دخل لبنان عطلة عيد الفصح على وقع رصاصتين اخترقتا الحائط في فناء مقر رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، لتتحول نجاة “الحكيم” أثناء انحنائه لقطف زهرة الى أعجوبة آذارية حمل أقطاب “ثورة الأرز” على متنها محاولة جديدة لإطلاق اتهام مسيّس بتلميح -بدا أقرب الى تصريح- الى مسؤولية “حزب كبير” عن محاولة الإغتيال المزعومة، والمطالبة بتحويل الموضوع الى التحقيق الدولي!
وأطل جعجع في مؤتمر صحفي ليسرد رواية سينمائية: كنتُ أسير مع بعض الشباب ولمحتُ زهرةً جميلةً على الأرض، انحنيتُ لأقطفها فسمعتُ طلقين ناريين مدويين وأشكر الله أن الشباب كانوا على مسافة بعيدة مني، فبقيتُ منبطحاً على الأرض لفترة ومن ثم رأينا ثغرتين في الحائط، فاتصلنا على الفور بالقوى الأمنية التي عاينت المكان وانتزعت الرصاصات بحيث تبيّن أنها أُطلقت عن بُعد حوالى كيلومتر وما فوق من قبل قناصة، في أغلب الظن أنهم أكثر من قناص، استعملوا قناصات عيارها بين 12.7 و14.5 أي من العيار الثقيل.
وتوالت الاتصالات الى الحصن الأمني في معراب لـتهنئة جعجع على سلامته من محاولة الاغتيال “عن بعد بأجهزة متطوّرة جداً تفوق قدرات” الجهاز الأمني للقوات اللبنانية بحسب تعبير الحكيم.
وبغض النظر عن الاستثمار السياسي للحادثة وحقيقة الجهة المنفذّة، فمن المؤكد أن إعادة تحريك الملف الأمني بلبنان عن طريق الاغتيالات يُنذر باتجاه للضغط باستخدام أدوات غير سلمية في لحظة حاسمة في تاريخ المنطقة، مع تعثر المساعي لإسقاط النظام السوري وانتقال الصراع الإقليمي والدولي الى استخدام جميع أساليب الحرب الناعمة لتحقيق مكتسبات وتسجيل نقاط في مختلف ساحات النزاع، وفي طليعتها لبنان.
حدث من نوع آخر شغل الشارع اللبناني، حيث تم اطلاق القيادي في “التيار الوطني الحر” فايز كرم، المتهم بالتعامل مع اسرائيل، بعدما نفذ عقوبة السجن “المخففة”، وبعد احتساب سنوات سجنه على أساس القانون الجديد الذي يحدد السنة السجنية بتسعة أشهر.
كرم الذي استُقبل استقبال الأبطال في منطقته لم يتردد في الدفاع عن نفسه واضعاً اعتقاله في خانة “الاتهام السياسي”، مع أن القضاء العسكري هو من أثبت عمالته. والحق يُقال أن “التيار الوطني” لم يراعِ مشاعر أغلبية اللبنانيين التي تنظر الى موضوع التعامل على أنه خيانة من العيار الشديد، إذا ما اسقطنا، جدلا، الشعور الوطني العام، كون العمالة في لبنان باتت وجهة نظر.
وفي حين استقبل الجنرال ميشال عون العميد العميل فايز كرم في الرابية، غلب الصمت التام حول هذه القضية في تصريحات قيادات ونواب “حزب الله”. صمتٌ لم يخرقه سوى بضعة أسرى محررين من سجون الإحتلال الاسرائيلي رفعوا يافطات منددة بإطلاق سراح كرم في اعتصام عفوي نفذوه قرب المحكمة العسكرية.
في هذه الأثناء، مارس الجنرال عون أشد الضغوط لحث رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على توقيع مشروع الإجازة للحكومة بصرف الـ8900 مليار ليرة وإصداره بمرسوم، على قاعدة انه بعد مرور 40 يوماً على تلاوة مشروع القانون في مجلس النواب خلال جلسة عامة، من دون إقراره، يصبح تلقائياً في صلب صلاحية رئيس الجمهورية إصداره في مرسوم بعد موافقة الحكومة صاحبة المشروع أصلاً.
على صعيد آخر، يمكن القول إن لبنان بدا متأخرا بملامسة عصر الغاز الذي سبق أن دخلت فيه دول كثيرة، مع قرار مجلس الوزراء باعتماد مشروع مد خط الغاز الساحلي من دير عمار الى صور، والذي وضعته وزارة الطاقة والمياه، وهو بطول 175 كلم ويتضمن في جانب منه مد أنابيب في البحر، في موازاة تلك التي ستمتد براً، لكن المباشرة العملية في تنفيذ مراحل المشروع تتطلب التصديق عليه من قبل مجلس النواب حيث تنتظره رحلة صعبة، شبيهة بالمسافة الزمنية التي احتاجها لعبور طاولة مجلس الوزراء، برغم انه كان جاهزاً ومحالاً من وزارة الطاقة منذ العام 2010.
ويحقق المشروع بعد إنجازه وفراً في كلفة إنتاج الكهرباء، يقدر بمليار دولار سنوياً، هي قيمة الفارق بين استخدام المازوت واستخدام الغاز الطبيعي في تشغيل معامل الانتاج، الى جانب رفد المصانع الواقعة على الساحل اللبناني بالغاز، الأمر الذي يحد من كلفة الانتاج على الصناعة الوطنية، كما أن المشروع يتيح مد أنابيب الغاز الى المنازل وتأمين هذه المادة لقطاع النقل في حال جرى تطبيق مشروع السيارات التي تعمل على الغاز، عدا عن ان تنفيذ هذا المشروع هو شرط حيوي لاكتساب الجهوزية المطلوبة من أجل “استقبال” كميات الغاز التي قد تُستخرج من المياه الإقليمية اللبنانية في المستقبل.
وتبلغ الكلفة الإجمالية للمشروع 455 مليون دولار أميركي، سيتم تسديدها في المبدأ من الخزينة مع ترك الباب مفتوحاً أمام دعم الصناديق والشركات التي ستتولى التنفيذ. ويستغرق التنفيذ قرابة سنتين وأربعة أشهر من تاريخ بدء العمل رسمياً.
وعلم ان 33 شركة مختصة بإنشاء خطوط نفط وغاز تقدمت لعملية التأهيل، انتقل منها الى “التصفيات النهائية” 19شركة، أبدى بعضها رغبة في التمويل.
تبقى الإشارة الى أن الأجواء المحيطة بملف النفط وترسيم الحدود البحرية تعكس تراجعاً اسرائيلياً ورغبة في إجراء تسوية مع الجانب اللبناني، بعد أن تبين، على ضوء زيارات الوفود الأميركية الرسمية الأخيرة الى المنطقة، أن الشركات الأميركية غير مستعدة لاستثمار سنت واحد إذا لم يتم التوصل إلى حل لقضية الحدود البحرية المتنازع عليها.
Leave a Reply