وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
انتهت يوم الأربعاء الفائت، المهلة التي عينتها المحكمة الاتحادية العراقية العليا للقوى السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية، بإخفاق البرلمان –للمرة الثالثة– في إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري، ما يعني دخول البلاد في مرحلة من الفراغ، تنذر بمزيد من التعقيد في الأزمة السياسية.
في هذا الوقت، تستمر المساعي والمشاورات بين الأفرقاء المعنيين للخروج من حالة الانسداد السياسي، حيث يعمل «الإطار التنسيقي» إلى بلورة مبادرته الخاصة لانتخاب رئيس الجمهورية، إثر فشل تحالف «إنقاذ وطن» مجدداً في عقد جلسة برلمانية تُوصل مرشحه ريبر أحمد إلى سدة الرئاسة، وذلك بسبب تمكن «التنسيقي» من الاستحصال على الثلث الضامن الذي مكّنه من «تطيير النصاب» وإفشال عملية الانتخاب.
وكان التيار الصدري والمتحالفون معه ضمن تكتل «إنقاذ وطن» قد بذلوا جهوداً مكثفة لاستمالة عدد من نواب «التنسيقي» وحزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» إضافة إلى بعض النواب المستقلين، بهدف توفير النصاب القانوني وإفقاد الفريق الآخر، الورقة الضاغطة التي يمتلكها.
من جانبه، أوضح رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري سبب توجه التحالف نحو التعطيل قائلاً: «ذهبنا إلى الثلث الضامن للحفاظ على المسار الديمقراطي في العراق وحفظ حقوق المكوّن الشيعي والمبادرة الوطنية التي طرحناها جاءت لإنهاء الانسداد السياسي».
وبالعودة إلى مبادرة «الإطار التنسيقي» الجديدة، فقد أوضح عضو التكتل النائب عطوان العطواني في تصريح للصحافيين، أن «المبادرة ستقدّم مشروعاً لإدارة الدولة، وهو لا يعني تشكيل حكومة توافقية، بل إيجاد آلية عملية منتجة لإدارة البلد لا تقصي أحداً»، مؤكداً أن «المبادرة لا تختص بكتلة أو مكوّن معين، بل هي شاملة لجميع الكتل ومكونات الشعب العراقي».
وأشار العطواني إلى أن «المبادرة في طور الإعداد»، وأنها ستسلَّم لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لعلّها تلقى قبولاً جزئياً من جانبه، مشيراً إلى أن «أفكاراً متداولة قد تمهّد لمعالجة الانسداد السياسي، وسيكون هناك حوار مع كل المكوّنات بخصوص المبادرة»، قائلاً: «نرفض إجبار أي طرف على الذهاب إلى المعارضة».
«فيتو» صدري
مصدر مطلع أكد لـ«صدى الوطن» أن زعيم التيار الصدري وضع «فيتو» مسبّقاً على أية مبادرة لا تضمن حقه في تأليف الحكومة الجديدة باعتباره الفائز الأكبر في الانتخابات النيابية الأخيرة، لذا ربما تحمل مبادرة «الإطار التنسيقي» ما يضمن للصدر حقه في هذه النقطة الخلافية، أما أولوية «الإطار التنسيقي» فتكمن في إبقاء تأليف الحكومة حصراً في يد الكتلة الأكبر في البرلمان، ومن قبل القوى السياسة الشيعية فقط.
وفي ما يتعلق بتفاصيل المبادرة، فقد رشح أنها تتضمن تشكيل الكتلة الأكبر من قبل «الإطار التنسيقي» و«التيار الصدري» وتشكيل لجنة مشتركة في ما بعد لاختيار رئيس الوزراء المقبل مع ضمان الاستحقاقات الانتخابية لبقية المكونات. المبادرة التي جاءت بعد إعلان الصدر التوجه نحو المعارضة وإفساح المجال أمام قوى الإطار لتأليف الحكومة لم تلقَ استجابة من قبل زعيم الكتلة الصدرية بعد.
حال المشاورات
ولبحث الخطوط الأولية لمبادرة «الإطار التنسيقي» التي تم التقدّم بها عشية انتهاء المهلة الدستورية، عُقد اجتماع في منزل رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري، كما عُقد لقاء بين زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي ورئيس تيار «الحكمة» السيد عمار الحكيم، حيث تناول الطرفان تطورات الوضع السياسي، وأكدا على أهمية مواصلة الحوار لإيجاد مخرج للأزمة. كما اجتمع قادة «الإطار التنسيقي» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، يوم الأربعاء المنصرم، في العاصمة بغداد، لاستكمال البحث في المبادرة. لكن تلك اللقاءات يبدو أنها لم تقدم أو تؤخر في الوضع القائم، ولا سيما بعد انسحاب الكتلة الصدرية من مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان لاختيار رئيس للجمهورية.
وكان الصدر قد أكد، في تغريدة له عبر «تويتر»، أن الانغلاق السياسي أهون من التحالف مع «الإطار التنسيقي»، معتبراً أن التوافق معهم يعني «نهاية البلد». أما مبادرة زعيم التيار الصدري التي كان قد أطلقها منذ نحو عشرة أيام، وأعلن فيها منح قوى «الإطار التنسيقي» مهلة أربعين يوماً لإجراء مشاورات مع كل الكتل والمكونات لتأليف الحكومة باستثناء الكتلة الصدرية، لم تلقَ تفاعلاً كبيراً لدى قادة «الإطار التنسيقي»، لأنه وبحسب تصريحاتهم، لا نية لديهم من الأساس للسير في خيار حكومة الأغلبية، وما كانوا يرفضونه ويأخذونه على التيار الصدري ويعتبرونه تفرداً بالسلطة وإلغاء للآخرين وتجاوزاً لأحجامهم السياسية الوازنة لن يفعلوه بأنفسهم.
مخارج دستورية
ومع ما وصلت إليه الأزمة، يرى البعض، ومن منظار قانوني، أن كل ما يتخذه القادة السياسيون من خطوات بات في حكم غير القانوني. لكن في المقلب الآخر، يرى خبراء دستوريون، خلافَ ذلك، بالنظر إلى أن المهلة التي حددها رئيس مجلس القضاء الأعلى لانتخاب رئيس في جلسات البرلمان، والتي استخدم في الحديث عنها عبارة «فترة وجيزة» قاصداً بذلك المهلة المحددة، لم تكن حازمة وحاسمة وقاطعة من حيث التوقيت الدقيق، ما يتيح للنواب إجراء المزيد من المشاورات، وصولاً إلى الجلسة المنشودة التي يتم فيها انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي ظل انتهاء المهل الدستورية، يجهد الخبراء القانونيون في ابتداع حلول دستورية فيلحظون عدداً من المخارج أولها استغلال الأيام القليلة المقبلة للتوافق على جلسة انتخاب رئيس للجمهورية والتلطّي خلف عبارة «فترة وجيزة» التي استخدمتها المحكمة الاتحادية، والانطلاق منها نحو مفاوضات تشكيل الحكومة مدفوعة بزخم انتخاب الرئيس، لكن الأوضاع الحالية لا تشي بنجاعة هذا الحل وسط تمسك الأطراف بموافقهم. الخيار الآخر هو حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يشبه التهديد الذي قد تدفع الرغبة في تجنبه الأطراف السياسيين إلى التوافق تفادياً للوصول إليه.
الكلمة الفصل للقضاء
الكلمة الفصل في كل ما يدور من مناكفات ومنازعات سياسية ستكون للقضاء العراقي، وقد نفى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان تحديد المحكمة الاتحادية العليا مهلة دستورية لا تتجاوز 30 يوماً، مؤكداً أن المحكمة الاتحادية وصفت هذه المدة بـ«الفترة الوجيزة»، وأوضح أن الحل الأقرب للمنطق والمنصوص عليه هو حل البرلمان، لكن آلية هذا الحل في المادة 64 من الدستور العراقي تجعله مستحيلاً.
وأشار القاضي زيدان إلى أن الدستور يدعو إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب. وأضاف أن هذه المدة انتهت، مؤكداً أن الوقت ما زال متاحاً للقوى السياسية للتفاوض من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد، لمعالجة الأزمة السياسية الراهنة في العراق واستبعد في الوقت ذاته إمكانية حل البرلمان. ولفت رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى أن «الظروف المحيطة بصياغة الدستور، عام 2005، تختلف تماماً عن الآن»، مؤكداً أن «بعض بنود الدستور يحتاج إلى تعديلات».
ولفت القاضي زيدان إلى أن البرلمان لم يُوفّق في تطبيق بعض فقرات الدستور، وأن «المحكمة الاتحادية بتشكيلها الجديد فتحت المجال أمام القوى السياسية للتحالف فيما بينها وتقديم الكتلة الأكبر»، وأن الكتلة الأكبر في اعتقاده هي الفائزة في الانتخابات. وشدد على أن «مصطلح الثلث الضامن أو المعطل لا يوجد له نص في الدستور»، موضحاً أن المحكمة الاتحادية اجتهدت في استمرار رئيس الجمهورية في منصبه، لأن هذه الحالة لا تنطبق على النص الدستوري الخاص بخلوّ المنصب.
أفق الأزمة
في ظل عجز الطرفين، «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي»، عن تأليف الحكومة بمعزل عن الآخر، من المتوقع ألا يشهد الموقف انفراجة قريبة.
ووفقاً للمراقبين، فإن المفوضية الانتخابية غير مهيّأة لإجراء انتخابات مبكرة جديدة في غضون فترة قصيرة، ما يعني أن البلاد مقبلة على مشهد غير واضح المعالم.
فهل يأخذ استمرار الأزمة الحالية، الساحة السياسية إلى حل البرلمان وإعادة الانتخابات؟
يقول المتابعون إن الحل بعيد في المدى المنظور، ولا أحد يمكنه الجزم بما ستؤول إليه الأمور، وما يجري من مشاورات سياسية لا يعدو كونه محاولة لتهدئة الأجواء بهدف الوصول إلى الحل المؤجل، لكن الثابت الوحيد هو أن التوافق خيار أوحد مهما حاول البعض تأجيله، وأن بديل التسوية كلفة عالية سيتكبّدها الجميع.
Leave a Reply