اعتداءات جسدية وجنسية: علاجات الجن و”الكتيبة” والسحر.. “ظاهرة” اجتماعية في الغرف المغلقة
“عندما يحين الليل، تنسدل العتمة على بيتي فلا أرى أبواباً أو شبابيك، ويتحول البيت الى غرفة مستطيلة بلا منافذ وتنعدم الحركة. الصمت يصبح مخيفاً، أسمع اصواتاً خفية وارى الاشياء تتحرك. اشعر بهم يلامسونني، أشعر كأنهم يخترقون جسدي فيدب فيّ الهلع والخوف”. منذ وفاة أمها، تعيش مريم هذه الحالة كل ليلة. تقول مريم، 21 عاماً من ديربورن هايتس، “لا أعرف ان كان هو الجن أم ان وفاة أمي اتلفت أعصابي وحرقت قلبي فبدأت أرى اشياء واسمع اصواتاً…”.
هنالك أناس كثيرون “معلقون بحبال الهواء”، كما يقول المثل، تقودهم معاناتهم الحياتية والنفسية الى الاعتقاد بتلبس الجن او انهم رهن “الكتيبة”. وبالرغم من تناول الطب النفسي لكافة جوانب هذه الاعراض الا ان الخوف من وهم المرض النفسي وعلاجه يجعل المريض يلجأ الى الشعوذة كي لا يُتهم بالجنون.
على مر السنين، احتل المشعوذون مكانة مرموقة في بعض المجتمعات، كذلك الامر في أوساط الجاليات العربية. فيقصد الناس المطلّعين والبصّارين “كونهم مصدر امل واستمرارية” حسب قولهم. وانشأ “المطلّعون” “عياداتهم” الخاصة وصالات الانتظار التي لا تختلف عن عيادات الأطباء اطلاقاً. ونشروا اعلاناتهم في الجرائد وعلى شاشات التلفزة والانترنت، مقدمين خدمات شتى كضرب الرمل والمندل وتوقعات الحظ السنوية وعلاج فك السحر والمربوط وعلاجات الجن وغيرها…
وكان الحصول على مقابلة خاصة من بعض المطلعين مستحيلاً، “بحجة ان الوقت الذي سيضيعونه في ابداء رأي هو وقت من الاجدر بهم انقاذ روح بحاجة ماسة الى عمل الخير” حسب قول مديرة “عيادة” أحدهم. هذا الخير الذي يتقاضون عليه اموالاً طائلة في المقابل!
كنت أعاني الاحباط ولم أكن متلبسة بالجن
اسمها هالة، 25 عاما، تعيش في ديربورن وتروي قصتها مع عالم الجن: “عانيت كثيراً من انفصال أمي وأبي الذي تزامن مع انفصالي عن خطيبي منذ سنتين. وبدأت تراودني فكرة الانتحار بشكل مستمر وشعرت كأن لا سلطة لي على نفسي. وبعد فترة بدأت النوبات العصبية تجتاحني. فأي زعل كان يسبب لي نوبة عصبية، حيث يتصبر جسدي وابدأ بالرجف وثم الصراخ بأعلى صوتي وبعدها أشهق بالبكاء. هذه الحالة أقلقت أمي التي أخبرها الجيران والعائلة بضرورة اصطحابي الى مطلع لأن الامر يبدو على ان الجن يتلبسني”.
لا تحب هالة استذكار هذه الحادثة، فتشعر انها وقعت ضحية الخرافات والدجل وتضيف “اصطحبني خالي وأمي الى أحد المطلّعين وأثناء تواجدي في عيادته أصابتني نوبة عصبية، فما كان منه أن تناول عصا وراح يضربني بكل قوته ويتلو آيات قرآنية وكلمات غير مفهومة لكي يطرد الجن مني، حسب زعمه. بدأت بالصراخ لشدة الألم وأمي وخالي وقفا يتفرجان مكتوفي الأيدي”.
بعد هذه الحادثة ازداد حال هالة سوءاً، وتقول “أخبرت صديقتي بما حدث وهي بدورها أخبرت والدها الذي يمارس مهنة الطب و”جن جنونه”. فاجتمع بأمي وأخبرها بضرورة اصطحابي الى طبيب نفسي. قصدت الطبيب النفسي الذي عاينني وأخبرني أني أعاني من الاحباط. فأعطاني أدوية وحدد لي موعدين في كل أسبوع. وقصدته على مدار سنة وتلمست التحسن بعد شهرين من العلاج”.
يدق بابي كل ملهوف وموجوع
جاءت خبرة المطلعة “أم يوسف”، في ديربورن، والتي تعمل في مجال التطليع و”الكتيبة” منذ 30 سنة، من مطالعتها للكتب الروحانية وحدسها الذي خلق معها ما يساعدها على كشف الكتيبة وطرد الجن بالآيات القرآنية.
تعتبر “أم يوسف” ان عالم الجن موجود منذ ايام فرعون والنبي موسى الذي قال في احدى الاحاديث “ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ان الله لا يصلح عمل المفسدين”. والسحر وجد مع ظهور الانسان على الارض أي مع ظهور آدم وإبليس. وفي ذلك الزمان وجد العلم الروحاني كونه علم مضاد للسحر.
تقول “أم يوسف” “عندما يتدخل الجن بالانسان لا يمكن للعلاج النفسي ان يحل المشكلة. والجن لا يتلبس الانسان بل يمسسه. كما أن “الكتيبة” تدخل بين المرء وزوجه وتخلق الشر”.
أما عن كتابة الحجاب، فتقول “أم يوسف” أنه “يجب ان يكون الحجاب مناسباً لصاحب العلاقة ويعتمد على الآيات القرآنية. كما ان للحجاب قواعد وأسسا يبدأ بالفاتحة والاخلاص والمعوذات وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة النور للنساء”، هذه السور “قاعدة في كل حجاب” حسب “أم يوسف” و”ما يتلو ذلك يختلف من شخص لآخر حسب الحالة التي يعاني منها”. كما ان الحجاب، حسب “أم يوسف”، “يتضمن بعض الرموز كالنجمة الخماسية التي معناها “الله خير” وهذه الرموز يعود تاريخها الى عهد الانبياء الاثنى عشر”. لكن هناك من يعتبر هذه الشعارات، ولاسيما النجمة الخماسية، أنها ترمز للشيطان. وتضيف “يزورني كل ملهوف وموجوع وواقع في مأزق. وأعتمد في علاجي على القرآن الكريم “الا بذكر الله تطمئن القلوب”. وعندما يكون الانسان مهموما ومغموما يصبح من الصعب عليه ذكر الله فيحتاج الى طرف آخر ليذكره بالله. ومس الجن للانسان لا يستطيع اي طبيب علاجه”. وتؤكد “أم يوسف” على استحالة علاج الطبيب لمن يمسهم الجن. “فالجن يجعل الانسان في حالة غير طبيعية”.
يقصد “أم يوسف” للعلاج الروحاني نساء ورجال، ولا تطلب مبلغاً محدداً مقابل خدماتها. وتقول “ليست غايتي من فعل الخير الوصول الى الغنى والثراء رغم ان كثيرين يستغلون هذا العمل لغايات مادية. الا انني أتقاضى على عملي ما تتحمله أعباء الناس”. وتضيف “الحالات التي يأتي فيها الناس طلباً للعلاج تتضمن الكوابيس ومس الجن والقرين الطالح وفك “الكتيبة”، وكل الحجابات تعتمد على القرآن الكريم والطلاسم ذات الدلالات والرموز وهي ليست سحر كما يظن البعض”.
لا تداخل بين عالم الجن وعالم الانس
في مقابلة خاصة مع امام المركز الاسلامي في ديربورن السيد حسن القزويني، تناول موضوع المطلّعين والمنجّمين من الناحية الفقهية والشرعية. يقول السيد القزويني “نحن في الاسلام نؤمن بوجود الجن وهنالك آيات في القرآن تتحدث عن الجن، لكن هذا لا يعني ان الجن يعيشون معنا حياة عادية كما نعيش نحن، او أن هنالك تبادلاً أو تعاطياً بين الانس والجن”. ويُرجع السيد القزويني كلمة الجن الى أصولها في اللغة العربية من مادة جنن ومنها المجنون ومنها الجنين ومنها الجن وقاسمهم المشترك الاستتار. “فاذا كان الجن مستتراً عن العيون والابصار فهذا معناه انه يعيش في عالمه ونحن نعيش في عالمنا”.
أما عن المطلّعين الذين يتعاملون مع الجن فيقول السيد القزويني “يُحكى ان فلاناً يتعاطى مع الجن ويحضّر الجن أو يستطيع ان يخرج الجن من الانسان، وهذا في رأيي هراء ودافعه الرئيسي الحصول على المال”. ويضيف “هنالك عبارة مشهورة، “الغريق يتشبث بكل حشيش”، والذين يعانون من مشاكل عصبية ونفسية يأخذهم أهاليهم الى بعض هؤلاء المطلعين أملاً في تخليصهم من معاناتهم. في حين انه كان الأجدر بهم اصطحابهم الى الاختصاصين في علم النفس والاطباء النفسيين. أما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم روحانيين أو أنهم يخرجون الجن فهؤلاء يبحثون عن المال وانعتهم بالدجالين”. ويقول السيد القزويني “المطلّعون يعرفون انهم دجالون ولكنهم يتعاملون من باب اكذب ثم اكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس. ويستعملون وسيلة الدجل لاستنزاف أموال الناس المساكين. وانا عندي احصائية أن أكثر الذين يذهبون الى هؤلاء هم الناس الفقراء الذين لا مال لهم، يذهبون اليهم بعد ان تغلق في وجوههم كل الطرق”.
روايات عن السيد القزويني
يشير السيد القزويني الى أنواع “الكتيبة”: “فهنالك نوع من الكتيبة المشروعة التي وردت عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام. وهنالك حرز الامام زين العابدين وحرز الامام الرضا، وهذه الاحراز لا تنطوي على كلمات ببغاوية وكلمات لا معنى لها. بل هي مجموعة من الأدعية ومن الآيات القرآنية، يقرأها او يكتبها صاحب “الكتيبة” ولها أثر”. ويضيف “نحن لا ننفي الأثر الروحاني لهذا الدعاء وللقرآن الكريم. ولكن ما يمارسه المطلعون ليس أحراز مأسورة عن النبي والأئمة وانما مجموعة من الكلمات العجماء التي لا معنى لها”.
لق لق لق بق بق بق..
يروي السيد القزويني حادثة صادفته ويقول: “جاء شخص الي من فترة وقال أن أحد المطلعين كتب له “كتيبة” ليفك عنه “كتيبة” سحرية. فقلت له ان يعطيني الحرز، فقال وما تصنع به؟ قلت افتحه، قال لا، أوصاني صاحبه الذي كتبه لي أن لا أفتحه. فقلت له ان يثق فيّ، فتحته فإذا بي أرى كلمات “لق لق لق بق بق بق سق سق سق” كلمات مضحكة وسخيفة ولا معنى لها اطلاقاً. سطرها هذا الرجل في حالة من حالات الغشاوة العقلية وربما وهو يكتبها كان غارق في الضحك على هؤلاء الزبائن السذج الذين يأتون اليه”.
ويضيف “هؤلاء يستغلون معاناة الناس لجني أرباح هائلة وطائلة لهم ولأسرهم. فعلينا أن نفصل بين ما هو دين شرعي ثبت بالدليل والنص من خلال القرآن الكريم والروايات الصحيحة الواردة عن النبي واهل البيت، وما يقوم به بعض هؤلاء الدجالين”.
تحرشات جنسية
تقول “أم يوسف”: “أنا أعمل بضمير وللأسف تحول المطلّعون الى مشعوذين بحيث يستغلون معاناة الناس ليسلبوهم اموالهم. وهذا يجعلني أقف على الحياد، فالطالح يأخذ معه الصالح بسمعته السيئة”. وتضيف “هنالك الكثير من النساء التي تتعرض للتحرش الجنسي من قبل المطلعين. فكم من مطلع قال لامرأة جميلة قصدته من أجل المساعدة أنه يجب ان ينام معها أو يطلب امور اخرى شاذة كي يخرج الجن منها”.
يروي السيد القزويني عن حادثة أخرى صادفته وأثارت حفيظته “في احدى المرات اتصلت بي امرأة من رقم غير مكشوف وكانت تشكي حالها انها واقعة في مشكلة كبيرة”. وقالت “ذهبت الى احد المطلّعين، الذي رفضت ذكر اسمه، بغاية حل المشاكل الواقعة مع زوجها. وقال لها المطلع ان الجن يتدخل ليفرق بينها وزوجها ومن اجل أن يخلصها يجب أن يكتب على صدرها دعاء”.
ويبدأ المطلع بكتابة دعاء على صدرها الى أن يصل الى نهديها، فتقول له: “كيف ذلك”؟ فيقول “اخلعي كي أكتب الدعاء على صدرك”. فأجابته “لكنه لا يجوز شرعاً”، قال “لها لا تخافي انا حج وذهبت الى الحج 7 مرات والنبي يقول “دواؤكم شفاؤكم” وهذا دواء يجب ان أقوم به”. ويبدأ بكتابة أشياء على صدرها ومداعبة صدرها من تقبيل ولمس، فتقول له “ما الذي تفعله”؟ فأجابها “هذا كي يثبت الدعاء”.
يقول السيد القزويني “أنا صدمت صدمة هائلة عندما اخبرتني تفاصيل قصتها. وطلبت منها اسم الدجال لكنها رفضت، خوفاً من ان يتسبب ذلك بمشكلة مع زوجها خصوصاً ان المطلع قد أخذ صورتها”. ويضيف “هؤلاء الدجالون ليس فقط يستغلون اموال الناس وانما يستغلون اعراض الناس وشرف الناس. وكتابة الادعية على الجسد في الاسلام غير موجودة. الدعاء يتلى ويسمع ويكتب وبينما ان تصل الى كتابته على الجسد بحجة تلبس الجن فهذا اسمه عهر مبطن، وممارسة الفسق والفجور باسم الدعاء وباسم “الكتيبة” ويجب ان يحذر أبناء الجالية من هؤلاء وخصوصاً النساء”.
يؤكد السيد القزويني أن لا تداخل بين عالم الجن وعالم الانس.
ويقول “ما يشاع أن فلاناً رأى الجن في بيته وأنهم يقسمون الجن الى صالحة وطالحة هو خرافات وحديث سمر كانت الجدات في الماضي يحكينها للأطفال. أما اليوم، فنحن أكبر من ان نؤمن بمثل هذه الخرافات. والمشكلة أن البعض يلصق ما يمارس من اعمال دجل وشعوذة بالدين. وهذا الكلام باطل وغير صحيح. وأشجع الجالية على عدم اتلاف أموالهم على هؤلاء المشعوذين الدجالين الذين يبتذونهم ويسرقون أموالهم ولا يقدمون لهم خيراً”.
علماء الدين هم الدجالون
رداً على السيد القزويني تقول “أم يوسف”: “أتمنى أن يواجهوني لانهم لا يعرفون. وينفي تدخل الجن بحياة الانسان وينسب الامر الى امراض نفسية. وهذا ليس صحيحاً، فالجن يمس بالانسان ويفرق بين المرء وزوجه وينغص حياة البشر. انا استطيع ان اواجه علماء الدين بالقرآن الكريم وبآيات قرآنية تثبت صحة وجود الجن ومسه للانسان…وأكبر الدجالين هم علماء الدين”.
يشير السيد القزويني الى ان شبكات الدجل والشعوذة موجودة بين أبناء الجالية وتتاجر بالناس وبأعراض الناس وبأموال الجالية ويجب ان نوعي ونرفع من ثقافة الجالية حتى لا تقع في مثل هذه المطبات. ويضيف “مادام هنالك سذج بين الناس فسيكون هنالك دجالون يستغلون السذج. وما لم يرتفع مستوى وعي الناس وثقافتهم سيبقى لهؤلاء الدجالين سبلاً لاستخدام طرق ملتوية ومضحكة للايقاع بالمساكين. على الناس ان تبتعد عن ارتياد دكاكين الدجالين والمشعوذين”.
كذب المنجمون وإن صدقوا أو “صدفوا”
يقول السيد القزويني “التنجيم الذي يتحدث عنه البعض هو خرافة تماماً كالشعوذة. وهنالك حديث مشهور عن النبي (ص) يقول “كذب المنجمون وان صدقوا”. وهنالك رواية أخرى تقول “كذب المنجمون وإن صدفوا” والمقصود بذلك انه حتى لو تبينت حساباتهم صحيحة فهي من باب الصدفة”. ويضيف “نحن في الاسلام نعتقد انه لا يعلم الغيب الا الله عز وجل، ولم يطلع الغيب على احد من عباده الا بعض الانبياء والائمة، أما سائر الناس فلا علم لهم بعلم الغيب ولا يمكنهم الاطلاع على الغيب. اما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مطلعين او منجمين هم برأيي متخرّصون، لا دليل لهم على ما يقولون وانما يلقون القول عواناً دون أية أدلة. وهنالك من الناس السذج الذين يصدقونهم”.
يقول السيد القزويني “لو كان المنجم أو المطلع صادقاً ويعلم بالغيب فلماذا لا يطلع لنفسه ليخبرنا متى سيموت أو ليخبرنا ما هي البطاقة الرابحة في اليانصيب”، ويضيف “فليذهب هؤلاء ويفوزوا بورقة اليانصيب حتى يستغنوا عن 50 و100 دولار التي يشحدوها من الناس وليتركوا اموال الفقراء في الجالية”.
يبقى على الناس ان تحكم بين ما تريد تصديقه والعمل به وبين ما تريد انساب الدجل والنفاق اليه. ولا ننسى ان لعلم النفس والطب النفسي مخارج تثبت حالات الهوس التي تتلبس الانسان احياناً. والعقل البشري قادر على خلق شتى انواع الاوهام ورؤية أشياء لا يستوعبها العقل السوي.
اللافت أن الشعوذة أصبحت مهنة تجارية يثرى منها المطلع. وهم يشوهون القيم ويسرقون اموال الناس ويتسببون بايذائهم تحت ستار أنهم “المنقذون”.
Leave a Reply