ديربورن – خاص “صدى الوطن”
في حين غاب المظهر الفلسطيني من ساحة اهتمام وسائل الإعلام الأميركية بما يجري من انتفاضات وثورات في العالم العربي هذه الآونة، ألقى الناشط السياسي والأكاديمي والباحث اللبناني أسعد أبو خليل نظرة فاحصة على الواقع العربي المستجد، الذي تشكل تطوراته المتسارعة والدراماتيكية أهمية قصوى بالنسبة للأمن العالمي.
الدكتور أسعد أبو خليل، حاضر في “نادي بنت جبيل الثقافي” بدعوة من المكتب الثقافي التابع للشبكة الفلسطينية الأميركية، أمام ٢٠٠ شخص مساء يوم الاثنين الماضي حول تأثيرات الثورات العربية على الوضع الفلسطيني والأوضاع العربية بصفة عامة، وتحت عنوان “نهاية الدكتاتورية في مصر.. هل تتبع فلسطين؟”.
والدكتور أبو خليل المعروف عربيا وعالميا بآرائه الجريئة وانتقاداته الحادة لمعظم رموز النظام الرسمي العربي، هو صاحب عدة مؤلفات سياسية تتناول الواقع العربي، وأبرزها: “القاموس التاريخي للبنان” و”الصراع على السعودية”، هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة “كاليفورنيا ستايت”.
ورأى أبو خليل في محاضرته التي جاءت بعد محاضرة مماثلة في “جامعة ميشيغن-ديربورن” أن النضال الفلسطيني (من الداخل) يبدو الآن شديد الصعوبة لأسباب عديدة، موضحا أن ما لديهم (الفلسطينيون) هو لا دولة بوليسية تعمل على منعهم من الانتفاضة، أو حتى مساندة إخوتهم وأخواتهم في باقي البلدان العربية.
وقال أبو خليل إنه “على الرغم من استمرار الاحتلال غير الشرعي والحصار للضفة الغربية وقطاع غزة من قبل إسرائيل، وعلى الرغم من الجو القمعي الذي يمنع اندلاع انتفاضة جديدة في فلسطين، فإن الانتفاضات في أماكن عربية مختلفة قد أثارت الهلع في صفوف القادة الإسرائيليين والأميركيين، إنهم مذعورون لأن طغاتهم يسقطون الواحد تلو الآخر، ولم يكن بمقدروهم إنقاذهم.. والإسرائيليون سفحوا الدموع على سقوط مبارك ربما أكثر من أفراد عائلته.. إن هذا بدون شك شرق أوسط جديد حقيقي، ولا يخطئن أحد الظن في هذه الحقيقة، فهنالك صلة بين ما يجري (من ثورات) والصراع ضد إسرائيل والذي هو في الحقيقة الوجه الآخر لهذا الصراع”.
وبخصوص الثورة في ليبيا قال أبو خليل “إن خطاب القذافي الأول مع المظلة أثبت أنه مجنون رسمي وبشهادة، الأمر الذي يزيد من تضامننا مع الليبيين وما تعرضوا وقد يتعرضوا له بطش”.
وذكر أبو خليل الحضور بالحروب التي شنتها إسرائيل ضد عدد من البلدان العربية، وقال “إن ما ارتكبته اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بصورة عامة، في خلال وجودي أنا في هذه الحياة، كان ضرب تونس، ومصر، والسودان، والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا والعراق.. وفي العام 1973 أقدمت إسرائيل على إسقاط طائرة مدنية ليبية، واغتالت نادلا مغربيا في العام 1984 أمام زوجته الحامل، في النرويج، لأن شخصيته التبست على القتلة الجهلة من عملاء الموساد الذين اشتبهوا بكونه مسؤولا فلسطينيا. وما حصل بعد هذه الجريمة هو أن قامت الحكومة النروجية بتهريب القتلة الى اسرائيل”.
وبخصوص الانقسام في لبنان قال “إنها ليست صدفة أن حلفاء فريق “١٤ آذار” جميعهم حلفاء لإسرائيل بمن فيهم السعودية. التآمر واضح لكل عاقل يريد أن ينظر بتجرد، لكن هناك أشخاصا حتى لو جاءت المؤامرة وعقدت مؤتمراً صحفياً فلن يصدقوا بوجودها”.
الدبلوماسية الأميركية
وألقى أبو خليل، الذي أطلق منذ سنوات موقعا الكترونيا يعرف بـ”العربي الغاضب”، الضوء أمام الحضور حول النقص في وجود خبراء حقيقيين لدى الإدارة الأميركية حول شؤون المنطقة العربية وشعوبها، معتبراً أن الإدارة الأميركية الحالية والسابقة تعتمد على الخلفيات الأيديولوجية في التعيينات في المراكز الدبلوماسية وليس على الكفاءات والخبرات في المناطق التي يُبتعثون اليها. وأوضح أبو خليل: “قولوا ما شئتم حول حقبة السبعينات والثمانينات والسياسات (الأميركية) الخرقاء، لكن على الأقل كان لدى الخبراء المعرفة الواقعية بالمنطقة، وعرفوا كيف يتحدثون بالعربية”. أضاف “انظروا الى جيفري فيلتمان (المساعد الحالي لوزارة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى)، ففي كل سنوات عمله الدبلوماسي، أعتقد أنه تعلم فقط كيف يقول كلمة “شكرا” بالعربية وعبارة “رمضان كريم”، مثلما لم يكن لدى مساعد وزير الخارجية لشؤون أميركا اللاتينية اليوت آبرامز أي إلمام باللغة الاسبانية.
وأشار أبو خليل إلى المدير السابق لمكتب شؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجلس الأمن القومي دانيال شابيرو، الذي جرى تعيينه الأسبوع الماضي “سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل قائلا إنه لا يتقن كلمة عربية واحدة وله سيرة طويلة من العمل في اللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة”.
وتابع أبو خليل “الآن يبدو أن المؤهل الوحيد هو التعصب للدولة العبرية أما الخبرة في شؤون الشرق الأوسط فهي مدعاة لعدم الأهلية! لقد تحدثت الى أناس في وزارة الخارجية ممن لديهم الانطباعات ذاتها، هؤلاء الذين يعرفون المنطقة ويرتابون كثيرا من سياسة الادارة الأميركية.. فالآن الإيديولوجيا تصبح المعيار لتولي المناصب الرفيعة، وليس الكفاءة”.
وقال أبو خليل إن (السفير الجديد لدى إسرائيل) دانيال شابيرو التقى بالعديد من المجموعات الداعمة لاسرائيل خلال الثورة المصرية الأخيرة، عوضا عن اللقاء بمجموعات تمثل المصريين الأميركيين التي ترغب بالتعبير عن قلقها من السياسة الأميركية.
أضاف أبو خليل إنه يعتقد أن الولايات المتحدة، في سلوكها الدبلوماسي المتواصل والداعم للدكتاتوريات في المنطقة العربية تقدم برهانا أنها تعمل وفق “تقديرات الكليشهات الصادرة عن المستشرقين التقليديين والتي تفيد بأن العرب غير قادرين على الثورة ضد الظلم والطغيان، وهو موقف ظلت تعكسه وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية”.
وتابع “أحدهم كتب في صحيفة “نيويورك تايمز” قائلا: نحن (الأميركيين) ليس لدينا صيغة المستقبل، وعلق أبو خليل “عليهم أخذ دروس في اللغة العربية، لأن هذا هو مستوى العجرفة المتواصل الذي نقول إنه يميز دراسات الشرق الأوسط الأكاديمية والسياسية”. وأضاف “الصحيفة ذات الشعبية، ذاتها، نشرت أيضا قصة عن جيني شارب (82 سنة) من مدينة بوسطن وعن الكتيب الذي أصدره بعنوان “من الدكتاتورية الى الديمقراطية” الذي قالوا إنه ساعد المصريين على استلهام روح الثورة”.
وعبر أبو خليل عن سخريته من هذه المقولة قائلاً أن هذا نموذج آخر عن محاولة تهميش وتحقير الدور الذي لعبه المصريون أنفسهم في انتفاضتهم، وقال “لا أعتقد أن أحداً في مصر أو تونس أو حتى هنا في القاعة سمع بـ شارب، وأنا شخصيا لم أكن قد سمعت به حتى العام 2005، عندما اتصلت بي احدى المؤسسات طالبة مني الإشراف على ترجمة كتيب له، فوجدته مثيرا للملل ومررته الى صديق لي في لبنان الذي بدوره وجده مملاً”.
وخلص أبو خليل: “هذه كانت آخر مرة سمعت به حتى اندلاع ما نشهده من أحداث، والآن يحتل (الرجل) صدر الصفحة الأولى للصحفية الأميركية”.
وانتقل أبو خليل للحديث عن إسرائيل قائلا إن الكيان الصهيوني يعيش أصعب أيامه وتابع “سألني أحد الأصدقاء هل يمكن أن تقدم إسرائيل على عدوان ما على أي منطقة عربية أو حتى إيران لوقف مد الثورات العربية، فقلت له أن إسرائيل ولو هوجمت بصواريخ “حزب الله” ستقول أنها مفرقعات ولو هاجمتها “حماس” ستقول لم أرَ أية صواريخ”. وتابع بالقول “إن إسرائيل تخشى قيام ديمقراطيات في المنطقة لأن ذلك سيكون بداية نهايتها”.
وختم بالقول: “هذه أوقات مثيرة للحماسة للحديث عن التطورات السياسية في العالم العربي، والفضل في ذلك يعود بشكل رئيسي الى سواعد الرجال الذين صنعوا هذه الثورات”.
الانتفاضة في المملكة العربية السعودية
وتطرق أبو خليل الى المملكة العربية السعودية فقال إنه بينما تبدو القيادة السعودية بعيدة عن أهداف الانتفاضات العربية وتقوم بدور اساسي في إحداث شرخ مذهبي في العالم العربي، فإن العديد من إخواني العرب يقللون من شأن إرادة شعب المملكة في امكانية النهوض للتعبير عن إحباطهم من الوضع في الشرق الأوسط.
أضاف: “لكن على الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة حريصة على بذل كل جهد ضروري لتجنيب المملكة انتفاضة شبيهة بما جرى ويجري في بلدان عربية أخرى”.
وفي نهاية المحاضرة أجاب أبو خليل عن أسئلة الحضور باللغتين الانكليزية والعربية.
وقد طرح عليه الحاضرون مجموعة من الأسئلة لمدة ساعة في ندوة أدارها مدير “مكتب فلسطين-ميشيغن” حسن نعواش الذي كان قد قدم أبو خليل في بداية اللقاء.
وسأل أحد الحاضرين أبو خليل عن موقفه السلبي من إيران رغم دعمها للمقاومة في لبنان فأجاب “لا أستطيع أن أكتب كلمة ثناء على أي نظام خشية أن يقرأها أحد السجناء السياسيين في زنزانته، ولكن هذا لا ينفي أن إيران لعبت دوراً كبيراً في دعم المقاومة”.
وقد أثارت مداخلة مطولة لدكتور قطري من الحضور حول تساوي الخطرين الإيراني والإسرائيلي على العالم العربي، تململا بين الحاضرين قبل أن يقاطعه نعواش لتخطيه حدود الدقيقتين المسموح بهما، وأجاب أبو خليل في هذا الخصوص “إن مجازر إسرائيل شاهدة على عكس ذلك، وهنالك كثير من التجني في المساواة بين البلدين”.
Leave a Reply