واشنطن – أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأسبوع الماضي، انتهاء حرب العراق تاركاً للتاريخ الحكم على قرار الغزو الذي راح ضحيته مئات آلاف العراقيين وحوالي خمسة آلاف جندي أميركي سقطوا تحت ضربات حركات المقاومة العراقية المتعددة. فأوباما، الذي يستعد لمعركة انتخابية شرسة، لم يكن أمامه، في حفل أقيم بمناسبة الانسحاب من العراق في نورث كارولاينا، سوى الاعتراف بالتكلفة الباهظة للحرب، لكنه حاول “تجميل” الموقف بوصف ما قامت به بلاده بـ”الانجاز الرائع”.
في المقابل، لم تطمئن زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، للبيت الأبيض، أوباما. فالمالكي أكد، لاسيما في المؤتمر الصحفي المشترك الذي تبع لقاء الرئيسين، على أن العراق خرج من العباءة الأميركية.. ولا شيء يمنع هذا البلد المستقل من التقرب أكثر من أعداء “النفوذ الأميركي” في المنطقة ليشكل عبئاً استراتيجياً على هذا النفوذ في حال انخراطه في “محور الممانعة”.
خطاب انتخابي
وفى أوباما بوعده الانتخابي، وسعى الى التأكيد على انه “أنهى” الحرب العراقية، بوضع حد لـ”التركة الثقيلة” التي ورثها عن سلفه جورج بوش. وحـاول أوباما، في كلمته التي توجه بها إلى الجنود العائدين من العراق في “قاعدة فـورت بـراغ”، تجنب الخوض في الملفات العراقية الشائكة، وما خلفه الغزو من دمار، واكتفى بتوجيه التحـية إلى “أفضل قوة مقاتلة في تاريخ البشرية”. وإن كان أشار إلى أن الوضع الأمني في العراق ما زال متدهوراً بقـوله “الحـرب انتهـت مـن الجانـب الأميركـي فقـط”. وبهذا الخطاب، الذي أخذ طابعاً دعائياً، أسدل الرئيس الأميركي الستار رسمياً على تسع سنوات من الحرب، وفضّل الاكتفاء، حسب قوله، بمصطلحين لوصف تلك الحرب “العمل الشاق” و”التضحية”، مؤكداً عدم قدرته على الادعاء بأنها كانت “انتصاراً”.
محاولات أوباما تلميع صورة الانسحاب بوصفه بـ”الانجاز الخارق”، لم تحجب ما خلّفه الاحتلال وراءه من قضايا عالقة تهدّد بالانفجار في أي لحظة، كما لم تمنع منتقدي أوباما عن اتهامه بأنه أنهى الحرب بسرعة ليتناسب توقيت الإنهاء مع حملته الانتخابية، محذرين من تداعيات “الاستراتيجية الخاطئة”، التي اعتمدها اوباما في انسحابه، على الجانبين الأميركي والعراقي.
وقال اوباما انه يريد أن يسجل “لحظة تاريخية في حياة بلادنا وجيشنا، والمهم أننا أنهينا حربنا بمسؤولية، فنحن نعرف القيمة الكبيرة للحرب في العراق”، معتبرا “أن الانسحاب جزء من التاريخ”، لافتا إلى “ضرورة تعلم الدروس من العراق لأن إنهاء الحرب أصعب من بدئها”.
وفي المقابل، أكد اوباما أن “السلطة العراقية الآن سلطة منتخبة من قبل الشعب، وأن الولايات المتحدة تعمل في الوقت الراهن على بناء شراكة جديدة بين البلدين”. وتوجه أوباما للقوات بالقول “أنتم أكثر من جنود أنتم دبلوماسيون وعاملون وصناع سلام، لقد أكدتم أن الجيش الأميركي هو أفضل قوة مقاتلة في تاريخ البشرية”. وفي السياق، أحصى الرئيس عدد الجنود الأميركيين الذين خدموا في العراق طيلة سنوات الحرب، قائلا “إن عددهم بلغ 1.5 مليون جندي، أصيب منهم أكثر من 32 ألفا وقتل ما يقرب من أربعة آلاف وخمسمائة آخرين”.
وقال أوباما في خطابه إن الجيش الأميركي يغادر العراق “مرفوع الهامة”، شاكرا أسر الجنود “لما أسهمت به من تضحية”.
احتفالات في الفلوجة
احتفالا بالانسحاب الأميركي، خرج أكثر من ثلاثة آلاف عراقي إلى شوارع مدينة الفلوجة احتفالاً بانسحاب القوات الأميركية من المدينة التي شهدت بعضاً من أكثر المعارك ضراوة في الحرب العراقية. واحرق سكان الفلوجة الأعلام الأميركية والإسرائيلية، لمناسبة ما أطلقوا عليه “يوم انطلاق المقاومة في الفلوجة، يوم العراقيين جميعاً”، وسط لافتات كتب عليها “الفلوجة مدينة المقاومة” و”تحررنا من القيود”. كما حمل المحتفلون صورا لبعض الأهالي الذين قتلوا بعد الهجوم الدامي على المدينة في العام 2004، وأخرى تظهر عربات عسكرية اميركية مدمرة.
أوباما للمالكي: سنظل شركاء
وكان الرئيس الأميركي قد أجرى محادثات في واشنطن مع المالكي، استمرت لساعتين، تناولت مستقبل العلاقات بين البلدين ورفع مستوى التعاون بينهما بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية العام الجاري، وذلك عبر توفير مساعدات عسكرية الى الجيش العراقي وحصول الشركات الاميركية على الحصة الرئيسة من العقود النفطية ووعود بالحفاظ على استقلالية العراق في المعادلة الإقليمية في ظل “خلاف تكتيكي” بين الجانبين حول سوريا، قد يتطور الى خلاف استراتيجي في مراحل لاحقة. وقال أوباما، في مؤتمر صحفي مشترك مع المالكي، إن الولايات المتحدة ستبقى “شريكا قويا ودائما” لبغداد بعد انسحاب آخر جندي أميركي من العراق. مؤكدا أن البلدين سيفتحان صفحة جديدة في علاقتهما. وحذر في الوقت نفسه من أي تدخل في شؤون العراق، قائلا إن “العراق وعد بعدم التدخل في شؤون دول أخرى، وعلى هذه الدول ألا تتدخل في الشؤون العراقية”، مشددا على أهمية “احترام سيادة العراق”.
واعتبر أوباما أن “التاريخ سيحكم” على قرار اجتياح العراق عام 2003، وذلك بعدما كان وجه انتقادا شديدا لهذا القرار، الذي اتخذه سلفه الجمهوري جورج بوش. وأقر الرئيس الأميركي بوجود خلافات بين واشنطن وبغداد بشأن كيفية التعامل مع الأزمة، الأمر الذي يشير الى أن النفوذ الأميركي في العراق بدأ يضمحل وقد لا تنفع مليارات الدولارات المرصودة وسنوات الاحتلال التسع في إبعاد بغداد عن محور دمشق-طهران-بيروت.
وجاء لقاء أوباما والمالكي في إطار العمل على تفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي التي أبرمها العراق مع الولايات المتحدة في نهاية عام 2008، والتي توفر إطارا عاما لعلاقات إستراتيجية مستقبلية واسعة بين الجانبين، من ضمنها التعاون العسكري لكن ليس من المؤكد اقرار البرلمان العراقي لأي اتفاق مع الأميركيين. ومن المقرر أن يسلم الجيش الأميركي المسؤولية الأمنية بحلول نهاية العام لقوات الأمن العراقية البالغ عددها حوالي 900 ألف عنصر، عليهم مواجهة تحديات داخلية، وأيضا الدفاع عن الحدود والمجال الجوي والمياه الإقليمية للعراق. وستبقي الولايات المتحدة مع ذلك 157 عسكريا و763 متعاقدا مدنيا على أرض العراق، سيدربون القوات العراقية برعاية السفارة الأميركية.
Leave a Reply