لا يكاد يمر يوماً من غير ان نسمع تصريحاً اسرائيلياً يتحدث عن «حزب الله» ونشاطاته المتعاظمة حول العالم وتسلحه بشكل هائل وغير تقليدي، اضافة الى التحذيرات المتتالية التي تصدرها المؤسسة الامنية الاسرائيلية من مغبة نجاح «حزب الله» من اختطاف احد جنرالاتها الكبار من المتقاعدين في الخارج، والتي كان اخرها ما اعلنه وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك عن افشال عمليتين لخطف اسرائيليين في الخارج، من غير ان يضيف اين وكيف ومن هي الشخصيات المستهدفة من هاتين العمليتين المزعومتين؟
لاشك بأن «حزب الله» لم ينس قائده العسكري عماد مغنية الذي اغتاله تعاون اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية و«العربية»، وقد وعد امينه العام السيد حسن نصرالله بالثأر والانتقام له من الاسرائيليين في الزمان والمكان المناسبين، ولكن ذلك لا يعني ان يمضي «حزب الله» بالثأر لقائده العسكري من دون حسابات دقيقة يجيدها الحزب ويعلم مدى حساسيتها في ظل التوازنات الهشة في المنطقة. فعقل «حزب الله» رغم انه تنظيم ديني اصولي لا يعمل بالطريقة التقليدية التي تعمل بها عقول الجماعات الاسلامية المنتشرة في العالمين العربي والاسلامي، وهذا سر نجاح «حزب الله» في الميدان العسكري، فهو ليس «الاخوان المسلمين» في مصر، وهو ليس جبهة الانقاذ في الجزائر، وهو لا يشبه تنظيم القاعدة ولا اي من الحركات السلفية في لبنان والعالم، لانه يملك عقلاً بارداً ولانه ببساطة لا يكف عن التفكير.
«حزب الله» يعي حقيقة الانتشار اللبناني في العالم وهو يعي اكثر حجم التواجد اللبناني الشيعي في القارة الافريقية الموضوعة في اول اللائحة الخطرة بالنسبة للاسرائيليين، وهو يعلم ما يشكله هذا الانتشار خاصة في تلك القارة، من حيوية اقتصادية استثنائية لابناء الطائفة الشيعية. وهو يعلم ان اي عملية امنية في تلك البلاد يقوم بها سيكون لها ارتدادات كبيرة على الجاليات اللبنانية المنتشرة في ظل الهجمة الاعلامية الاسرائيلية، بسبب وبدون سبب على التواجد الشيعي وعلى مصالحه الاقتصاية. هذا من ناحية، اما من ناحية اخرى فإن «حزب الله» لا يسعى الى توسيع دائرة الصراع مع اسرائيل الى خارج الحدود الطبيعية ولو ان عماد مغنية اغتيل في سوريا التي يعتبرها الحزب انها مازالت في قلب المعركة.
المقاومة اليوم تعيش هاجس المحافظة على سلاحها وحماية ظهرها السياسي في الداخل اللبناني. فعين على الاسرائيلي المتربص على الحدود، وعين اخرى على الداخل الطامح والساعي في جزء منه لنزع سلاح المقاومة ومحاصرته، وهو يعد مطالعاته الداعية لنزع السلاح في جلسات الحوار المزمع في قصر بعبدا في السادس عشر من الشهر الجاري. وهو – اي هذا الجزء الطامح – يصرح من الآن بأنه اذا لم تحل مسألة سلاح «حزب الله» فلن يكون هناك قانون انتخابات ولن تكون هناك انتخابات نيابية. وتلك الاخيرة هي ما يعول عليها «حزب الله» لقلب المعادلة الداخلية وكسر الاكثرية النيابية الحالية، وليس معنى ذلك استبعادها، لان ذلك غير ممكن في ظل التركيبة اللبنانية وفي ظل النصوص الدستورية التي لم تحترمها هذه الاكثرية وابقت فريقاً كبيراً من اللبنانيين خارج الحكومة لمدة تزيد عن السنة ونصف السنة، انما كسرها كي تقر بدون «7 ايار» وبدون «الدوحة» بحق الاخر في المشاركة بالقرار السياسي.
هذا هو هم المقاومة في الوقت الحالي، مهادنة الداخل على ان لا يقارب سلاحها ومراقبة الجبهة الجنوبية مع اعلى درجات الحذر من غير المبادرة الى الحرب.
عندما يحذر امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اسرائيل واعداً اياها بتدمير فرقها الخمسة في الجبال والسهول والقرى اللبنانية اذا ما اقدمت على مهاجمة لبنان، وهو تحذير يراد منه الردع والصد الاستباقيين، فإنه – اي السيد – لن يقدم للاسرائيلي الذريعة، مهما تكن تلك الذريعة، لتنفيذ اعتداءاتها على لبنان، وفتح معركة يسعى «حزب الله» لتأجيلها في الوقت الراهن.
لن تثأر المقاومة لاغتيال عماد مغنية بطريقة تطيح كل ما بناه الرجل على مدى ربع قرن، خاصة ما تم انجازه في الفترة التي تلت حرب تموز ليس فقط على صعيد المقاومة في لبنان انما على صعيد اعادة تشكيل فرق الجيش السوري على غرار المقاومة في لبنان، وهي المهمة التي انجزها مغنية بنجاح قبل عملية اغتياله.
Leave a Reply