زينب شعيب – «صدى الوطن»
بمناسبة شهر التراث العربي الأميركي نلقي الضوء في هذا التقرير على مدينة توليدو بشمال ولاية أوهايو التي تحتضن أحد أقدم وأثرى التجمعات العربية الأميركية في الولايات المتحدة.
المجتمع العربي الذي تمتد جذوره لأكثر من 120 عاماً في منطقة توليدو، يتميز –اليوم– بالثراء والحيوية والانخراط الفعال في محيطه الأميركي الكبير والمتنوع، ولكن ذلك لم يحدث بين عشية وضحاها، فمسيرته التي بدأت في ثمانينيات القرن التاسع عشر، لم تكن –دائماً– مفروشة بالورود.
كان العرب قد بدأوا بالتوافد إلى توليدو في أواخر القرن التاسع عشر للعمل كبائعين متجولين، وتمكنوا –بمرور الوقت– من إنشاء أعمالهم التجارية المزدهرة، وهو ما ساهم في تكوين مجتمع حيوي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، في الحي الشمالي من المدينة، الذي عرف فيما بعد باسم «ليتل سيريا»، أو «سوريا الصغرى».
وتنامى دور وتأثير العرب الأميركيين في توليدو بتوالي الأجيال التي دخلت جميع مناحي الحياة، وأصبح البعض منهم من أيقونات المدينة.
ويشير البروفسور الفخري بـ«جامعة توليدو»، سمير أبو عبسي، إلى أن المهاجرين العرب الأوائل بدأوا بالتوافد بكثافة إلى شمال توليدو منذ العام 1880.
ولفت إلى أن مهاجراً لبنانياً يدعى مايكل ناصر، كان أول عربي يهاجر إلى توليدو، وقد استقر في الحي الشمالي بالمدينة، وتمكن –فيما بعد– من افتتاح متجر بقالة ومخزن للبضائع المتنوعة.
وقال أبو عبسي: «لقد كان المهاجرون الأوائل مستعدين للعمل الجاد.. وقد فعلوا ذلك بصبر وتفانٍ.. حملوا الحقائب على ظهورهم، وسافروا سيراً على الأقدام لبيع بضائعهم، وبمجرد أن أصبح لديهم بعض المال، قاموا بافتتاح متاجرهم الخاصة».
وأضاف: «مع مرور الوقت، بدأوا بتكوين أسرهم وحياة مستقرة في أميركا، وبعدها.. ما عادوا ينظرون إلى الوراء».
وقبل عدة عقود، كان الحي الشمالي التاريخي فـي مدينة توليدو بولاية أوهايو، يعج بالمهاجرين العرب القادمين من سوريا ولبنان وفلسطين، حيث تملكوا المنازل والمحال التجارية، ونشروا ثقافتهم وتقاليدهم التي نقلوها عبر البحار من بلدان سوريا الطبيعية.
ولكن، بمرور الأيام، تغير كل شيء، وأصبح حي «نورث أند» خالياً تقريباً من المهاجرين العرب الذين تركوا المنطقة وتوجهوا للسكن فـي الضواحي، فيما انتقل كثيرون للعيش في مدينة ديربورن التي تبعد حوالي 60 ميلاً إلى الشمال من توليدو.
وفي حين لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد العرب الأميركيين في توليدو وضواحيها، إلا أن بعض المصادر تؤكد بأن عددهم قارب 15 ألف نسمة في حي «ليتل سيريا» وحده، في مرحلة من المراحل.
وعلى خطى المهاجرين العرب الذين انتقلوا من «الحي السوري» للعيش في الضواحي الفارهة، أو فـي ولايات أخرى، كذلك فعلت المؤسسات الدينية، التي تضمَّنتْ كنيستين سوريتين ومسجداً، فلحقت برعيتها وغادرت المدينة.
وكان «المركز الإسلامي فـي توليدو الكبرى» أحد أوائل المساجد التي تأسست فـي الولايات المتحدة، وقد شُيّد فـي الحي السوري خلال خمسينيات القرن الماضي قبل أن ينتقل جنوباً الى ضاحية بيريسبيرغ، حيث ينتصب حالياً بجانب الطريق السريع «75» الذي يربط ولاية ميشيغن بولاية فلوريدا جنوباً.
ومنذ افتتاح المسجد الجديد بطرازه الإسلامي وقبته الذهبية، عام 1982، اجتذبت بيريسبيرغ وضواحيها بمقاطعة وود، المزيد من العرب والمسلمين الذين فضلوا الانتقال للعيش بجوار المسجد الذي تم افتتاحه عام 1982.
ولم يتبق فـي منطقة «ليتل سيريا» بتوليدو حالياً سوى مسجد واحد، يعرف باسم «مسجد الإسلام».
الحي الذي كان يحتوي نسيجاً سورياً–لبنانياً غنياً بمختلف الطوائف والمذاهب، وتنتشر فـيه المحلات والمطاعم والمخابز، لم يبق من قاطنيه سوى مجموعة قليلة من العائلات والأقارب الذين قرروا الصمود فـي الحي الذي نشأوا وترعرعوا فيه.
ولفت أبو عبسي إلى أن المهاجرين العرب الأوائل فضلوا الاستقرار في الولايات المتحدة، وأنهم فقدوا الرغبة في العودة إلى أوطانهم الأم، لكي لا يُنظر إليهم على أنهم فاشلون، «لذلك بقوا»، بحسب تعبيره.
وقد أعرب العديد من الطلبة العرب في «جامعة توليدو» عن اعتزازهم بجذورهم العربية، معتبرين شهر التراث العربي الأميركي «أكثر من مجرد مناسبة سنوية للاحتفاء بثقافة ما».
ويأمل المجتمع العربي في توليدو أن يسهم شهر التراث في نيسان (أبريل)، الذي بدأ يكتسب اهتماماً وطنياً متزايداً، في تسليط الضوء على إنجازات العرب الأميركيين في الولايات المتحدة، وأن يسهم في إبراز دورهم الإيجابي، ودحض التصورات النمطية التي أُلصقت بهم على مرّ العقود.
وفي هذا السياق، قالت الطالبة ماري مسّوح إن شهر التراث الذي يسلط الضوء على مساهمات العرب الأميركيين يشكل فرصة للاعتزاز بتراثها، مضيفة: «هذا الشهر يظهر من نحن ومن نكون».
وأردفت مسّوح، وهي طالبة في السنة الأولى بـ«جامعة توليدو»: «لقد ولدتُ ونشأت في أميركا، لكنني طالبة جامعية، عربية من الجيل الأول، وأنا فخورة بجذوري، وبمن أكون».
من ناحيتها، أكدت نجوى ناصيف، بأن الأطفال حديثي الولادة في مدينة توليدو، وكذلك الأطفال من الجيلين الأول والثاني، هم بأمس الحاجة إلى إعادة الاتصال بتراثهم، لكي يعرفوا من أين جاؤوا، ومن يكونون.
Leave a Reply