تختصر قصة المرحوم عادل قبيسي الذي قتل في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات أمام محطة للوقود يملكها في مدينة ديترويت، المعاناة التي تعيشها العشرات من العائلات العربية الأميركية والكلدانية التي غمست لقمة عيشها بالدم، بفقدان أحباء كلنوا يكافحون في سبيل توفير العيش الكريم.
عماد قبيسي، شقيق المغدور عادل، تزدان غرفة بيته بست صور لأخيه لكي تبقى ذكراه حية في قلبه. «احمل صوره في كل مكان، في سيارتي وفي هاتفي وفي مقر عملي حتى أظل أراه وأذكره خصوصاً هذه الأيام مع اقتراب ذكرى وفاته الرابعة».
عماد قبيسي متوسطاً مجموعة من صور أخيه الراحل، عادل. |
لا يزال عماد يتذكر ذلك النهار المشؤوم في أول نيسان (أبريل) ٢٠١٠، قبل يوم واحد من بدء عطلة أخيه مع عائلته واعتزامه الذهاب إلى فلوريدا، إلا أن القدر كان له بالمرصاد عندما قام مسلح مجرم بالسطو عليه مطلقاً النار على رأسه وهو في الخارج بينما يقوم بإغلاق محطته. ويقول عماد إن المسلّح كان يظن أن المرحوم كان يحمل مبلغاً كبيراً من المال لكن ما حصل عليه بعضاً من «الفراطة».. وأضاف بحرقة «لقد قتل أخي من أجل فكة من النقود».
وحول هذا أكد عماد «حتى اليوم نبقى نحاول الحصول على جواب من الشرطة لكنهم يجيبوننا أن عندهم قضايا كثيرة غير محلولة».
وبالرغم من التحقيق في الجريمة ورصد مكافأة قدرها ١٨ ألف دولار لمن يساعد الشرطة في القبض على الجاني، إلا أن القضية ظلت بدون حلّ مثل معظم الجرائم المماثلة في ديترويت التي تسعى هذ الأيام الى تغيير صورتها والنهوض من جديد بعد أن ظلت لسنوات عديدة «أسوأ مدينة أميركية» دون منافس، لكن العرب والكلدان ظلوا خلال أصعب المراحل «دينامو» المدينة، حيث أن معظم محطات الوقود ومتاجر الكحول المنتشرة في أنحاء ديترويت مملوكة من رجال أعمال عرب وكلدان.
وصحيح أن هذه المصالح التجارية وفّرت لقمة العيش لأجيال من الجالية، لكنها كانت لقمة مغمسة بالدماء.
فقد عانى هؤلاء من الفساد وعجز الشرطة وتفشي العصابات والمجرمين، فكان الثمن عشرات الضحايا الذين تعرضوا للقتل أو العنف في مصالحهم التجارية العائلية الصغيرة.
في العام ٢٠١٢ أشارت غرفة التجارة الكلدانية الأميركية لمجلة «كراين ديترويت» أن بإمكانها تسمية ٢٠٠ مالك متجر محلي من الجالية الكلدانية قتلوا في محلاتهم المنتشرة في كافة أنحاء مدينة ديترويت وضواحيها المجاورة منذ السبعينيات.
وقد أصدرت المنظمة «الفدرالية الكلدانية في أميركا» كتيباً بعنوان «ذكرى الكلدانيين الذين قتلوا في مقار عملهم» ويتضمن صوراً لهم وتفاصيل الجرائم التي إرتكبت بحقهم.
ولا توجد إحصائية بعدد الضحايا من العرب الأميركيين لكن يعتبر أيضاً أنه أعلى من ذلك. وحول الموضوع قالت فاي بيضون، المدير التنفيذي لغرفة التجارة الأميركية العربية، «لا نملك رقماً محدداً لكننا على علم بوجود كثيرين في جاليتنا لقوا مصرعهم بهذا النوع من الجرائم».
وأضافت «بعد هجرة العرب والكلدان إلى الولايات المتحدة هرباً من الإضطرابات السياسية في بلدانهم أخذوا يتعرضون لجرائم عنف في مقرات عملهم وهم يحاولون البدء بحياة جديدة في العالم الجديد».
وتضم منطقة ديترويت أعلى نسبة من العرب والكلدان خارج منطقة الشرق الأوسط ويعرف المهاجرون من الجاليتين بنجاحاتهم التجارية وقدرتهم على إدارة مصالحهم رغم جميع التعقيدات.
وقد ساهم العرب بكثافة في دعم إقتصاد المنطقة من خلال الروح التجارية والإبتكار، ويقدر بأن ٧٥ إلى ٨5 بالمئة من متاجر ديترويت التعاونية تعود ملكياتها إلى العرب والكلدان وعلى رأسها محطات الوقود إلى متاجر ومحلات «الدولار ستور» والفنادق وغيرها من المصالح التجارية في «مدينة السيارات».
«ماذا يمكنني أن أعمل في مجال آخر؟ لو كان هناك شيء آخر لقمت به لكن معظمنا لا يملك خياراً آخر»، قال قبيسي الذي يعمل اليوم في سوق بديترويت..
آخر جرائم العنف في المدينة طالت كلدانيين، واحد من فارمنغتون هيلز قتل في كانون الأول (ديسمبر) وهو يمتلك متجراً ويدعى دريد لوسيا والآخر من مدينة تروي يعمل في محطة وقود اسمه أثير بطرس وجد جثة هامدة جراء عيار ناري أطلق على الرأس في شهر شباط (فبراير) الماضي.
وفي عام ٢٠١٢ اهتزت الجالية الكلدانية من أقصاها إلى أقصاها لحادثة القتل المروعة لرجل الأعمال المعروف فرد دالي، الرئيس السابق لجمعية «تجار البترول والأغذية المتحدة». هذه الجريمة دفعت عمر بنو، المدير الإداري في مؤسسة «الجالية الكلدانية» إلى إنتاج فيديو وعرضه على «يوتيوب» عن الفقيد أسماه «سنوات العيش: إسهام كلداني». وقد حصد الفيديو آلاف المشاهدات وخصص لذكرى كل أصحاب المتاجر الكلدان وعوائلهم الذين خسروا حياتهم وعانوا من خسائر باهظة بسبب الجرائم العنيفة، ويستعرض الشريط حياة أفراد عوائل الذين سقطوا على طريق الكفاح من أجل العيش.
بنو كان يبلغ ثلاث سنوات من العمر عندما قتل والده عام ١٩٧٤ في ديترويت، كما أن أحد أبناء عمه قتل في محله عام ١٩٧٩. وقال بنو لجريدة «صدى الوطن» إنه يعتزم القيام بجمع تبرعات لزيادة الوعي حول هذه المسألة في وقت قريب. ووصف الجرائم ضد التجار بأنها مأساوية ورهيبة وفي شريط الفيديو يقول «عندما يقع مثل هذا الأمر المروع، جزء منك يموت مع الشخص المقتول وأعتقد أن جزءاً آخر منك سيشعر دوماً بالحزن عليه، أما الشفاء فلا يمكن أن يكتمل، لكن الإيمان يعلمنا بأن نستمر في الحياة من خلال معرفتنا بأننا يوماً ما سنتحد من جديد مع من فقدنا من الأحباء».
الإستجابة البطيئة لشرطة ديترويت جعلت الخطر المحفوف بالمصالح التجارية أكبر والدليل أن «صدى الوطن» أصدرت عام ٢٠١٢ تقريراً عن أحد مالكي محطات البنزين الذي تعرض للسطو المسلح مرتين دون استجابة الشرطة. هذا التلكوء حمل الكثيرين على توظيف حراس أمن لمنع الجرائم، ولكن اليوم هناك تعويل على أن تتحسن الأمور مع جدية الإدارة الجديدة في البلدية والشرطة.
فاي بيضون عملت جنباً إلى جنب مع عدي عربو، الرئيس الحالي لجمعية «تجار النفط والأغذية المتحدة» من أجل لفت انتباه الشرطة إلى المخاطر المحدقة بالمصالح التجارية يومياً، وذكر عربو أن من المهم لرجال الأعمال أن يحاولوا منع النشاطات غير القانونية أمام محلاتهم لأنها قد تجذب النوع السيء من الأشخاص.
أما بيضون فقالت «إن قيام المصالح التجارية في ديترويت بإضافة ترتيبات أمنية هي مسألة حيوية لتطور ونمو المدينة إقتصادياً. كما ان زيادة نسبة الجرائم دفعت الكثير من العرب والكلدان الى بيع متاجرهم والرحيل».
لكن هناك من يتهم الجالية العربية بالتقصير في معالجة هذا الموضوع، «حتى أننا لا نملك إحصائيات عن عدد الضحايا».
وعلق الناشط حسن بزي من مدينة ديربورن هايتس الذي يملك شركة توزيع بالجملة لمحطات البنزين ويمثل شركة «تراي ليكس بتروليوم»، بالقول «في كل مرة نحضر جنازة نقول إننا سنفعل شيئاً ما لوقف هذا القتل المجاني لرجال الأعمال، لكن لا أحد يفعل شيئاً».
وأضاف بزي أن هناك كثيرين من الأشخاص الباحثين عن عمل لكنهم رفضوا العمل في ديترويت بسبب المخاطر الناجمة عن الذهاب إلى هناك.
نابي يونو، نائب رئيس علاقات الجالية لدى «المجلس العربي الأميركي والكلداني» (أي سي سي) قال «إن العنف الذي يجتاح المصالح التجارية له نتائج نفسية والناس الذين يشهدون حصول جرائم في المحلات تتولد عندهم عادة عقدة الإضطهاد عندما يعودون إلى مزاولة أعمالهم حيث يحسون أنهم على أعصابهم كل الوقت ويثورون بسرعة ولا يشعرون بذلك إلا بعد حصول العارض ولدى التفكير بما حصل، إنه تأثير نفسي مريع أن تشعر أن هناك أحداً ما يريد إيذاءك أو أنه يمشي وراءك فتشعر بالاضطهاد والخوف». يونو أضاف أن «البعض يتجنب زيارة المدينة بسبب تجاربهم الشخصية».
كان يونو يملك متجراً للكحول وتعاونية بعد أن هاجر إلى أميركا في العام ١٩٦٨، لكن بعد فترة قُتل ابن عمه ألبرت يونو في متجره، وعن هذه التجربة يقول «لقد أصبت بانهيار وأنا في مقتبل العمر لأنه ابن عمي كان في سني وكان يجابه الموت والجريمة في المدينة». وأردف أنه في العام ١٩٧٢ تعرضت إحدى مصالحه للنهب وهو شخصياً للسرقة من قبل لص يحمل مسدساً، كما أن حارس الأمن قتل خلال عملية السطو وهذا الحارس لديه عائلة كبيرة وكان يعمل في وظيفتين لكي يعيش، الثانية كانت في شركة «كرايسلر» للسيارات.
«لقد تركت الحادثة هذه ندوباً لا تمحى مع أن الحارس لم يكن قريبي»، قال يونو مضيفاً إنه رغم عدم معرفته الشخصية بالضحايا من أصحاب المحال التجارية إلا أنه يحضر جنازاتهم ويقدم تعازيه للعائلة ويحاول مساعدتهم قدر الإمكان.
Leave a Reply