أسدل النائب الأميركي جون دينغل الستار على حياة سياســية مـديـدة خـدم فيـها ٥٨ سـنـة في مجلس النواب الأميركي مما جعله متربعاً على لقب «عميد الكونغرس» بعد فوزه بـ٢٩ ولاية نيابية متتالية نائباً عن ميشيغن. لكن هذا العام لن يكون اسم جون دينغل مدرجاً على قوائم الإقتراع في ديربورن أو في آناربر حيث قرر التنحي وإعلان تقاعده، كما السناتور كارل ليفن.
فقد أعلن دينغل في ٢٤ شباط (يناير) الماضي أنه لن يترشح مجدداً معللاً ذلك لظروفه الصحية وبالإحباط الذي يشعر به بسبب وجود مجلس نواب «ذميم». وقال دينغل الذي يسميه زملاؤه في الكونغرس بـ«جون الكبير» بسبب طوله الفارع الذي يبلغ ٦,٣ أقدام «لا أرغب أن يقول الناس عني أني بقيت في مجلس النواب لمدة أطول من اللازم».
وكان دينغل المولود في ديربورن والبالغ من العمر ٨٧ عاماً وهو محارب سابق شارك في الحرب العالمية الثانية، قد وصل لأول مرة إلى مجلس النواب عام ١٩٥٥ خلال إنتخابات خاصة أجريت لملء مقعد والده جون دينغل الأب الذي شغر بوفاته.
وفي عام ١٩٩٥ أصبح دينغل «عميد» المجلس لأنه منذ ذلك الوقت كان يتمتع بالأقدمية في الكونغرس. ويعرف عنه دفاعه عن المستهلك ورعايته لمشاريع قوانين البيئة ودعمه لصناعة السيارات، وقد ترأس لجنة التجارة والطاقة من عام ١٩٨١ وحتى ١٩٩٤ ومن ٢٠٠٧ وحتى ٢٠٠٨.
الجالية العربية ممتنة لدينغل
من جانبها، امتدحت رئيس اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك)، مريم بزي، مسيرة دينغل و«تفانيه في خدمة الناس الذين كان يمثلهم». وقالت «لقد كان دائماً خير صديق للجالية وكان مخلصاً لناخبيه وقام بكل ما يعتقد أنه في صالح الناس».
وأضافت بزي «إن دينغل استفتى آراء الجالية العربية قبل التصويت على مشاريع قوانين رئيسية في واشنطن». لافتة الى أنه في العام ٢٠٠٦ صوّت ثمانية نواب فقط ضد مشروع قرار دعم «مجهود إسرائيل الحربي في لبنان» (عدوان تموز). وأشارت بزي الى أنه صوت بهذه الطريقة لأن العديد من ناخبيه هم عرب أميركيون معارضون للعدوان. كما أنه فعل ذلك لأنه يعتقد بأن هذا هو القرار الصحيح أيضاً.
وذكر ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني أن دينغل فهم السياسة الأميركية الخارجية أفضل من معظم زملائه في الكونغرس. وأردف «في غضون ١٥ الى ٢٠ سنة الماضية غيّر دينغل الكثير من مواقفه حول العديد من المسائل في الشرق الأوسط وصوت على النقيض من الأغلبية في الكونغرس.. لقد فعل ذلك بثبات وجرأة».
وأوضح السبلاني أن اللجنة الإسرائيلية الأميركية للعمل السياسي (آيباك) حاربت دينغل مراراً بعد تبديل موقفه من قضية الصراع في الشرق الأوسط، وحاولت «حرمانه» من التبرعات المالية من الجالية اليهودية في ميشيغن.
وقال السبلاني «كان دينغل قائداً عظيماً عمل لعقود طويلة من أجل كل الشعب الأميركي كذلك كان صديقاً حميماً للعرب والمسلمين الأميركيين».
وكشف السبلاني أن آخر محادثات تشاورية أجراها دينغل مع الجالية بخصوص قضية متعلقة بالعالم العربي كانت بشأن عزم البيت الأبيض توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وقال السبلاني «التقى دينغل حينها بمسؤولين وقادة مؤسسات عربية ليسمع آراءهم قبل تصويته في الكونغرس على قرار الضربة الأميركية».
واستطرد السبلاني «لقد كان يعرف بانقساماتنا لكنه رغم ذلك أراد أن يشاركنا القرار».
وتمنى السبلاني لدينغل حياة تقاعدية سعيدة و«هو يغادر في وقت حرج جداً من تاريخ العالم». وأضاف «نحن بأشد الحاجة اليوم الى شجاعته وقيادته، وكنا نحيّيه أيضاً لأنه قرر مغادرة منصبه طوعاً في وقت كان بإمكانه أن يستمر فيه.. وهذا دليل صارخ على التزامه الكبير بالخدمة العامة».
من ناحيتها، أشارت بزي إلى إستعداد «أيباك» على التعاون مع أي مرشح كفوء يريد أن يترشح لمقعد دينغل وقالت «إن موقع دينغل كبير لدرجة يصعب ملؤه بسهولة ولكن لدينا عدة أفراد مؤهلين ونحن منفتحون لكي ننسق مع من يود أن يملأ هذا المنصب وتابعت «إنه شخص محترم للغاية وملتزم.. ونحن نريد شخصاً مثله ليخدم دائرته الإنتخابية التي تضم كثافة عربية».
وقد أشادت جملة من المؤسسات والجمعيات العربية الأميركية بدينغل وبصداقته للجالية. وقد وصفه، المدير التنفيذي لجمعية «يابا» اليمنية الخيرية، علي بلعيد المكلاني، بأنه «بطل في عيون ناخبيه وفي عيون جميع الأميركيين». وقال «من الصعب ملء الفراغ الذي سيتركه وراءه.. لقد كان حاضراً كل مناسبات الجالية واحتفالاتها وكان مكتبه مفتوحاً للتباحث في القضايا المحلية والخارجية.. وبصفتي عضواً في الحزب الديمقراطي في ميشيغن، وفي «يابا»، فإني تشرفت بكونه ممثلاً لي في الكونغرس».
وشدد المكلاني على «العلاقة الخاصة» بين دينغل والجالية العربية مشيداً بـ«وقوفه إلى جانب الحق بغض النظر عن التحليلات السياسية».
من ناحيته شكر مركز «أكسس»، النائب دينغل على خدماته «الأسطورية» ووصفه بالصديق العزيز والقائد «الأيقوني». وفي بيان أصدره بمناسبة قرار دينغل الاعتزال قال المركز إنه «خلال فترة خدمة دينغل في الكونغرس تزعّم قضايا عديدة فائقة الأهمية للجالية العربية ومنطقة ديترويت وحارب التمييز العنصري في المطارات بعد هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) وناضل لحماية الضمان الإجتماعي وإصلاح النظام الصحي والمقاييس العمالية العادلة».
أما «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»، فأعربت في بيان لها عن تقديرها «لدينغل وزوجته دَبي اللذين أعطيا سنيناً طويلة من عمرهما من أجل خدمة المجتمع. إنهما مواطنان مثاليان وقائدان من القادة العظام في المجتمع».
واشنطن تمدح دينغل المتقاعد
وقد أشاد الرئيس باراك أوباما بدينغل واصفاً إياه بأحد أكثر المشرعين نفوذاً في التاريخ مشيراً إلى سجله الحافل بإقرار قانون التساوي بالحقوق المدنية عام ١٩٦٤ وجهوده لتمرير مشروع «ميديكير» عام ١٩٦٥.
نائب الرئيس جو بايدن أكد أن عضو الكونغرس المغادر يحترم جداً ناخبيه وأعرب عن أسفه لخسارة ممثل عام خدم الناس بتفان. وأضاف «لقد حصل لي الشرف بالسير مع جون في معرض السيارات الدولي الذي انعقد في ديترويت الشهر الماضي.. أنا لا أعرف رجلاً أكثر منه يدافع عن حقوق العمال.. وأعتقد أنه يستحق الكثير من التقدير لجهوده في إنعاش صناعة السيارات الأميركية».
ولم تقتصر حملة المديح على الديمقراطيين فقط، فالصراعات الحزبية لم تفسد للود قضية، حيث شكر رئيس مجلس النواب الأميركي -الجمهوري عن ولاية أوهايو- جون باينز، نيابة عن جميع أعضاء الكونغرس- النائب دينغل، وقال «اليوم أتقدم بالتقدير والعرفان لجون دينغل على خدمته التي شارفت على ستة عقود في مجلس الأمة. نحن لدينا خلافات في الرأي بالتأكيد لكن هذا لا يقلل من بالغ إحترامي لإخلاصه واستقامته. أنا أعلم أن هذه المشاعر أتشارك فيها مع زملائي على ضفتي المجلس ونتمنى لجون ودَبي والعائلة كل التوفيق».
دَبي تكمل المسيرة
وبعد ساعات من إعلان دينغل عزوفه عن الترشح بعد إنتهاء ولايته الحالية، سارعت التقارير الإعلامية إلى إبراز زوجته ورفيقة دربه دبي دينغل كمرشح ممكن لخلافته. وبدورها سارعت دبي لإعلان ترشحها عن «الدائرة ١٢» من ديربورن يوم الجمعة الماضي.
وكان جون دينغل قد أعرب عن دعمه السياسي لزوجته القيادية في الحزب الديمقراطي، «إذا ما إختارت الترشح للخدمة العامة». وقال «أريد من هذه المرأة أن تكون سعيدة.. وأن تحقق الأشياء التي تريدها ولو كان منها الترشح لمنصب نائب في الكونغرس».
وحول نية دبي الترشح للفوز بمقعد زوجها أعرب السبلاني عن تأييده للخطوة قائلاً «إنها مؤهلة لهذا المركز وهي أيضاً صديقة للجالية العربية». وأضاف «لقد أظهرت الإهتمام دائماً بالسياسة وبأمور مجتمعنا وهي تفهم القضايا المطروحة إلا أني لست مستعداً بعد لدعم أحد في هذا الوقت».
ولدى سؤاله عما إذا كان بإمكان الجالية العربية أن يكون لديها مرشح خاص بها لإحتلال مقعد دينغل، أجاب السبلاني «لا يوجد سبب يمنع من ذلك. لكن لا أعتقد أن مرشحاً عربياً سيكون قادراً على جمع التبرعات المطلوبة لسباق كهذا وبالسرعة المطلوبة، كما أن الدائرة الإنتخابية التي يمثلها دينغل تمتد من آناربر الى ديربورن مروراً بعدة مدن في غرب مقاطعة وين وشرق مقاطعة واشطيناو حيث لا ثقل يذكر للصوت العربي».
دبي دينغل.. تكمل المسيرة
ديربورن، آناربر – في ثلاث محطات مختلفة خلال يوم واحد، أعلنت القيادية في الحزب الديمقراطي دبي دنغل، الجمعة الماضي، رسمياً عن ترشحها لخوض الانتخابات لعضوية الكونغرس الأميركي عن ميشيغن-الدائرة ١٢، وذلك للحفاظ على مقعد زوجها عميد الكونغرس الأميركي، جون دينغل، الذي قرر التقاعد بعد أن أمضى 58 عاماً تحت قبة الكابيتول في واشنطن.
وتشغل دبي دينغل (59 عاماً) عضوية اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، وهي رئيسة مجلس أمناء جامعة «وين ستايت»، وقبل ذلك عملت لمدة 30 سنة في شركة «جنرال موتورز» للسيارات.
وكانت دينغل قد أعلنت عن ترشحها من ثلاثة مواقع مختلفة بدأتها في ديربورن ثم إبسلانتي، قبل أن تطل من متجر «هوم آند غاردن» لمعدات المنازل والحدائق في وسط آناربر، حيث قالت لمناصريها إنها ستظل وفية للتعهدات التي قطعها زوجها على نفسه تجاه الناخبين، لكنها أكدت أنها ستكون لها أجندتها الخاصة وعلى رأسها قضايا النساء والاطفال والطلاب. وقالت «أنا لست جون دنغل.. أنا دبي دنغل»، متعهدة بالعمل على تقليص التوترات الحزبية داخل الكونغرس. وقالت «هذا شيء طالما فكرت فيه طوال حياتي». وأضافت دينغل أن «معظم الناس لا يعرفون أن أطروحة الماجستير الخاصة بـي كانت حول «الكياسة داخل الكونغرس».. كما أنني نظمت العديد من الخلوات التفاوضية في الكونغرس ولي باع طويل في تقريب وجهات النظر بين المتباعدين فكرياً في محاولة لايجاد أرضية مشتركة». وأضافت أن «لدينا نظام حكم ديمقراطي هو الأفضل في العالم»، و«من الخطأ أن ينظر المشرعون الى بعضهم البعض كخصوم».
وأكدت دينغل أنها تشاطر زوجها في العديد من وجهات النظر، خاصة تلك المتعلقة بحماية حقوق الطبقة الوسطى والبيئة و«لكنني اختلف معه في مسـائل محددة، مثل الحق في امتلاك السلاح».
وكانت دينغل بدأت يومها الطويل بظهور في مقهى «بانيرا بريد» في ديربورن (مقر إقامتها) حيث أعلنت عن ترشحها وهي محاطة بعشرات المؤيدين بينهم رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي وعضو مجلس نواب الولاية عن ديربورن جورج ديراني، ورئيس هيئة مفوضي وين غاري وورنتشاك، إضافة الى مسؤولين آخرين. وقال أورايلي إن دينغل «خير من يمثلنا» في «الدائرة 12» التي تضم اجزاء من مقاطعتي وين وواشطينو، «فهي تعرف عن كثب المدن التي تقع في الدائرة». كما وجه أورايلي كلامه لدينغل بالقول «عليك أن تعرفي واشنطن وعلى واشنطن أن تعرفك.. فنحن بانتخابك نرسل شخصية جديدة الى واشنطن، لكنها في الوقت نفسه تعرف واشنطن تماما وتستطيع الوصول الى مراكز القرار». وختم بالقول «لا أستطيع الإنتظار أكثر لرؤيتها كممثلة لنا في واشنطن».
يشار الى أن دبي دينغل ربما تواجه منافسة من داخل حزبها على هذا المنصب في انتخابات آب (أغسطس) التمهيدية، حيث اعلنت عضوة مجلس شيوخ الولاية ريبيكا وورن (ديمقراطية) عن تشكيلها لجنة استكشافية تمهيدا لخوض الانتخابات في «الدائرة 12» التي تشمل ديربورن وآناربر ومدن جنوب النهر (داون ريفر).
Leave a Reply