الحرب الباردة بين واشنطن وطهران على نار حامية
عواصم – هي حرب باردة، مستمرة بين طهران وواشنطن وتل أبيب، لكن الأسابيع الأخيرة شهدت تزايداً ملحوظاً لوتيرة المناوشات.. وصولاً الى الأسبوع الماضي الذي دفعت تطوراته العلاقة بين الأطراف الى درجة الغليان. ففي الوقت الذي تناقش فيه إسرائيل والولايات المتحدة ضربة عسكرية محتملة لوقف برنامج ايران النووي، يبدو ان الخطوات السرية في هذا الإطار تتسارع في شكل اغتيالات وهجمات الكترونية وتفجيرات وانشقاقات، تهدف إلى جعل هذا النقاش بعيداً عن الموضوع، وفقاً لمسؤولين أميركيين حاليين وسابقين ومتخصصين في الشؤون الايرانية، أعلنت طهران الاثنين الماضي البدء بتخصيب اليورانيوم في مصنع فوردو بجنوب غرب طهران، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تصعيدا جديدا في مسار الأزمة النووية القائمة بين الغرب والجمهورية الإسلامية.
كما أصدرت طهران حكماً بإعدام جاسوس أميركي وأعلنت تفكيك شبكة للـ”سي آي أي” تسعى لاستغلال الانتخابات التشريعية في إيران لبث الفوضى، ولكن سرعان ما تلقت ضربت أمنية موجعة بمقتل أحد علمائها النووين، مصطفى أحمدي روشن، جرّاء إنفجار قنبلة لاصقة على السيارة التي كان بداخلها شمال البلاد.
وفي حين ينفي المسؤولون الأميركيون اي دور للولايات المتحدة في أنشطة من هذا النوع، يعتقد أن الولايات المتحدة تنخرط في جهود سرية أخرى ضد البرنامج النووي الإيراني.
وكانت العلاقات بين طهران وواشنطن قد شهدت توترا في الأسابيع الأخيرة خصوصا بعدما توعدت إيران بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي ردا على توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي قانونا يشدد العقوبات على القطاع المالي في إيران، كما ينوي الاتحاد الأوروبي فرض حظر على شراء النفط الإيراني في نهاية الشهر الجاري.
وفي دليل آخر على تزايد التوتر، تمركزت حاملة طائرات اميركية ثانية قرب الخليج في منطقة عمل الاسطول الاميركي الخامس التي تشمل اضافة الى الخليج مياه البحر الاحمر وبحر عمان، كما اعلن البنتاغون الاربعاء الماضي، مؤكدا ان تحركها “روتيني”. ومنذ اسبوع ارتفع منسوب التوتر بعد التهديدات الايرانية باستخدام”كل قوة البحرية” الايرانية لمنع الحاملة الاميركية “يو أس أس جون ستينيس” من العودة الى مياه الخليج الذي غادرته الى البحر الاحمر.
خامنئي يتوعد
واتهم المرشد الاعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي أجهزة الاستخبارات الأميركية والاسرائيلية، بالوقوف وراء اغتيال العالم مصطفى احمدي روشن، وتعهد بمعاقبتهم، فيما بدت الحملة الاوروبية الأميركية لتشديد العقوبات على ايران وحظر صادراتها النفطية، متعثرة مع حديث الاتحاد الأوروبي عن فترة انتقالية لستة أشهر لإفساح المجال أمام الدول المعنية أكثر من سواها للاستعداد للحظر في ظل توجه شركات أوروبية إلى ابرام صفقات نفطية مع ايران بغية الاستفادة من إعفاء مؤقت من الحظر.
وقال خامنئي “سنواصل دربنا بإرادة قوية، وبالتأكيد لا نهمل معاقبة المسؤولين” عن اغتيال روشن، وأضاف “هذا الإرهاب الجبان، قد صمّمه أو شارك فيه جهاز الـ”سي آي أي” الأميركية وجهاز الموساد الاسرائيلي، ويثبت أن القوى المتغطرسة قد وصلت إلى حائط مسدود في مواجهة الأمة الايرانية القوية”.
وأثار اغتيال أحمدي روشن غضباً شديداً في طهران ضد اسرائيل، المشتبه الرئيسي في العملية، وضد الولايات المتحدة التي نفت اية علاقة لها باغتياله. وبلغ الغضب بعدد من الصحف المتشددة الى درجة الدعوة الى القيام بعمل انتقامي، حيث قالت صحيفة “كيهان” المقربة من خامنئي في مقالها الافتتاحي إنه “يمكن تنفيذ اغتيالات لمسؤولين وعسكريين اسرائيليين”. وأعربت الحكومة الايرانية عن غضب مماثل. وبعثت ايران برسالة الى مجلس الامن الدولي تطالبه فيها بإدانة الاغتيال بقوة، وقالت إن لديها ادلة على ان “جهات اجنبية” لم تكشف عنها كانت وراء عملية الاغتيال.
روسيا تحذر
وحذر الامين العام لمجلس الامن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف في مقابلة من خطر حصول “تصعيد عسكري” في ايران بسبب سعي الولايات المتحدة، بدفع من اسرائيل، الى تغيير النظام في هذا البلد. وقال باتروشيف لصحيفة “كومرسانت”: “هناك خطر تصعيد عسكري في النزاع، واسرائيل تدفع الأميركيين باتجاهه”. واضاف ان “الولايات المتحدة تعتبر ايران المشكلة الاولى. وهي تريد نقل ايران من وضعية العدو الى وضعية الشريك الموالي، ولهذا تسعى بكل السبل الى تغيير النظام القائم”.
وأوضح المسؤول الروسي ان الولايات المتحدة “تلجأ الى الحصار الاقتصادي وتقدم مساعدة ضخمة للقوى المعارضة”. وأضاف “مند سنوات ونحن نسمع تأكيدات بأن الإيرانيين سيصنعون قنبلة ذرية في الاسبوع المقبل، ولكن لا أحد استطاع حتى اليوم ان يثبت وجود شق عسكري في البرنامج النووي الإيراني”.
تعثر العقوبات الأوروبية
في المقابل، افاد دبلوماسيون اوروبيون بان الاتحاد الاوروبي يتجه الى تطبيق حظر نفطي على ايران مع فترة انتقالية تمتد ستة اشهر لإفساح المجال امام الدول المعنية اكثر من سواها للاستعداد لهذه الخطوة. وقال احد الدبلوماسيين “يبدو أننا نتجه الى فترة انتقالية لستة اشهر” لتبديد المخاوف التي اعربت عنها دول يجمعها تبادل تجاري قوي مع ايران مثل اليونان. لكن دبلوماسياً آخر تدارك “ليس هناك حتى الآن توافق على سلسلة التدابير الجديدة” التي سيبحثها الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية الاوروبيين في 23 كانون الثاني (يناير) الحالي.
ومددت شركات إيطالية واسبانية ويونانية أغلب صفقاتها لإمدادات النفط مع إيران في العام 2012 ما يعني أن الحصة الأكبر من امدادات إيران لأوروبا ستكون على الأرجح معفاة من العقوبات على الأقل في النصف الأول من العام. وقالت مصادر تجارية إن شركتي “ساراس” و”إيبلوم” الإيطاليتين وشركة “هيلينيك” اليونانية و”ريبسول” الاسبانية إما مددت أو لم تلغ عقودها القائمة مع إيران لتوريد النفط في العام 2012.
ونقلت وكالة “الأناضول” التركية للأنباء عن وزير الطاقة التركي تانر يلديز قوله “توجد أخبار أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخذا قرارات معينة ضد إيران وسيطبقان عقوبات على النفط الإيراني”، وأضاف “قرارات الأمم المتحدة فقط حول إيران ملزمة لتركيا، وأي قرار يؤخذ خارج الأمم المتحدة غير ملزم لها”. وقال إن شركة تكرير النفط التركية مستمرة في استيراد النفط من إيران من دون أي تغيير.
وفي تصريحات صحافية وصف مساعد وزير الخارجية الصيني جاي جون الطلب الأميركي من الصين لدعم فرض عقوبات أحادية على ايران بأنه “غير عقلاني”، وأكد رفض الصين لأية تأثيرات للعقوبات الأميركية على استيراد النفط الإيراني، فيما قال وزير هندي “مارسنا نشاطاً تجارياً مع ايران في وقت سابق وسنستمر في هذا النشاط”.
كما فرضت أميركا عقوبات على شركات أجنبية لتعاملها مع ايران.
من جهته، أعلن رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني الذي زار تركيا، الأسبوع الماضي، استعداد بلاده للدخول في محادثات مع مجموعة “5 زائد 1” شريطة أن تكون المحادثات “جدية”. وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في انقرة، إن “أصدقاءنا الأتراك رأوا بأن تعقد المحادثات في تركيا، ونحن موافقون على ذلك أيضاً”. والتقى لاريجاني خلال زيارته وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو ونظيره التركي جميل تشيشك ورئيس الجمهورية عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، وبحث معهم بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية وسبل تعزيز وتطوير علاقات التعاون بين البلدين.
التخصيب في فوردو
وكان خامنئي قد أكد أن ايران لن تتراجع امام العقوبات الغربية الهادفة “للنيل من إرادة المسؤولين وتثبيط عزيمة الشعب”، داعيا إلى مشاركة كثيفة في الانتخابات التشريعية في آذار (مارس) المقبل، فيما أكدت مصادر ايرانية رسمية ودولية بدء أعمال تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو المحصنة تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن ذلك لم يمنع واشنطن من اعتبار ذلك “تصعيدا جديدا”.
ومن جهتها، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان ايران بدأت تخصيب اليورانيوم في موقع تحت الارض وقالت ان كل المواد الذرية هناك تحت رقابتها. وقال دبلوماسيون في فيينا مقر الوكالة في وقت سابق ان ايران بدأت تنقية اليورانيوم الى درجة نقاء 20 بالمئة في فوردو قرب مدينة قم.
وفي الأثناء، أجرى وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو مباحثات في انقرة مع مساعد وزيرة الخارجية الاميركية وليام بيرنز حول البرنامج النووي الايراني كما أفادت مصادر دبلوماسية تركية. وتناولت المباحثات ايضا الثورات العربية والوضع في العراق وسوريا وفق المصادر نفسها التي اوضحت ان هذه الزيارة تندرج في اطار المشاورات المنتظمة بين البلدين. وتنوي الولايات المتحدة تعزيز عقوباتها على القطاع المالي الايراني، في ظل مطالبة تركيا باستثنائها من العقوبات على ايران.
وقال خامنئي خلال استقباله الآلاف من علماء الدين وطلبة العلوم الدينية في مدينة قم، ان “المسؤولين الغربيين ادعوا مرارا ان الهدف من العقوبات والضغوط ضد ايران هو جعل الشعب يسأم وإرغام المسؤولين على اعادة النظر في قراراتهم، ولكنهم يخطئون ولن يحققوا غايتهم لأن هؤلاء الأشرار يتصورون ان النظام الاسلامي يعيش في ظروف مثل ظروف شعب ابي طالب في حين ان الشعب الايراني في الوقت الحاضر يواجه ظروف بدر وخيبر”.
نجاد في أميركا اللاتينية
إلى ذلك، قام الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، بجولة في أميركا اللاتينية، سعى فيها الى توطيد العلاقات المتنية مع دول القارة الجنوبية.
وتبادل الرئيسان الإيراني محمود أحمدي نجاد والفنزويلي هوغو شافيز الثناء والمديح يوم الاثنين وتهكما على استياء الولايات المتحدة، وتندرا بدعابات بشأن وجود قنبلة نووية تحت إمرتهما.
جاء ذلك في حفل للترحيب بالرئيس الإيراني الاثنين في قصر ميلافلورز بالعاصمة كراكاس التي وصلها في مستهل جولة لاتينية تشمل أربع دول.
وقال شافيز “انطلق الجنون الإمبريالي بشكل لم يشاهد منذ فترة طويلة”، قبل أن يتابع متهكما بأن قنبلة ذرية جاهزة تحت ربوة يكسوها العشب أمام سلالم قصره، مشيرا إلى أن “هذا التل سينشق وستخرج منه قنبلة ذرية كبيرة”.
وأضاف “يقول المتحدثون باسم الإمبرياليين إن أحمدي نجاد وأنا ذاهبان إلى الطابق الأرضي من ميلافلورز الآن لنصوب باتجاه واشنطن ونطلق المدافع والصواريخ.. هذا مضحك”.
أما الرئيس الإيراني فقد رد على مضيفه بعبارة مقتضبة قال فيها “مع أن أولئك المتغطرسين لا يريدوننا أن نكون معا فسنتحد إلى الأبد”، مثنيا على الرئيس الفنزويلي الذي وصفه بأنه “البطل في الحرب على الإمبريالية”، قبل أن يتابع قائلا إن “القنابل الوحيدة التي نعدها هي قنابل لمكافحة الفقر والجوع والبؤس”.
ويزور أحمدي نجاد فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا والإكوادور، وتهدف إلى تعزيز الدعم لطهران بعد توسيع العقوبات الاقتصادية الغربية على الجمهورية الإسلامية بسبب برنامجها النووي.
اغتيال اربعة علماء ايرانيين خلال سنتين
اغتيال عالم مسؤول في موقع نطنز النووي في وسط ايران، الاربعاء الماضي، جاء بعد ثلاثة اعتداءات اخرى سابقة استهدفت علماء ايرانيين منذ كانون الثاني 2010. وقد تعرض علماء ايرانيون عدة في السنوات الاخيرة لاعتداءات او عمليات اختفاء غامضة نسبتها طهران الى اسرائيل والدول الغربية المتهمة بالسعي لوقف تقدم البرنامج النووي.
– 12 كانون الثاني 2010: عالم الفيزياء النووية المعروف عالميا مسعود علي محمدي الذي كان يقوم بالتدريس في جامعة طهران ويعمل لحراس الثورة، قتل في تفجير دراجة نارية مفخخة امام منزله في طهران. وفي آب (أغسطس) 2011 حكم القضاء الايراني على رجل متهم بقتله لحساب اسرائيل بالاعدام.
– 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010: ماجد شهرياري مؤسس الجمعية النووية الايرانية والذي كان “مكلفا احد المشاريع الكبرى للمنظمة الايرانية للطاقة الذرية” بحسب مسؤول ايراني، قتل في طهران في تفجير قنبلة ملصقة على سيارته بواسطة مغنطيس. وفي اليوم نفسه استهدف اعتداء عالم فيزياء نووية اخر هو فريدون عباسي دواني في ظروف مشابهة فيما كان متوقفا امام جامعة شهيد بهشتي في طهران حيث كان العالمان يحاضران. واصيب عباسي دواني بجروح وعين في تشرين الثانير 2010 نائبا للرئيس مكلفا المنظمة الايرانية للطاقة الذرية.
وحملت ايران اسرائيل والولايات المتحدة مسؤولية هذين الاعتداءين.
– 23 تموز (يوليو) 2011: العالم داريوش رضائي نجاد الذي كان يعمل على مشاريع وزارة الدفاع، قتل بالرصاص من قبل مجهولين على دراجة نارية في طهران. وكانت وسائل الاعلام الايرانية عرفت عنه في البداية على انه متخصص في الفيزياء النووية ثم وصفته فيما بعد بانه مجرد “طالب كهرباء”. واتهمت ايران اسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف وراء اغتياله.
وفي الأول من آب 2011 نقلت النشرة الالكترونية لمجلة “شبيغل” الالمانية عن مصدر في أجهزة التجسس الاسرائيلية قوله ان اسرائيل قادت عملية الاغتيال.
Leave a Reply