مصر: مـات الملك.. عـاش الملك؟
زمـن الفـرد يـا فرعـون ولّى
ودانت دولـة المتجبـرينا
وأصبحت الرعاة بكل أرض
على حكم الرعية نازلينا
أمير الشعراء أحمد شوقي
الثورة المغدورة
استبشر الكثير من المصريين ومن العرب بقيام الثورة المصرية ، وان كان استبشار المصريين مرده سقوط طاغية ونظام فاسد فان استبشار العرب مرده ما “للمحروسة” من دور جيوسياسي وثقل في توازنات وصراعات المنطقة أملا في أن تستعيد مصر دورها الطبيعي والتاريخي في قلب الأمة. ورغم الدماء الزكية التي سالت وزادت في استعار الثورة فقد حاولت القوى المتنفذة، وخاصة الخليجية، أن ترمي بقارب نجاة لهذا النظام علها تنقذه، لكنهم فشلوا وخاب مسعاهم وتحول الأمل والاستبشار الى حقيقة بعد أن استطاعت الجماهير المتمترسة بـ”ميدان التحرير” وبكل ساحات محافظات مصر بأن تجبر الرئيس مبارك على الرضوخ لإرادة الملايين وخلع نفسه تاركاً المنصب، أولا الى نائبه عمر سليمان الذي عين على عجل ليسد فراغا دام منذ تولي مبارك الرئاسة. لكن اصرار الشارع في رفض هذا البديل جعل مبارك يتنازل الى مجلس عسكري برئاسة وزير دفاعه المشير حسين طنطاوي، ورغم أن هذا الاجراء لم يكن دستورياً، حيث كان من المفترض حسب الدستور المصري ان يتولى الرئاسة عند شغورها رئيس المحكمة الدستورية، فإن الجماهير لم تبدِ حينها رفضاً لتلك الخطوة بعد ان التزمت المؤسسة العسكرية الحياد ووعدت بتسليم الرئاسة الى رئيس منتخب. الا أن ما كان يبدو حياداً من الجيش كان في الحقيقة مهادنة للشارع تضمر في طياتها الالتفاف على الثورة في المراحل اللاحقة.
ومنذ توليه الحكم عمل المجلس العسكري على توطيد سلطانه عبر مشاريع قوانين استباقية تجعل منه الآمر الناهي حتى بعد انتخاب برلمان ورئيس جديد للبلاد. فقد وطد العسكر سيطرتهم عبر قوانين تجعل سلطانهم يتحكم بالبرلمان والميزانية ووزارة الدفاع وحتى القضاء، ما أصبح ينذر بأن العسكر بدأوا فعلا ببناء دولة داخل الدولة، ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى ايقنت الاحزاب والجماهير ومنظمات المجتمع المدني نوايا العسكر في تحويل الدولة الى ثكنة لا تُنفذ فيها الا قراراتهم واحكامهم. وسريعاً ما تداعي الجميع وعملوا على مزيد الضغط على المجلس العسكري ليسلم الدولة الى المدنيين إلا ان العسكرتارية كانت تصر دائما أنها لن تفعل ذلك إلا بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
القرارات الإستباقية: العسكر يُشرّع لسلطانه بإنقلاب أبيض
حاولت العسكرتاريا المصرية ان تظل أطول وقت ممكن على رأس هرم السلطة حتى تستطيع أن تؤسس لجمهورية العسكر تشريعياً عبر عسكرة مؤسسات الدولة في انقلاب ابيض جعل من سلطانهم امراً واقعاً. فبعد كرّ وفرّ وتحت ضغط الشارع المستمر لم يجد العسكر بدّا من تحديد أجنده لتنظيم انتخابات برلمانية ثم رئاسية فأقيمت الانتخابات البرلمانية بغرفتيها (مجلسي النواب والشورى) والتي فاز فيها “الاخوان” في حين أبدى العسكر في الظاهر حيادية لم تخف توجسهم من “الاخوان” ومن بقية الاحزاب الثورية والتي مازالت ترى في قيادات المؤسسة العسكرية فلولا لنظام مبارك. وفي خضم هذا المشهد حاول العسكر تطويل أمد سلطتهم قدر الإمكان تحت عنوان الفترة الانتقالية التي راهنوا من خلالها على نسج شبكة يصطادون فيها منافسيهم من المدنيين ويبقون كل الخيوط بايديهم. ثم أقرت انتخابات الرئاسة على مرحلتين لمزيد استهلاك الوقت واللعب على الحبال بين الاحزاب المتنافسة للتحضير لمرحلة جديدة من حكم مصر تستمر فيها نفس السياسة القديمة ويكون فيها المجلس العسكري الحاكم الفعلي للبلاد، ولكن بواجهة مدنية.
وكانت كل خطوات العسكر تعمل، لا من أجل الحفاظ على الامتيازات وحسب، بل أكثر من ذلك، فقد كان طموحهم الحفاظ على الحكم والسلطة حيث عملوا على تحقيق ذلك بكل الوسائل وعبر عدة مراحل متسارعة بدأها العسكر بـ :
أولاً: خرق العسكر الدستور وتولي رئاسة البلاد رغم ان الدستور المصري ينص على أن رئيس المحكمة الدستورية هو من يتولى رئاسة الدولة أثناء الشغور.
ثانياً: أصر العسكر على أن يشمل الدستور المعدل بنوداً تمنع مناقشة ميزانية وزارة الدفاع في البرلمان وحصر ذلك ضمن صلاحيات وزارة الدفاع التابعة للمجلس العسكري.
ثالثاً: كان المجلس العسكري وراء حل البرلمان من طرف المحكمة الدستورية في ١٤ حزيران (يونيو) 2012 رغم أنه كان أول برلمان ينتخب بعد الثورة. كما لوح المجلس العسكري بحل مجلس الشورى والهيئة التاسيسة التي انشأت لكتاية الدستور.
رابعاً: أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مساء 17 حزيران 2012، إعلانا دستورياً مكملاً، للإعلان الصادر في 30 آذار (مارس) 2011، وفي هذا الاعلان يسطو العسكر على ما تبقى من صلاحيات المجالس التشريعية وصلاحيات الرئيس المنتخب الذي لم يتركوا له من الرئاسة إلا الاسم، وذلك عبر عدة بنود:
1- حدد المجلس العسكري الجهة التي سيؤدي أمامها الرئيس المقبل اليمين الدستورية وهي الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا (بدل البرلمان) وبذلك يريد ان يؤكد علوية قراراته على قرارات الرئيس المنتخب.
2- يكون لرئيس المجلس العسكري، حتى إقرار الدستور الجديد، جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة (أي رئيس الدولة) ووزير الدفاع.
3- لا يمكن لرئيس الجمهورية ان يعلن الحرب إلاّ بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقرارات الحرب والسلم من المفترض أنها من صلاحيات الرئيس دون الرجوع الى اخذ الموافقة من قائد القوات المسلحة.
4- يحتاج طلب رئيس الجمهورية لتدخل القوات المسلحة في حال حدوث اضطرابات داخلية الى موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رغم أنه من المفترض أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، يأمر فيُطاع.
5- يباشر المجلس العسكري مهام المجلس التشريعي الى حين انتخابات مجلس شعب جديد ومباشرته لاختصاصاته، وهي “نكتة” فعلا حيث يتحول الجيش من مؤسسة للدفاع عن الوطن الى مؤسسة تشريعية.
6- يشكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة لكتابة الدستور إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية الحالية لعملها رغم أن كتابة الدستور هي مهمة مدنية منوطة بالمؤسسات التشريعية أو الهيئات التي تُستحدث لذلك.
7- لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحق مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والمجلس الأعلى للهيئات القضائية في الاعتراض على مشروع الدستور (فيتو)، والمعروف ان مهام الجيش من المفترض أنها عسكرية بحتة لكن عسكر مصر يريدون أن يؤسسوا لحقوق تجعل منهم المرجعية الأولى قبل البرلمان وقبل رئيس الدولة وقد توضح ذلك عند زيارة الرئيس المنتخب للمجلس العسكري رغم أنه من المفترض أن يقوم أعضاء المجلس العسكري بتهنئة الرئيس الجديد وزيارته في قصر الرئاسة.
بناء الجمهورية الثانية: الرئيس مرسي أمام الخيارات الصعبة
أُعلن، كما كان منتظرا، فوز مرشح “الإخوان” محمد مرسي في أول استحقاقات انتخابية رئاسية في مصر بعد الإطاحة بمبارك في 11 شباط (فبراير) 2011.
وجاء الاعلان اثر مخاض عسير حيث تأخر فيه العسكر عن الإعلان عن اسم الفائز رغبة في خوض مفاوضات او صفقات قبل ان يتم تسليم منصب الرئاسة الى الرئيس الجديد الذي حرصوا على جعله رئيساً شكليا بعد أن سطوا على معظم صلاحياته وحولوه الى رئيس شرفي، إسوة بما فعل سلاطين المماليك بالخلفاء في العصر العباسي الثاني حيث لم يبقوا لهم من الخلافة إلا الاسم.
وأمام هذا الواقع، بات على الرئيس المنتخب أن يعمل مع بقية القوى الثورية ويعتمد بشكل خاص على الزخم الثوري الشبابي في الميادين المنتفضة وضمن قواعد القانون لتوليد مزيد من الضغط على المؤسسة العسكرية لدفعها الى العودة الى ثكناتها. ويبدو أن هذا الامر من الصعوبة بمكان في ظل الترتيبات والقوانين الاستباقية التي أصدرها العسكر والتي تدل على نية واضحة في ان يكون المجلس العسكري اللاعب الاول في المرحلة القادمة. ولهذا يتوجب على الرئيس مرسي والقوى ذات المصلحة في استرداد الثورة استرجاع زمام المبادرة وعكس الهجوم ضمن اهداف تركز أساساً على:
– استرداد صلاحيات الرئيس، عبر الضغط لالغاء كل القوانين والمراسيم الاستباقية التي اصدرها العسكر سواء كانت سياسية أو تشريعية أو أمنية…
– استعادة عمل المؤسسات التشريعية بالغاء حل البرلمان أو عبر المطالبة باقامة انتخابات تشريعية جديدة في أقرب وقت ممكن.
– تفعيل عمل الهيئة التأسيسية المنوط بها كتابة دستور جديد للبلاد حتى تسرع في انجازه، وكذلك تفعيل بقية المؤسسات التشريعية كمجلس الشورى.
– تشكيل حكومة جديدة حتى تتولى تقديم الخدمات الى الشعب خاصة بعد ان اصبحت الدولة متهالكة اقتصاديا بارتداد حركة النمو وتنامي مشكلة البطالة. ويُستحسن أن تكون تشكيلة الحكومة ائتلافية حتى تمثل أغلب الطيف السياسي لاهمية مشاركة الجميع في مجهود البناء. كما يمكن ان تتكون الحكومة من أعضاء تكنوقراط لتسيير شؤون الناس في حين تنكب القوى السياسية على هيكلة الدولة وكتابة دستور توافقي.
ورغم أن خطاب مرسي الذي توجه به الى الشعب المصري إثر اعلانه فائزاً في الانتخابات الرئاسية كان خطابا عفوياً وشعبوياً بسيطاً إلا أنه حاول فيه توجيه رسائل الى الجميع في الداخل والخارج حيث قام خارجيا بتطمين الغرب واسرائيل عبر اعلانه الالتزام بكافة الاتفاقيات الدولية والاقليمية الموقعة من طرف الحكومات المصرية السابقة وهذه رسالة موجهة لطمأنة اسرائيل على ان حكام مصر الجدد سيبقون على اتفاقية “كامب ديفيد”. كما قام بإعلان توجهه نحو بناء علاقة ثقة مع ايران، خاصة بعد أن أصبحت هذه الأخيرة لاعباً أساسياً في المنطقة وطرفاً حاسماً في حل مشاكلها دون الوقوع في استلاب الوعي وتحويل ايران الى عدو دونما موجب لذلك.
وعلى المستوى الداخلي، أكد مرسي على انه: سيعمل على دعم الوحدة والمصالحة الوطنية والعمل على ذلك مع كافة التشكيلات السياسية وتوحيد جميع فئات المجتمع ووعد أن يكون رئيسا للجميع. وهي خطوة مهمة.
كما أكد مرسي على احترام سلطات ومؤسسات الدولة مثل القوات المسلحة والقضاء وجهاز الشرطة، لكن الرئيس الجديد لم يقم بطمأنة مؤيدي شفيق والذين يمثلون 48.3 بالمئة من الذين صوتوا في الانتخابات مما قد يثير شكوك وتوجس لديهم انهم سيتعرضون الى الاقصاء وهي نقطة سلبية قد تكون في صالح القوى المضادة للثورة والتي لا زالت تعمل على اجهاضها بإثارة القلاقل والاضطرابات وشرذمة الشارع. ولذلك على الرئيس أن يتدارك الامر في مقبل الأيام لمد اليد إيهم وطمأنتهم على مستقبلهم.
الإخوان والدولة والرهانات الكبرى: العودة الى الشعب أم الاعتماد على الخارج
الآن، وقد كشفت الصناديق عن نتائجها واختار الشعب المصري حركة “الإخوان المسلمين” بديلا عن نظام مبارك، وعلى الرغم من مواقف المؤيدين والرافضين لهذه الجماعة لا يمكن للجميع إلا الرضوخ وقبول قوانين اللعبة الديمقراطية.
وفي ظل هذه الظروف يطفو سؤال على السطح: ما هو الممكن وما هو المأمول من “الاخوان” في قادم الأيام سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؟ وإذا أرادوا أن يقودوا سفينة مصر فما هي التداعيات على البلد والمنطقة اذا اختاروا التسلط والإقصاء نهجاً لحكمهم؟
في الواقع، أمام الرئيس الجديد، وحركة “الاخوان” من ورائه، فرصة تاريخية لتأكيد انهم فعلا جزء مهم من مشروع الثورة المصرية، وانهم عامل دفع نحو بناء مجتمع تقدمي ديمقراطي في مصر، يشكل طليعة القوى الناهضة بالمنطقة العربية من أجل تصالح مصر مع نفسها ومع محيطها العربي والاسلامي، ويمر هذا عبر:
– تفعيل مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات المهنية والطلابية وتشريكها في صنع القرارات وفي تنفيذها.
– التركيز على مبدأ الشراكة في الحكم بإشراك كل القوى الثورية في الحكومة القادمة وفي كل المؤسسات التنفيذية والتشريعية وتجنب مبدأ الحكم باسم الاغلبية البرلمانية لأن الهدف الآن هو مشاركة الجميع في عملية البناء حتى يشعر المصريون بالمواطنة والمسؤولية ويقدرون ذلك للحاكم مما يقلل من التشاحن والتنافس الداخلي، كما لا بد على الرئيس الجديد الانتباه الى أنه لم يحقق اجماعاً حوله في انتخابه كرئيس للبلاد فقد صوت نصف المقترعين تقريباً لصالح خصمه شفيق وهو مؤشر يجب على الرئيس الجديد تداركه بمزيد من التقارب مع كل الفعاليات والاتجاهات السياسية والشعبية حتى يؤمن التفاف الجميع حوله كرئيس الاجماع لا رئيس “الاخوان”.
– اعطاء دور للاقباط للمشاركة في بناء الدولة الجديدة بوصفهم مواطنين كاملي الحقوق والواجبات لا النظر اليهم كذميين وبالسماح لهم ببناء مؤسساتهم الدينية والمدنية ضمن مبدأ حرية المعتقد والحرية الثقافية.
– بناء اقتصاد يعتمد على تنويع مصادر الدخل وتوجيه الاهتمام الى المناطق الداخلية والصحراوية ومزيد اكتشاف الثورات الباطنية براً وبحراً.
– الانفتاح على الاراء الاخرى الليبرالية واليسارية والقومية وتجنب الاحكام التي تقسم الناس بين مؤمنين وكفار في إطار مبادئ تكفل حرية التعبير ولا تمس ثوابت ومقدسات الشعب المصري. وإذا تجاهل الرئيس مرسي ذلك فقد يخسر دعماً هاماً خاصة اذا تأكد سعي بعض الدول الخليجية الى دعم السلفية كخيار لاضعاف “الاخوان” وشرذمة الشارع المصري. أما في حال تحالف “الاخوان” مع السلفيين فليس أمامهم إلا الذهاب في مشروع تطبيق الشريعة ما سيعطي فرصة للعسكر للانقلاب من جديد باسم الحفاظ على الديمقراطية والتعددية ولكن هذه المرة بمباركة الجزء الأكبر من الشارع المصري. فعلى أي الضفاف سيُرسي مركب مرسي؟
– تفعيل دور مصر العربي كأكبر دولة عربية، لأن مصر قادرة على استعادة زمام المبادرة وقيادة المنطقة وأن تكون لاعبا اساسيا في تحديد مصير ومسار التحولات فيها دون الانجرار وراء اجندات لا تخدم الا غايات خارجية.
– اتباع سياسة خارجية برغماتية مع التزام سياسة عدم الانحياز للمحاور التي تدخل المنطقة في الحروب والصراعات، خاصة تجنب ادخال مصر في مشروع الفتنة الذي يروج له ويرجى اشعاله بالمنطقة بين الشيعة والسنة والذي لا يخدم إلا أجندات هدامة، على الرغم من سياسة الرشوة واغداق الاموال التي تكرسها اطراف خارجية خليجية داخل الساحة المصرية لادخال المنطقة في أتون صراعات أقل ما يقال فيها إنها غبية وهدامة وعلى الرغم من تحذير العقلاء من نتائجها يستمر عرب الردة في إشعالها، حيث يصدق فيهم قول الشاعر:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة اعيت من يداويها
– وعلى الرئيس، كذلك، تقوية جبهة مصر الداخلية. فمصر القوية والمتماسكة لا يمكن أن تخضع لأي ضغوط خارجية ما دامت تحظى بتأييد شعبي جارف.
وإذا لم يسترجع الرئيس الجديد و المجتمع المدني المصري الدولة من المجلس العسكري ستكون مصر الجديدة نسخة معدلة عن مصر-مبارك، وقتها ستجهض الثورة وتعود الدكتاتورية من الشباك بعد أن غادرت من الباب.
فإذا استرجعت القوى الثورية الدولة من العسكر وتخلت حركة “الاخوان” التي جاءت عبر الصناديق، عن سياسة الفردية والتبعية الى مرجعيات خارجية، التي لن تجلب إلى مصر إلا التفرقة والشرذمة، وإذا لم تعتمد الحركة على قدرات الدولة وعلى سواعد ابنائها وعلى محيطها العربي الاسلامي ونبذ سياسة التسول من الدول المتنفذة والدول الخليجية، خاصة تلك التي انفضح دورها الهدام بالمنطقة، فاذا لم تفعل ذلك ستكون بذلك تواصل لنهج حكم مبارك الفاسد ولكن بمسميات أخرى. ووقتها سيصدق فيها المثل الميكيافلي في كتاب “الامير” “مات الملك عاش الملك”، وهو تعبير عن تغير الاشخاص واستمرار نفس السياسات. وعندها تكون مصر قد بقيت على حالها و”كأنك يا بوزيد ما غزيت”.
لن نغرق في التشاؤم بالرغم من أن لما سلف ذكره مؤشرات حقيقية في الواقع المصري، إلا ان هناك علامات مضيئة في ثورة مصر تدل على أن هذه الثورة بالغة النصر لا محالة، وتبرز هذه العلامات في فعالية الشارع وفي الوعي الكبير للشباب المتمترس في الساحات، والذي على الرغم من السياسات الاعلامية المكثفة الداخلية والخارجية التي تحاول مصادرة وعيه والزج به في صراعات هامشية تبعده عن قضيته الاساس، وهي العمل المتواصل على تحقيق اهداف الثورة، الا ان هذا الشارع الشبابي خصوصا والشعبي عموما مازال مؤمناً بقضيته، وفياً لدماء الشهداء حريصاً على أن لا تذهب هدراً، ومقدراً لتضحيات الشعب الذي قدم من أجل قيام ثورته واستمرارها النفس والنفيس.
Leave a Reply