سامر حجازي – «صدى الوطن»
خرجت نقاشات العنف المنزلي داخل الجالية العربية الاميركية من الظل إلى العلن وذلك لأول مرة، فـي أعقاب مأساة القتل والانتحار التي جرت الأسبوع الماضي فـي مدينة ديربورن.
وفـي حين يبدو العنف المنزلي عابراً للحدود الجغرافـية وللاديان والاعراق والجنس ويؤثر فـي مختلف الناس وجميع الأعمار والفئات، لكنه لا يزال كحبة دواء صعبة البلع بالنسبة للكثيرين فـي الجالية.
عائلة علي سعد، الرجل الذي يبلغ من العمر ٤٠ عاماً والذي قام بقتل زوجته، هبة سعد، ٢٩ عاماً، قبل أن ينتحر يوم الأحد ٣ ايار (مايو)، اشتعل غضبها ضد «صدى الوطن» بسبب نشرها تقريراً مفصلاً عن الحادث. وتضمن هذا التقرير معلومات عن معاناة الزوجين مع العنف المنزلي، استناداً إلى أقوال وافادات بعض الأصدقاء وزملاء العمل مع الزوجة الضحية.
وكان هدف «صدى الوطن» من النشر هو الوصول إلى النساء الأخريات اللاتي يتعرضن أيضاً «للإساءة فـي المعاملة والاضطهاد من قبل الزوج أو الأخ أو الغير.ظناً منها انه ربَّما يدفع التقرير قارئاً ما أن ينظر إلى هذه المأساة، ويتجه لاتخاذ إجراءات خاصة لمنع المحظور قبل فوات الأوان».
ما نعرفه عن الحقيقة هو أن هبة لم تكن وحدها فـي هذه المعركة. يوماً بعد يوم، تبقى النساء هدفاً للعنف المنزلي فـي حين يستمر أصدقاؤهن وعائلاتهن بالتزام الصمت حول هذه المعضلة الاجتماعية. المأساة المروعة الأخيرة ارتقت بالنقاش الذي غالباً ما كان يتم تجاهله أو تحجب الإضاءة عنه.
يوم الجمعة الموافق ٨ ايار (مايو) فـي مركز الزهراء الاسلامي فـي ديترويت، تطرق السيد حسن القزويني فـي خطبته الى مسألة العنف الأسري أمام أفراد الجالية من المصلين، مشيراً إلى أن هناك اعتقاداً خاطئاً بأن الدين يتسامح مع مثل هذا السلوك.
«هذه اهانة كبيرة لديننا وانها فكرة خاطئة كبيرة موجودة فـي ذهن كثير من الناس» قال القزويني. «هذا ليس صحيحا. لا يوجد انسان له الحق بضرب زوجته. الإسلام يحرم ذلك».
وتحدث القزويني عن جريمة القتل والانتحار المزدوجة الاخيرة وذكر أن الإنسان يجب أن يتعلم السيطرة على أعصابه قبل أن يتخذ قرارا يقلب الحياة جذرياً. وادان أيضا العائلات التي اختارت إخفاء مسدس فـي المنزل. وذكر أن هذا واحد من المصادر الرئيسة للاستفزاز.
وقال القزويني هناك مشكلة العنف الأسري فـي الجالية العربية الأميركية، كما هو الحال مع العديد من المجتمعات الأخرى. وشارك المصلين فـي قصة رجل محلي قام بضرب زوجته حتى الموت بعد أن عاد من ليلة من القمار والشرب. ثم اخذ زوجته لمستشفى أوكوود فـي مدينة ديربورن، لانها تعرضت لإصابات شديدة فـي ضلوعها.
«التعريف الصحيح للرجل القوي ليس هو الشخص الذي يمكن أن يفرد عضلاته ويكون قوياً جسدياً» شرح القزويني، واردف «انه الذي يستطيع السيطرة على أعصابه. لا يمكننا السماح للغضب ان يسيطر علينا ويحملنا على اتخاذ قرارات خاطئة فـي الحياة. الرجل الذي يرثى له هو الذي يتورط فـي العنف المنزلي. ينبغي لنا أن لا نسمح أبداً به فـي مجتمعنا. ينبغي لنا أنْ لا نعتبره أبداً أمرا عاديا أو ممارسة طبيعية ». وبينما يدَّعي علماء الدين أنهم شهدوا حصتهم العادلة من أحداث العنف العائلي فـي الجالية، تقوم وكالات تطبيق القانون المحلية بجمع المعلومات عن حالات شهدت الأحداث نفسها لمعالجة المخاوف أيضاً.
فـي مقابلة مع «صدى الوطن»، شارك قاضي القضاة فـي محكمة ديربورن سالم سلامة بأفكاره حول زيادة حالات العنف المنزلي التي هبطت على قوس محكمته.
«من المؤسف أن العنف المنزلي يتجاوز كل التركيبة السكانية والأعمار والحواجز العنصرية، ولكننا نشهد المزيد من الحالات فـي الجالية العربية الأميركية التي هي تقليدياً مجتمع محافظ اكثر» قال القاضي سالم سلامة واردف «جزء من المأساة هو ان الضحية تنفـي الإساءة، اما بفعل حالة الإنكار التي تصيبها أو للحفاظ على الذات».
وتابع القاضي سالم سلامة «يبدو أن الضغوط الاقتصادية واحدة من العوامل الاساسية التي يمكن أن تسبب قيام الزوج بإيذاء زوجته جسدياً. المخدرات والكحول أيضاً يمكن أن تلعب دوراً فـي تصعيد التوترات بين الزوجين».
واشار الى انه فوجئ ايضا برؤية المزيد من الحالات التي تنطبق على الأزواج فـي منتصف العمر.
«لقد كان ذلك مفاجئاً إلى حد ما. الزوجات اللواتي هن فـي منتصف العمر وكبار السن بدأن يتعرضن للعنف المنزلي أكثر. شهدنا نسبة أعلى من تلك الفئة العمرية مما شهدناه فـي السنوات الأخيرة. ربما انه استثناء قد يتأثر بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك ونأمل أن لا يتم التصعيد بهذه المسألة».
وقال سلامة عندما يشرف على حالات العنف المنزلي فـي قاعة المحكمة «من المهم أن نميز ما اذا كان الحادث منعزلاً أم مشكلة متكررة. السجن مرة، تحت المراقبة وإعادة التأهيل والغرامات كلها عقوبات محتملة». وقال انه ينظر أيضاً فـي مسالة الندم أو الاعتراف من الشخص المعتدي.
«يحتاج الجاني الى الاعتراف بسوء المعاملة والاعتراف بحجم الإساءة التي ترتكب ضد زوجاتهم» واصل سلامة القول واردف «يجب أن يتحمل الجاني مسؤولية ويجب أن يفهم أن المحكمة لن تتسامح مع هذا النوع من السلوك. لدينا سياسة عدم التسامح ضد ذلك ».
وقالت منى مكي، نائبة مدير مركز صحة المجتمع والبحوث فـي «اكسس» لـ«صدى الوطن» إن المنظمة تساعد أكثر من ٣٠٠ شخص سنوياً فـي قضايا العنف المنزلي. وأشارت مكي إلى أن الهدف الرئيس لبرنامج مكافحة العنف المنزلي فـي «اكسس» «هو توفـير قاعدة الدعم للضحايا ومساعدتهم على تلبية احتياجات من تقرر ترك الزوج أو الشريك».
ووفقا لآخر الإحصاءات، من المرجح أن تعود المعنَّفَة إلى شريكها بمعدل متوسطي نسبته ثماني مرات قبل أن تتخذ قراراً حاسماً بترك مسبب العنف المنزلي.
واضافت ان «الوقت الأكثر خطورة للضحية هو عندما تتخذ القرار بالمغادرة، والنساء اللواتي يلجأن إلى المنظمة طلباً للمساعدة من المحتمل أن لا يشعرن بأنهن وحدهن. وتعقد اجتماعات شهرية للناجين لتبادل قصصهن وبناء صداقات مع نساء أخريات عانين المشكلة نفسها. غير أن بعض النساء قد يفضلن أن يعالجن امورهن بخصوصية و«اكسس» يضمن لهن عدم الكشف عن هويتهن بناء على طلبهن». وأشارت مكي إلى «أن عدم وجود الدعم فـي الجالية العربية الأميركية هو السبب الرئيس الذي يمنع العديد من النساء على عدم ترك أزواجهن المسيئين لمعاملتهن. فـي كثير من الحالات، تشعر المرأة أنها يمكن أن تسبب الإهانة لعائلتها اذا قررت المضي بتقديم مزاعم الانتهاكات. الثقافة أيضاً تلعب دوراً كبيراً بسبب الكيفـية التي تنظر اليها فـيما يتعلَّق بالانفصال والطلاق. ويقال عادة للأزواج الذين يمرون بالمشاكل الزوجية بحل قضاياهم بدلاً من الحث على الانفصال أو الانقطاع، مما قد يؤدي أيضاً إلى مزيد من الانتهاكات».
فـي حين توصي «اكسس» أن يسعى الأزواج للحصول على مساعدة متخصصة فـي القضايا الزوجية، لكن فـي كثير من الأحيان فـي نهاية المطاف يمر الأزواج على رجل الدين بدلاً من استخدام النصيحة المحترفة. وقالت مكي اذا اختار الزوجان هذا الطريق فلا بأس اذا كانا يشعران بالراحة مع هذه الوسيلة.
وتابعت مكي أنه فـي حين أن العديد من النساء قد يكن مترددات فـي ترك الزوج المسيء لمعاملتهن ، وجد المركز العربي أن الأطفال يلعبون دورًا كبيراً فـي دفع المرأة إلى الخروج من علاقة مسيئة. وأشارت مكي إلى أن البرنامج يشير إلى المنتسبين باسم «الناجين» بدلاً من «ضحايا»، لأن العديد من النساء سيخرجن من هذه المحنة بقصة نجاح خاصة بهن، ولا يشعرن بأي ندم أو تأنيب الضمير لاتخاذ ذلك القرار الحازم خلال الفترة الأشد ضعفاً وحرجاً فـي حياتهن.
ودلَّل المركز على النجاحات فـي الحفل السنوي لدورة وعي العنف المنزلي حيث تتجرأ الناجيات للخروج الى دائرة الضوء لتبادل قصصهن والنضال، على أمل أن يكون لها تأثير ولو على امرأة واحدة قد تكون تعاني من إساءة مفرطة.
ويقدم برنامج العنف المنزلي وبرنامج العلاج فـي اكسس خدمات مجانية وسرية، كما تقدم المشورة، والخدمات النفسية، وإدارة القضية، والخدمات القانونية والقسائم الغذائية، وغيرها من الموارد. لمزيد من المعلومات حول البرنامج، يرجى الاتصال بالرقم ٢٢٠٢-٢١٦-٣١٣.
Leave a Reply