كمال ذبيان – «صدى الوطن»
في الوقت الذي كانت الحكومة اللبنانية، تعالج ذيول الحادثة التي وقعت في بلدة قبرشمون في قضاء عاليه في جبل لبنان، بين عناصر من «الحزب التقدمي الاشتراكي» برئاسة وليد جنبلاط، وآخرين من «الحزب الديمقراطي اللبناني» برئاسة النائب طلال إرسلان، والتي أدت إلى سقوط قتيلين من «الديمقراطي» وأربعة جرحى.. وفيما انشغل الوسط السياسي بشأن الجهة القضائية التي سيحال إليها الملف، انفجر في وجه الحكومة ملف آخر وهو تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان، لاسيما في شقّه الفلسطيني، بعدما ساوى قرار وزير العمل كميل أبو سليمان المنتمي إلى «القوات اللبنانية» بين العامل الأجنبي واللاجئ الفلسطيني المقيم في لبنان منذ أكثر من سبعة عقود، مثيراً احتجاجات عنيفة داخل المخيمات تم تطويقها سياسياً بسرعة منعاً لانفلات الأمن داخل المخيمات وخارجها.
العمالة الأجنبية
ما كاد مجلس النواب يقرّ الموازنة للعام 2019، متأخرة نحو سبعة أشهر، حتى أعيد إلى الواجهة موضوع العمالة الأجنبية، مع الشكوى المرتفعة من مزاحمة اليد العاملة السورية خصوصاً، والأجنبية عموماً، للعمالة اللبنانية، لاسيما بعد موجة النزوح السوري إلى لبنان منذ العام 2011، حيث يقدر عددهم اليوم أكثر من مليون ونصف مليون سوري، أي ما يعادل ثلث الشعب اللبناني. وينعكس التأثير السلبي لهؤلاء بشكل خاص على العمال اللبنانيين في مختلف المهن، عدا عن الأعباء الاقتصادية والمالية واستهلاك البنى التحتية والكهرباء وغيرها من الخدمات.
وفيما يعول اللبنانيون على عودة السوريين إلى بلدهم تدريجياً مع تحسن الوضع الأمني في عدد من المحافظات، يرى البعض أن قوننة العمالة الأجنبية، ومنها السورية الأكثر عدداً، قد يساهم في التعجيل بعودة مئات الآلاف منهم إلى ديارهم، علماً بأن الحاجة للعمالة السورية يعود إلى عقود بعيدة، لاسيما في قطاعي الزراعة والبناء.
ومن باب تنظيم العمالة الأجنبية، الذي لجأ إليه وزير العمل في قراره، طُرق باب العمالة الفلسطينية، والتي بوشر النقاش حولها على طاولة لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني التي أنشئت بقرار صادر عن مجلس الوزراء في آب 2005، وتتبع لرئاسة مجلس الوزراء. وقد ناقشت اللجنة مراراً سبل تحسين ظروف حياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات التي اكتظت بهم، لاسيما وأن القوانين اللبنانية تحرمهم من البناء أو ممارسة معظم المهن، إضافة إلى حقوق أخرى يطالب بها الفلسطينيون لتحسين أوضاعهم في لبنان.
تقدم في الحوار
حصل تقدم في الحوار اللبناني–الفلسطيني مع ترؤس الوزير السابق حسن منيمنة للجنة، التي توصلت إلى ورقة عمل مشتركة من الجانبين حظيت بموافقة غالبية الأحزاب اللبنانية، لاسيما الممثلة في مجلس النواب، والفصائل الفلسطينية من جميع الاتجاهات، حيث تمكّنت اللجنة من وضع جدول لأولويات حقوق الفلسطينيين، ليعيشوا في لجوئهم حياة كريمة، في تأمين المسكن اللائق، والأخذ في الاعتبار، تكاثر العائلات وانتقالها من جيل إلى آخر، وحاجتهم إلى مساكن جديدة في الوقت الذي تمنعهم فيه القوانين اللبنانية من حق التملك العقاري أو توسيع مباني المخيمات، إلا أن الكثافة السكانية، أجبرت أهالي المخيمات على مخالفة القوانين، لاسيما في أثناء الحرب الأهلية، وهذه الأزمة مازالت قائمة، ويجري البحث عن إيجاد الحلول لها، إذ تنكب لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني على وضع الآلية القانونية، بما لا يكرّس الفلسطيني كمقيم دائم أو لاجئ، وهو ما يلزم «وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين اللاجئين» (الأونروا) أن تقوم بواجباتها تجاههم، عبر تأهيل المخيمات ورعاية التعليم والصحة والغذاء، لكن المنظمة الدولية بدأت تفقد دورها مع حجب التمويل الأميركي عنها، في إطار مساعي واشنطن لفرض توطين الفلسطينيين في الشتات وإسقاط حق العودة.
العامل الفلسطيني
وبحسب القرار الجديد لوزارة العمل يمنع على أرباب العمل من تشغيل غير اللبنانيين بدون حصولهم على تصريح عمل مرخص، مما قد يسبب بإغلاق المئات من المؤسسات والقطاعات التي يشغلها الفلسطينيون في لبنان.
وأبلغ وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان سفير فلسطين أشرف دبور على منح اللاجئين الفلسطينيين من شهرين الى 6 اشهر لتسوية أوضاعهم ووقف أي اجراء بحقهم. لكن هذا الأمر لم يرق للفلسطينين خصوصاً أن هذه المنح والتراخيص بحاجة إلى وقت طويل لتصدر وبالتالي سيشكل ذلك عائقا أمام الجميع ويولد حالة من الغضب لدى شرائح كبرى في المجتمع اللبناني والفلسطيني المنخرط بالحياة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان منذ عشرات السنوات.
وأدى قرار الوزير أبو سليمان إلى إثارة الشارع الفلسطيني في المخيمات التي انتفض رفضاً لمعاملة اللاجئ الفلسطيني كالأجنبي، باعتبار أنه موجود في لبنان قسراً ومن دون إرادته، وأن نزوحه إليه، لا يشبه النزوح السوري، إذ لا تغتصب أرض سوريا دولة استيطانية كالكيان الصهيوني، كما أن العامل الفلسطيني ليس كالعامل القادم من بنغلادش أو سيريلانكا أو دول أخرى.
التحرك بدأ عنفياً بقطع طرقات وإشعال إطارات، لإجبار وزير العمل على التراجع عن قراره، وقد انضمت قوى سياسية وحزبية لبنانية إلى مطلب الفلسطينيين، وفي مقدمهم الرئيس نبيه برّي، الذي دعا إلى إلغاء القرار لاحتواء رد فعل الشارع، فأخذ رئيس الحكومة سعد الحريري الموضوع على عاتقه متعهداً بمعالجته حكومياً عبر مجلس الوزراء، إلا أن الحكومة لم تنعقد منذ حادثة قبر شمون في عاليه قبل أسابيع.
وفي السياق، جرى تحرك سريع من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، فأوفد رئيسها محمود عباس إلى لبنان، موفده عزام الأحمد لضبط الوضع في المخيمات، وعدم خروجها عن السيطرة، بإبقاء الاحتجاجات داخلها ومنع الجماعات الإسلامية من استغلال قرار وزير العمل، للإمساك بالمخيمات، من ضمن الصراع بين حركتي «فتح» و«حماس».
تطبيق القوانين اللبنانية
بدورها، شددت لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني من خلال اللقاءات التي عقدتها مع وزير العمل، على ضرورة استثناء الفلسطينيين من القرار، وعدم معاملتهم مثل العمال الآخرين، إذ أن القانونين 128 و129 الصادرين في 24 آب 2010، لتنظيم العمالة الفلسطينية، لم تصدر مراسيمهما التنظيمية والتطبيقية بعد، ومنها ما يتعلّق بالسماح للعامل الفلسطيني بالانتساب إلى الضمان الاجتماعي بموجب المادة 9 منه، وهو ما لا ينطبق على العمال الأجانب الآخرين، كما أن لبنان لا يمكنه معاملة الفلسطينيين مثل رعايا دول أخرى، لأن ليس لديهم دولة، بل سلطة فقط.
وأظهرت التحركات الفلسطينية في المخيمات، تمسك اللاجئين بحق العودة، حيث أعرب المتظاهرون عن رفضهم للتوطين وما تضمنته «صفقة القرن» التي تسوّق لها الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب تحت عنوان «الازدهار من أجل السلام» وقد شهدت «ورشة البحرين» الشهر الماضي رصد 7 مليارات دولار لمساعدة الفلسطينيين على البقاء والازدهار في لبنان، تمهيداً لتوطينهم، وهو عرض قوبل بتجاهل لبناني رسمي أم لعل باب تنظيم العمالة، هو أول الأبواب؟
Leave a Reply