«صدى الوطن» – سامر حجازي
يوم الجمعة الماضي، 12 آب (أغسطس)، هاجم الأميركي ستانلي مايجورزز العربي الأميركي من أصل لبناني خالد جبارة، المسيحي الديانة، وأرداه قتيلا برصاصات غادرة، بعدما كان وعائلته التي تقطن بمدينة تولسا بولاية أوكلاهوما عرضة لتحرشات عنصرية طوال عدة سنوات من قبل جاره المتعصب الأبيض. ويوم السبت، 13 آب (أغسطس) تعرض إمام مسجد في نيويورك، يدعى مولاما آكونجي (55 عاما) ومساعده تارا أودين (64 عاما)، وكلاهما بنغاليان، للاغتيال وهما في طريق عودتهما إلى البيت.
وقد ترك كلا الحادثين أسى عميقا لدى أبناء المجتمعين العربي والإسلامي اللذين يتكون أفرادهما من خلفيات إثنية ودينية متنوعة، لاسيما وأن مقتل الضحايا الثلاث يدق جرس إنذار على ارتفاع مستويات الكراهية بمستويات غير مسبوقة، ضد العرب والمسلمين، وضد من يبدون على هيئاتهم وسحناتهم.
خلاف بين الجيران
كانت صحيفة «صدى الوطن» أول الوسائل الإعلامية التي سارعت إلى نشر خبر مقتل جبارة، في ما استغرق الأمر يومين كاملين كي تقوم وسائل الإعلام الأميركية بنقل خبر الجريمة، بوصفها جريمة ارتكبت بدافع الكراهية. وقبل ذلك، كانت وسائل الإعلام المحلية في مدينة تولسا قد عزت دوافع الحادث المأساوي إلى خلاف بين الجيران.
وقد ألقت شقيقة المغدور فيكتوريا جبارة وليامز أضواء على عدائية القاتل، ستانلي فيرنون مايجورزز (61 عاما) الذي دأب على التحرش بعائلة جبارة لعدة سنوات بسبب خلفيتها الإثنية، ففي عدد من المناسبات وصف مايجورزز جيرانه «بالعرب القذرين» مما دفعهم إلى الاتصال بالسلطات الأمنية لتجازواته المتكررة، ولكن السلطات ردت على شكوى العائلة بالقول: لا يمكننا أن نفعل أي شي حيال ذلك.
وفي شهر أيلول (سبتمبر)، العام 2015، طارد القاتل والدة خالد، هيفا جبارة، فحكم عليه بالسجن، ولكنه لم يتوقف عن مضايقة العائلة بعد إطلاق سراحه، والتي انتهت بإطلاقه النار على الشاب العربي، ابن السابعة والثلاثين عاما.
وتذكرنا جريمة مقتل جبارة بالجريمة الشنيعة التي أودت بمقتل ثلاثة من الشبان العرب على يد متعصب أبيض في مدينة تشابل هيل بولاية كارولاينا الشمالية في شهر شباط (فبراير) العام 2015، فهذه المجزرة التي أودت بحياة شادي بركات وزوجته يسر أبو صالحة وشقيقتها رزان، كانت بدورها قد تناقلتها وسائل الإعلام على أنها جريمة حصلت على خلفية «خلاف بين الجيران».
وفي حديث مع «صدى الوطن»، أشار فارس بركات (شقيق القتيل ضياء بركات) إلى وجود قواسم مشتركة كبيرة بين جريمتي تشابل هيل وتولسا. وأضاف: إن الأمر المؤسف في هاتين الجريمتين أن الشرطة لم تفهم خطورة التهديدات التي يمكن أن يستشعرها المسلمون، وذلك بسبب أن جزءا من الرواية يُبنى على أساس أن أسباب الحادث هو خلاف بين الجيران.. هذا ما يفعلونه لكي يبدو الأمر كذلك، بدلاً من أن يظهروا تفهمهم منذ البداية ويدركوا أن الجريمة مبنية على دوافع الكراهية.
واستذكر فارس حالة أخيه ضياء وكيف أنه كان يشعر بالخطر يتهدده من قبل جاره قبيل أيام من وقوع الجريمة، حيث عمد المغدور في مناسبات عديدة إلى التصرف بهدوء حيال عدائية الجار الموتور، بما في ذلك محاولة التبسم في وجهه عندما كانا يلتقيان مصادفة في أحد الممرات.
وأضاف: إن أقسى ما في الأمر أننا حاولنا جاهدين توضيح المسألة على أنها ليست مجرد خلاف بين الجيران، فالجيران ينبغي أن يعرفوا بعضهم البعض وأن يحسنوا التعامل مع بعضهم البعض.. لا أن ينتهي الأمر بينهم بقتل أحدهم للآخرين.
وأكد أن سلطات إنفاد القانون في مدينة تشابل هيل غيّرت طريقة تعاطيها مع الحوادث التي تتخللها دوافع تقوم على الكراهية، في أعقاب مقتل الشبان العرب الثلاثة. ولسوء الحظ، بحسب فارس، لكي تغير الشرطة من طريقة استجابتها فقد كلف ذلك مقتل ثلاثة أشخاص مسلمين في ريعان الشباب.
وأضاف: من وقتها، بدأت الشرطة تتعامل مع المكالمات المتشكية على محمل الجد، كما أن عناصر الشرطة تقدموا باعتذار وقصدوا مسجد المدينة لكي يعرفوا المزيد عن مشاكل المسلمين في تشابل هيل.
موسم كره المسلمين
وفي السياق ذاته، أبدت وفاء كريم -وهي فلسطينية أميركية تقيم في إحدى ضواحي مدينة سان دييغو، بولاية كاليفورنيا- شكوكا متفاقمة حول مكان إقامة عائلتها في الولايات المتحدة. وأكدت، وهي الأم لطفل نصف أفغاني عمره 3 سنوات، أنها تخشى أن يكون لتركيز وسائل الإعلام على دينها وهويتها الإثنية تأثيراً سلبياً على تربية طفلها بطريقة مثالية.
وأضافت: لا أشعر بالأمان وأنا أشرف على تربية ابني العربي الأفغاني المسلم في بلد تتم فيه شيطنة أبناء الإثنيات الأخرى على الدوام، خصوصا بعد حادثة إطلاق النار في ملهى أورلاندو التي علق عليها المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب بخطاب قال فيه إن السبب وراء ذلك الحادث هو أننا سمحنا لوالدي هذا الشخص (مرتكب الجريمة) بالدخول إلى أميركا قبل 30 عاما.. إن هذه الكلمات مرعبة!
تعيش وفاء على بعد أميال قليلة من مسرح جريمة أورلاندو التي حدثت في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ومنذ ذلك الحين تشعر بأنها «مرفوضة» في مكان مثل ولاية كاليفورنيا التي تعتبر من أكثر الولايات ازدهارا في البلاد.
إن جريمة مقتل جبارة في مدينة تولسا جعلتها تعيد التفكير حول الطريقة التي يرى فيها السكان المحليون في سان دييغو عائلتها، وفي هذا السياق تقول: أشعر وكأنه موسم كره المسلمين، ودفعتني (الجريمة) للتعرف على الجذور العميقة له في هذا البلد، لقد صوّرنا بطريقة بتنا نشعر بها أننا غير مرغوب بنا هنا، كما أن ثقافتنا وديننا تتم إعادة صياغتهما بسبب تصرفات البعض.
وقد بدأت وفاء تفكر بالانتقال للعيش في منطقة أخرى، وتأتي أميركا الجنوبية في مقدمة خياراتها، فبحسب علمها فإن المسلمين الذين انتقلوا للعيش هناك وجدوا مجتمعات أكثر ترحيبا وانفتاحا من المجتمع الأميركي. وتشير إلى أنها تريد الانتقال إلى مكان أكثر تسامحا وأمنا لأنها تريد لابنها أن يترعرع وهو يحوز مشاعر الفخر بثقافته وتراثه.
لا بديل عن الوحدة
من ناحيتها، قالت الناشطة الأميركية الكلدانية نضال غرمو إن جريمة تولسا يجب أن تنبه العرب والمسلمين الأميركيين، لأن الكثير من الناس ينمطون المسلمين، بمن فيهم المجتمع الذي أنتمي له، فالمسيحيون الشرق أوسطيين بحاجة لأن يعرفوا أن هذا البلد لم يعد آمنا، ولا أحد يمكن أن يتمتع بالسلامة في الولايات المتحدة.
غرمو التي أطلقت مؤسسة غير ربحية لمساعدة اللاجئين العراقيين، أضافت: إن مساهمات المسلمين الإيجابية لهذا المجتمع لا يراها أحد، فيما يتم تركز وسائل الإعلام على تظهير صورتهم السلبية.
وأكدت أن العديد من المسلمين ساهموا بشكل متواصل في دعم مؤسستها الإنسانية التي تقدم مساعدات للمسيحيين العراقيين المنكوبين. وقالت: ليكن الله مع جميع المسلمين.. إنه لوقت عصيب عليهم هذه الأيام. وأضافت بالقول: لدي العديد من الأصدقاء المسلمين الذين لا يتوقفون عن مساعدة المسيحيين بالتبرعات والتطوع لصالح العمل من أجلهم.
وأشارت غرمو إلى السنة الأخيرة شهدت توترا بين المجتمعين الإسلامي والكلداني، مؤكدة أنها تسعى بشكل دائم داخل مجتمعها الكلداني لفض الالتباس بين الإسلام و«داعش»، الذي تحاول حملة ترامب الرئاسية تعميقه داخل المجتمع الأميركي.
وختمت بالقول: سوف تكون نهاية أميركا إذا وصل ترامب إلى سدة الرئاسة.. إنه يقول أشياء سلبية للغاية بلهجة عدائية.. لا يناسبه أن يكون قائدا.. إنه يخلط بين المجرمين وبين اللاجئين السوريين الذين كانوا الضحية الأولى لتنظيم «داعش»… وهذا بكل بساطة خطأ.
Leave a Reply