طبخة التسوية الأولى.
المالكي القوي، يترنح الآن مسموما بفعل طبخات كثيرة، منها طبخة المستشارين، التي قدمها له حزبه المنشق معه، وقد أساء له مستشاروه أيما اساءة بجهلهم وغرورهم وفسادهم الاداري، الذي اضطره الى لعب دور (محامي الشيطان) دفاعا عنهم لئلا تنهار سلطته. ناهيك عن طبخة البعثيين، التي قلبها بيمينه، فخلط البعثيين بقايا النظام السابق، بقيادة جيشه وسلطته، وحين حانت ساعة الانتخابات، فضل هؤلاء انتخاب من يمثلهم بحق، لا من يمن عليهم كالطلقاء!
يجتمع الملكي وحواريوه، على مائدة عشاء التسويات، وأمامه كل هذه الطبخات التي تتضوع منها رائحة السم الناقع، ليأكلها ليعود رئيسا، فيموت انتحارا سياسيا، أو يتركها فيموت جوعا رئاسيا.
ربما هو.. العشاء الأخير للسيد الأخير!
Leave a Reply