خلال أيام قليلة، ضرب الإرهاب بقسوة فـي ثلاثة أماكن متفرقة حول العالم، فـي لبنان وفرنسا ونيجيريا، وأودى بحياة مئات القتلى الذين سقطوا ضحية العقيدة التكفـيرية التي تعيث قتلاً وخراباً فـي سوريا والعراق والعديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى منذ سنوات طويلة.
المثلث الإرهابي الذي عصف بثلاث قارات، الأسبوع الماضي، يمكن تشبيهه بدون مبالغة بـ«مثلث برمودا» يهدد بابتلاع الأوطان وتدمير الأنسجة الاجتماعية والثقافـية فـي البلدان التي يضرب فـيها، ويحوّل الدين الإسلامي إلى هدف سهل ومكشوف للمحترفـين من عتاة التعصب وغلاة التمييز ضد الإسلام والمسلمين الذين يروجون للإسلاموفوبيا وينعتون جميع المسلمين بالإرهاب من خلال ألاعيب لفظية بهلوانية، ليس آخرها تلك العبارة التي بدأت بالانتشار فـي وسائل الإعلام العالمية، والتي تقول: «ليس جميع المسلمين إرهابيون، ولكن جميع الإرهابيين مسلمون».
لا يعرف منظرو الإرهاب، من ذوي التفكير المريض والمنحرف، أن أثماناً باهظة ومضاعفة تُدفع من «حساب» الإسلام والمسلمين، الذي باتوا معاً بين مطرقة الإرهابيين وسندان المعادين لهم ولدينهم، فالإرهاب الدموي والقتل المجاني بإسم الإسلام وتحت شعار «الله أكبر»، دفع أعدادا كبيرة من الناس إلى التشكيك بدينهم والتخلي عن إيمانهم بعقائد الإسلام السمح، فـي ظاهرة اجتماعية هي الأخطر من نوعها فـي العالم العربي خلال العقود الأخيرة.
وفـي الوقت ذاته، تشير الحقائق إلى أن المسلمين هم فـي رأس قائمة المستهدفـين من قبل تلك الجماعات التكفـيرية، كما أن الإحصائيات تشير بشكل واضح إلى أن النسبة الأكبر من ضحايا الهجمات العدوانية والتفجيرات الانتحارية هم من المسلمين فـي العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من البلدان العربية.
ولا تقتصر تأثيرات الهجمات الإرهابية، لاسيما هجمات باريس الأخيرة، على العرب والمسلمين داخل مجتمعاتهم الأصلية بل تتعداها إلى مجتمعاتهم فـي المهاجر الأوروبية والأميركية إضافة الى تعميق مأساة اللاجئين السوريين الفارين من جحيم الحرب فـي بلادهم، وتحويلهم إلى فئة «منبوذة»، بعد أن وقف العالم لسنوات يتفرج على استباحة سوريا من قبل عشرات آلاف المسلحين الأجانب الذين توافدوا للقتال تحت راية «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية بهدف إسقاط الدولة السورية.
اللاجئون السوريون كانوا أول من يدفع الثمن لهجمات باريس الإرهابية التي دقت نواقيس الخطر فـي المدن الغربية الكبرى. وفـي ردود الفعل الأميركية، أعلن أكثر من 30 حاكماً عن تعليق الجهود المبذولة من أجل توطين اللاجئين السوريين فـي ولاياتهم، خشية اختراقهم من قبل تنظيمات إرهابية، مثل «داعش» و«القاعدة».
كذلك الجاليات العربية والمسلمة فـي أميركا وأوروبا.. دفعت ثمن الإرهاب الذي ضرب باريس، بتعرض أبنائها الى سيل من التحريض والتهديدات.
فقد تعرضت عدة مساجد فـي أميركا وكندا وبعض الدول الأوربية إلى التهديد بالتدمير والإحراق، وقد حصل هذا الأمر فعلا فـي كندا، حيث تم إحراق أحد المساجد. وفـي كندا نفسها، نشر أحد المتعصبين الكنديين شريط فـيديو يهدد فـيه بقتل شخص عربي كل أسبوع، انتقاما لهجمات باريس.
أما فـي ديربورن، فقد قامت المجندة السابقة فـي البحرية الأميركية سارا بيبي باستعداء الأميركيين على سكان المدينة من العرب والمسلمين، حين قامت بنشر تغريدة على صفحتها بموقع«تويتر» كتبت فـيها: «ديربورن فـيها أعلى نسبة من عدد السكان المسلمين فـي الولايات المتحدة، دعونا نضرب ذلك المكان اللعين ونرسل رسالة إلى داعش بأننا قادمون».
وقد أدى هذا الهيجان المحموم والمدفوع بكراهية الإسلام والمسلمين والتصريحات المتعصبة التي ملأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى إضفاء جو من الحذر والقلق فـي أوساط السكان العرب الأميركيين والمسلمين.
وعلى المستوى السياسي، جاءت هجمات باريس المتزامنة، كرد سريع وحاسم على تلك الأصوات المتلجلجة التي حاولت أن تبرر لتفجير الضاحية المزدوج بأنه جاء ردا على دخول«حزب الله» إلى سوريا ومشاركتها فـي الحرب على الإرهاب، فجاءت الهجمات الإرهابية كرد واضح، لا لُبس فـيه، بأن تنظيم «داعش» يعادي الجميع، وبالتالي لا بد من محاربته من قبل الجميع، وفـي مقدمتهم المسلمون أنفسهم، وكل من يحاول أن يبرر الاعتداءات الجماعات التكفـيرية فهو شريك كامل فـي الجريمة.
Leave a Reply