كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لم يكن مفاجئاً، القرار الأميركي المستند إلى «قانون ماغنتسكي»، بفرض عقوبات على رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، فهو كان متوقعاً، وجرى تسريب معلومات منذ أكثر من سنة، بأن اسمه سيوضع على لائحة العقوبات، لأنه يتعاون مع «حزب الله» الذي تصنّفه أميركا بأنه «منظمة إرهابية»، وتحظر التعامل معه.
عودة الجنرال
منذ أن عاد العماد ميشال عون من منفاه في باريس في 7 أيار (مايو) 2005، قيل في حينه إن «صفقة» دُبّرت لعودته، قبل الانسحاب السوري، فساد القلق أوساط حلفاء أميركا في «ثورة الأرز»، من أن عون الذي شارك قوى «14 آذار» في التظاهرات لفرض خروج القوات السورية من لبنان، وهو الذي سبقهم بهذا المطلب بسنوات، لن يبقى في صفهم السياسي المتمحور حول القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والقاضي بنزع سلاح «حزب الله».
وبالفعل، كان عون قد بدأ بتوطيد علاقته بالحزب، قبل عودته إلى لبنان، وذلك من خلال عقد تحالفات محدودة في انتخابات نقابية أو جامعية. وبعد الانتخابات النيابية التي جرت عقب الانسحاب السوري عام 2005، حصد «التيار العوني» –قبل أن يتحوّل إلى «التيار الوطني الحر»– أصوات 70 بالمئة من الناخبين المسيحيين، لاسيما في جبل لبنان، فانطبق عليه الوصف الذي أطلقه وليد جنبلاط بأنه سيكون «تسونامي» الانتخابات، مبدياً تخوفه من عودة الجنرال وقدرته على انتزاع المقاعد المسيحية منه لاسيما في جبل لبنان الجنوبي، بأقضية بعبدا وعاليه والشوف.
وبدأت عملية عزل عون سريعاً، بعد أن أبقاه تحالف «14 آذار» خارجه، فلم يقبل مشاركته في الحكومة التي ترأسها فؤاد السنيورة بعد الانتخابات، واستعيض عن «التيار العوني» مسيحياً، بـ«القوات اللبنانية» التي خرج قائدها سمير جعجع من السجن بعفو من مجلس النواب، وأيضاً بـ«حزب الكتائب» وشخصيات مسيحية مستقلة، لإقامة توازن مع عون الذي لم يكن له حليف انتخابي مسلم، بعد أن تركه «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، والتحقا بتحالف مع حركة «أمل» و«حزب الله»، في ما عرف باسم «التحالف الرباعي».
عملية عزل التيار العوني رغم كونه أكبر مكوّن مسيحي، باعتراف البطريرك الماروني نصرالله صفير، لفتت أنظار «حزب الله»، الذي باشر بعقد لقاءات غير معلنة، مع قياديين في التيار كزياد عبس ورمزي كنج، حتى أسفرت اللقاءات –التي مثل «حزب الله» فيها، عضو المجلس السياسي غالب أبو زينب– عن ورقة تفاهم بينهما وقعها كل من العماد عون والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في كنيسة مارمخايل في 6 شباط 2006، وشكّلت حدثاً سياسياً في لبنان، الذي كان قد انقسم بين قوى «8» و«14 آذار» عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
التفاهم خلط الأوراق على الساحة اللبنانية، فخسرت قوى «14 آذار» مكوناً أساسياً فيها هو «التيار الوطني الحر» الذي ربحته قوى «8 آذار» المؤيدة للمقاومة التي سرعان ما اختبرت هذا التفاهم وصلابته أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006، حيث لم يكن قد مضى على توقيع الاتفاق أكثر من خمسة أشهر، فشكّل العونيون غطاءً مسيحياً حاسماً للمقاومة إبان الحرب، وهو ما أغضب واشنطن التي كانت تريد من العدوان الإسرائيلي عزل «حزب الله» وتدميره تحت غطاء القرار 1559، في إطار مشروع الفوضى الخلاقة لإنشاء «شرق أوسط جديد» والذي أسقطته المقاومة بصمودها 33 يوماً بوجه إسرائيل وخلفها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، عبر وزيرة خارجيته كوندليزا رايس.
سيف العقوبات
بعد فشل العدوان الإسرائيلي وأهدافه المتمثلة بنزع سلاح «حزب الله» وتدمير ترسانته الصاروخية وضربه شعبياً عبر تحميله مسؤولية تدمير لبنان، إلى جانب عجز مجلس الأمن الدولي عن فرض تطبيق القرار 1701 بموجب البند السابع، الذي كان سيتيح استخدام القوات الدولية لتجريد «حزب الله» من سلاحه بالقوة، تحول التوجّه الأميركي لاستخدام العقوبات الاقتصادية والمالية بدلاً من القوة العسكرية في التعامل مع «حزب الله».
فتوالت العقوبات على أفراد في «حزب الله»، وكيانات ومؤسسات تابعة له، فضلاً عن أشخاص اعتبرتهم واشنطن واجهات مالية وتجارية للحزب، لاسيما في دول الاغتراب، فزجّت عدداً منهم في السجون، وأبرزهم قاسم تاج الدين الذي أطلق سراحه مؤخراً.
ولا شك أن العقوبات الأميركية ركّزت في بادئ الأمر على خلق بيئة معادية لـ«حزب الله» ضمن الطائفة الشيعية.
غير أن هذا التوجه فشل بإحداث الضغط المطلوب لإنتاج صراع شيعي–شيعي، وتحديداً بين حركة «أمل» و«حزب الله»، لاسيما بعد تسريب معلومات عبر «ويكيليكس»، بأن الحركة قبلت بتجريد سلاح المقاومة إبان عدوان تموز.
وبناءً عليه، قررت الإدارة الأميركية التحوّل نحو فرض عقوبات على حلفاء «حزب الله»، فأصدرت في 9 أيلول (سبتمبر) الماضي قراراً عن وزارة الخزانة الأميركية، بفرض عقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل (المعاون السياسي للرئيس نبيه برّي)، ويوسف فنيانوس (القيادي في «تيار المردة» الذي يرأسه سليمان فرنجية). واستند هذا القرار إلى أن الوزيرين ومن موقعهما الحكومي سهّلا لـ«حزب الله» التمدّد في مؤسسات الدولة والاستفادة منها، وبسط نفوذه عليها، فكان هذا القرار تمهيداً للوصول إلى باسيل الذي كان اسمه يتردّد بأنه من المشمولين بالعقوبات الأميركية لفك ارتباطه بـ«حزب الله».
العقوبات على باسيل
المعلومات التي تسرّبت منذ أكثر من سنة، بأن باسيل وقياديين آخرين في «التيار الوطني الحر» ورجال أعمال مقربين منه، سيتعرضون لعقوبات أميركية، لم تكن كاذبة. إذ أصدرت الخزانة في واشنطن –بناءً على «قانون ماغنتسكي»– قراراً بمعاقبة رئيس «التيار الوطني الحر»، بتهم الفساد دون ذكر تعاونه مع «حزب الله» كما حصل في قرار خليل وفنيانوس.
من جانبه، دحض باسيل الاتهامات الأميركية خلال مؤتمر صحافي، كاشفاً أن مسؤولين في الإدارة الأميركية طلبوا منه إنهاء التفاهم مع «حزب الله»، مقابل أي ثمن سياسي يريده، لكنّه رفض ذلك، مؤكداً أنه لن يقف ضد أي مكوّن لبناني لصالح طرف خارجي، فتمت معاقبته.
وكان للعقوبات التي فرضت على باسيل صدى سياسي أكثر من العقوبات التي صدرت بحق خليل وفنيانوس، لأن باسيل هو صهر رئيس الجمهورية، ويترأس أكبر تكتّل نيابي مسيحي، كما أن له حضوراً شعبياً واسعاً في المغتربات، فضلاً عن كونه مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية، في وقت تعمل فيه واشنطن على استمالة شخصيات أخرى مرشحة للمنصب، مثل قائد الجيش العماد جوزف عون، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ويمكن في هذا الإطار، قراءة زيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل إلى بنشعي ولقائه فرنجية، وبعده ديفيد شينكر، وكلاهما قاطعاً باسيل في الزيارة الأخيرة لهما إلى لبنان، بالرغم من أن فنيانوس موضوع على لائحة العقوبات وهو مقرب من فرنجية. وقد تمّ تفسير ذلك بأنه رسالة لباسيل بسبب علاقته بـ«حزب الله»، رغم أنه كان قد أرسل إشارات إيجابية، بأنه ضد توسّعه في القتال خارج لبنان، لاسيما في اليمن. كما حاول إظهار تباينه السياسي مع «حزب الله» في السياسة الداخلية عند منعطفات عدة، لكن باسيل –كما العماد عون– حافظا على علاقتهما الوطيدة بالحزب وهما المدينان لـه بإيصال مؤسس «التيار الوطني الحر»، لرئاسة الجمهورية التي ظلّت شاغرة لمدة عامين ونصف العام.
تأثير العقوبات
شكّلت العقوبات الأميركية على «حزب الله» وحلفائه، تأثيراً سلبياً على لبنان الذي يعيش حالياً أزمة اقتصادية خانقة، وهو الأسلوب الذي دأبت الإدارات الأميركية المتعاقبة على استخدامه منذ عقود ضد الدول والأنظمة والأفراد الذين يقفون ضد سياساتها ومصالحها. وقد نفّذت هذه السياسة أولاً ضد كوبا في ستينيات القرن الماضي، كما ضد ليبيا في عهد معمّر القذافي والعراق في زمن صدام حسين، وضد إيران وسوريا، كما روسيا والسودان، الذي رفع عن لائحة الإرهاب مؤخراً مقابل تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي.
في لبنان، فلم تظهر حتى الآن أية مؤشرات على انهيار تحالفات «حزب الله»، لكن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، حاولت إذكاء النيران، عبر الرد على باسيل، بعد يوم واحد من مؤتمره الصحافي، مفنّدة بعض ما ورد فيه، فزعمت أن باسيل هو مَن طلب المساعدة لفك الارتباط بـ«حزب الله» بدعوى أن مستشارين له ضغطوا عليه من أجل ذلك، وأنه اتّهم أحد المسؤولين في تياره بإعطاء معلومات مغلوطة للإدارة الأميركية والتحريض ضده، وهو يقيم حالياً في أميركا وسيطرد من «التيار الوطني الحر».
أما ملفات الفساد التي تحدثت عنها السفيرة شيا فتحدّاها باسيل مطالباً بتقديمها للسلطات اللبنانية، وهو ما طالب به أيضاً الرئيس عون، فور إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب عن العقوبات بحق صهره، وذلك قبل أسابيع معدودة من انتهاء ولاية الرئيس الجمهوري، وعلى الأرجح لن تتغيّر هذه السياسة في حال وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض…
Leave a Reply