بغداد – صخر نصر، وكالات
استعاد الجيش العراقي زمام المبادرة في حربه مع «داعش» وبدأ بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض، فيما لوحت واشنطن بإمكانية التدخل العسكري المباشر وسط ردود الافعال الدولية والإقليمية على المشهد العراقي مابين داعم للحكومة في حربها على «داعش» ومابين من يحمل المالكي نفسه مسؤولية الأزمة الخطيرة التي تهدد بتقسيم العراق.
وقال رئيس الوزراء العراقي إن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، قد تحالف مع «البعث» لإثارة المشاكل في البلاد، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي أن العراق تمكن من امتصاص الضربة والهزيمة النفسية لدى بعض الجنود والقادة، معتبراً أن ما حصل مؤامرة ومخطط إقليمي مدروس.
وبعد أن بلغ التجييش المذهبي مراحل مثيرة للقلق عند أطراف الأزمة، داخليا وخارجيا، أشار نوري المالكي إلى أن الإرهاب سيصل إلى بلدان أخرى وسيهز أنظمة إقليمية في المنطقة.
وحول فتوى المرجع الشيعي العراقي السيد علي السيستاني التي دعا فيها إلى مؤازرة الجيش العراقي في معركته ضد «داعش»، قال المالكي إن «هذه الفتوى زادت من عزيمتنا لمواجهة الإرهاب»، مؤكداً أنها «لم تكن فتوى طائفية بأي شكل من الأشكال». وشدد على أن المتطوعين لمساندة الجيش العراقي هم من السنة والشيعة، قائلاً إنهم سيكونون «عماد الجيش العراقي» بعد انتهاء المعركة.
وقال اللواء قاسم عطا المتحدث العسكري باسم المالكي في بيان يوم الأربعاء الماضي إن 59 ضابطا سيحالون للمحكمة لفرارهم من مواقعهم الأسبوع الماضي مع استيلاء متشددين مسلحين على الموصل.
وتلا أسماء الضباط المحالين للمحكمة في بث تلفزيوني. وجاء هذا الإعلان بعد يوم من عزل المالكي لأربعة من كبار القادة العسكريين قائلا إنه ستوجه إليهم تهم في المحكمة العسكرية لفرارهم من الموصل يوم الثلاثاء قبل الماضي عند سقوط المدينة. وفي مقابلة تلفزيونية حمّل المالكي الدوحة والرياض مسؤولية الأزمة الأمنية في العراق، وقال إن من يتهمونني بتهميش السنة هم مجموعة طائفيين يرتبطون بأجندات خارجية بتحريض سعودي قطري.
وفي واشنطن، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن بلاده ستساعد العراق وأنها مستعدة لإرسال مستشارين للمساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية، لكنه اكتفى بالقول إن واشنطن ستقرر توجيه ضربات لـ«داعش» في حال رأت ضرورة لذلك وبالتنسيق مع العراقيين.
وقال أوباما في مؤتمر صحفي الخميس الماضي إن القوات الأميركية ستعزز طلعاتها الجوية الإستخبارية فوق العراق، وسترسل أفضل خبرائها لتحديد مواقع الإرهابيين، مشدداً في الوقت نفسه على أن أية قوات برية أميركية مقاتلة لن تعود إلى العراق وعلى العراقيين أن يبحثوا عن حلول سياسية للمشكلة. كما اعتبر أوباما أن أي تحرك من جانب أميركا في العراق تحدده مصالحها القومية، وأن بلاده لن تقوم بعمل عسكري لدعم طرف في العراق دون الآخر.
مصفاة بيجي الأكبر في البلاد تحت سيطرة الحكومة. |
وواصلت القوات العراقية تقدمها في عدد من المناطق التي سيطر عليها في وقت سابق مسلحون متشددون بقيادة «داعش»، حيث ثبتت سيطرتها على مصفاة بيجي النفطية في محافظة صلاح الدين وسط مخاوف دولية من ارتفاع متواصل في أسعار النفط مع تأثر الإمدادات بالعمليات العسكرية الدائرة هناك. وعلى الرغم من أن صادرات العراق من الشمال تعتبر آمنة في الوقت الحالي، إذ أن المركز النفطي الرئيس كركوك تسيطر عليه قوات كردية، إلا أن سيطرة المسلحين على الموصل يهدد إمدادات النفط العراقية؛ لأن الموصل هي البوابة الرئيسة لنفط البلاد.
ويوم الإثنين 9 حزيران (يونيو) ذكر موقع «بلومبرغ» أن انفجار الوضع الأمني يجعل من السعودية الأمل الأخير الذي تتعلق به الأسواق العالمية في محاولتها لإيجاد من ينقذها من أزمة نقص النفط التي تلوح في الأفق وذلك بعد إعلان وزراء جميع الدول الأعضاء بمنظمة «أوبك» أن بلادهم لا تنوي رفع سقف الإنتاج لتغطية النقص الحالي الذي تعاني منه الأسواق العالمية.
وقد أحرزت القوات الحكومية تقدماً في قضاء تلعفر الاستراتيجي الواقع في محافظة نينوى المحاذية لسوريا، فيما لا تزال مدن الموصل وتكريت وغيرها في شمال غرب وغرب البلاد في قبضة التنظيم المتشدد الذي يبدو أنه يحظى بغطاء سياسي سعودي-قطري-تركي رداً على فوز المالكي بالانتخابات العراقية.
إلى ذلك، أعلن الرئيس الأميركي أنه سيوفد «في نهاية الأسبوع» وزير الخارجية جون كيري الى الشرق الاوسط وأوروبا لإجراء مشاورات حول الأزمة العراقية.
من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل «إن ما يحدث في العراق حالياً يهدد المصالح الأميركية الخارجية». ورأى هايغل أن «داعش» والمنظمات الإرهابية تشكل تهديداً لكل الدول والحكومات في العالم.
وكان وزير الخارجية العراقي قد صرح بأن العراق طلب من أميركا مساعدتها في القضاء على تنظيم «داعش».
أما في طهران، فقد أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني الأربعاء الماضي أن بلاده ستبذل كل ما بوسعها لحماية المراقد الشيعية المقدسة في العراق. وقال روحاني «بالنسبة إلى الأماكن المقدسة للأئمة الشيعة في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء، نحن نحذر القوى العظمى وأتباعها والقتلة والإرهابيين»، مؤكداً أن «الإيرانيين سيبذلون كل ما بوسعهم لحمايتها». وتضم هذه المدن أضرحة أئمة يتوجه ملايين المسلمين كل عام من إيران ودول أخرى الى العراق لزيارة هذه الأماكن المقدسة، وأضاف روحاني أن كثيرين عبّروا عن استعدادهم للذهاب الى العراق للدفاع عن المراقد المقدسة ووضع الإرهابيين في حجمهم الطبيعي.
وبالتزامن مع تلويح أوباما بالتدخل ضد «داعش»، سجل الموقف السعودي تراجعاً عن دعم التنظيم المسلح الذي يسيطر على مناطق واسعة في العراق وسوريا، حيث حذّر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من أن الأوضاع في العراق توحي ببوادر حرب أهلية لا يمكن التكهن باتجاهها وانعكاساتها على المنطقة.
وأكد الفيصل خلال كلمته بافتتاح اجتماع وزاري لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة الخميس الماضي، أن بلاده ترفض التدخل الخارجي في صراعات المنطقة.
ووجهت السعودية ما يبدو تحذيرا لغريمتها إيران بألا تتدخل في الصراع الدائر في العراق الذي قالت إنه قد يتصاعد إلى حرب أهلية شاملة تتخطى آثارها الحدود العراقية. وأعلنت الامارات انها استدعت سفيرها في بغداد للتشاور وانتقدت ما وصفته بالسياسات الطائفية للحكومة العراقية. وحول هذا الموضوع قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن شن الولايات المتحدة ضربات جوية على المتشددين في العراق يمكن أن يؤدي لسقوط أعداد كبيرة من المدنيين، كما اعتبر أن أميركا بموقفها الحالي والتصريحات التي صدرت عنها لا تنظر إلى هجمات من هذا النوع نظرة إيجابية.
ميدانياً، بلغت حالة التشرد التي يعيشها سكان الموصل الهاربون من خطر «داعش» حدّاً مأساوياً، لاسيما أن عدد اللاجئين مرجح إلى الارتفاع كثيراً في ظل ما يحصل من عمليات قتل وتخريب في الموصل. فالمدارس والخيم أصبحت الملجأ الوحيد المتوفر للعراقيين الهاربين من الموصل بحثاً عن ملاذ آمن، بعد أن دمر تنظيم «داعش» الكنائس، وقتل المئات من السكان في تلك المدينة.
والجمعة الماضي أعلن تنظيم «داعش» في تغريدات على موقع «تويتر» انه قام بتصفية 1700 عراقي من طلبة كلية القوة الجوية في قاعدة «سبايكر» في تكريت بعدما وقعت هذه القاعدة ومعظم المدينة في قبضته.
وقد بثت مواقع «جهادية» مشاهد فيديو وصوراً يظهر فيها مسلحو «داعش» وهم يقتادون المئات من الشبان العزل في تكريت، كما بثت صورا لاعدام العشرات من الأسرى بشكل جماعي. ولكن لا يمكن التحقق من مصدر مستقل من هذه الوثائق ومضمونها ولا من عدد من تمت تصفيتهم. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي في بيان ان «تبني داعش مجزرة ارتكبتها كما تقول بحق 1700 عراقي شيعي من طلبة كلية القوة الجوية في تكريت هو أمر مروع وتجسيد حقيقي لمدى تعطش هؤلاء الارهابيين للدماء».
Leave a Reply