جيد أن قطبي الأكثرية عززا تحالفهما بعد كمين نجيب ميقاتي في جلسة مجلس الوزراء التي إنعقدت لبحث مشروع تصحيح الأجور، والتي كان المقصود منها ضرب التيار “الوطني الحر” مع حزب المقاومة وحركة “أمل” وباقي القوى الوطنية، ليس بسبب عبقرية ميقاتي المتفجرة بل بسبب غياب التنسيق بين الحلفاء الذين لم يستوعبوا بعد صدمة منح محكمة بيلمار إلإسرائيلية هبة مالية من أجل إغاثتها وتعويمها-ودائماً الطلب منها طبعاً أن لا تكون مسيسة.
خلص، المشكلة حُلت يا شباب وأنهت المحكمة المزيفة تسييسها، وقرارها “الزاني” أصبح يحمل كل المعايير القانونية الدولية الشفافة، لأن ميقاتي وخليفة إلياس سركيس أصدرا بياناً “إنشائياً” بضرورة عدم التسييس، ولكن لا تقربوا من تلك الشجرة الملعونة، مسألة شهود الزور وإنصاف الضباط الأربعة الذين ظلموا من دون وجه حق بالرغم من أن المحكمة نفسها خولت القضاء اللبناني “العادل والمستقل”، الذي هو أصلاً سبب بلاء الضباط، أن ينظر في ملف المزورين وأن يصوب العدالة. لكن، للأسف، القضاء اللبناني مشغول هذه الأيام بأولويات حيوية أكبر تمس الأمن القومي مثل إطلاق سراح عملاء متهمون بالخيانة لصالح إسرائيل!
لقد كاد ميقاتي أن “يخربط” حلف الأكثرية عبر جلسة الحكومة لكن هذا المخطط لا يعفي الوزراء الذين صوتوا لصالح مشروعه المجتزأ للأجور الذي لا ينفع إلاحيتان المال على شاكلته. بربكم أين يحصل هذا في دولة من دول العالم، حيث وزير العمل آخر من يعلم مع أنه يملك مشروعاً متكاملاً ينفع الفقراء وغالبية الشعب اللبناني، فيواجه بمشروع مضاد أعد في ليلٍ حالك في آخر لحظة وطرح على التصويت السريع من دون دراسة وبإدعاء غير صحيح أن “الإتحاد العمالي العام” يوافق عليه؟ من حق “التيار الوطني الحر”، وبالأخص شربل نحاس بالذات، أن يزعل من هكذا تحالف ليس صديقاً وقت الضيق، وكرمى لمن؟ لعيون من طعنهم بالظهر لتوه وحقق للحريريين و”١٤ عبيد زغار” ما لم يجرؤا على تحقيقه في خمس سنوات؟ فمن أين نبت مشروع ميقاتي المراوغ والمعادي لمعيشة العمال، ومتى تسنى للسادة الوزراء أن يطلعوا عليه إذا كانت الحجة أن مشروع نحاس يتطلب المزيد من البحث؟ ومن أصدق في مشروعه للعمال شربل نحاس أم أحد كبار رجال الأعمال الذي صب مشروعة لخدمتهم أولاً؟ حتى ولو كانت كل هذه الأسباب لا تستدعي الوقوف مع وزير الإصلاح والتغيير، يكفي أن يكافئ نحاس لأنه الوحيد الذي تمكن من التسبب بإدانة دولية لإسرائيل بسبب خرقها للإتصالات اللبنانية؟. أتذكر الأغلبية الجديدة أن “سعد الطائر” و”الثائر السوري” هذه الأيام، لوح له بإصبعه في مجلس الوزراء؟ ربما لهذا السبب ميقاتي لا يطيق نحاس أو باسيل، أو “التيار الوطني الحر” ويلحقه “على الدعسة” كيلا تتحقق على يديه إنجازات شعبية تزيد من رصيد التيار الساعي إلى إجتثاث الفساد من جذوره. ولعل أحقر ما قرأناه مؤخراً ما قيل للجنرال ميشال عون، بعد التصويت المشؤوم على إسقاط مشروع نحاس، أن يتروى في هدم هيكل الفساد في النظام اللبناني العفن لأنه لا يمكن أكله دفعةً وحدةً، بل يقضم قضماً!
هكذا نظام، يا كرام، يجب قلعه وتحطيمه ودوسه بالأقدام غير مأسوف عليه، وبناء نظام جديد عادل لا طائفي فوق مقبرته!
لقد بات من المؤكد أن ميقاتي مع رئيسه يحاولان “تقليم أظافر” العونيين وحصر نفوذهم من أجل تحسين موقع رئيس الجمهورية وإتباع سياسة “فرق تسد”، وعلى حلفاء التيار ألايسمحوا بهذا لأن ما قدمه العماد عون للبنان والمقاومة لم يقدمه أي زعيم ماروني آخر منذ ما يسمى بـ”الإستقلال”، وليذكر الجميع ماذا فعل وماذا قال عون أبان الهجمة الإسرائيلية عام ٢٠٠٦ في حين كان “صيصان ١٤ آذار” “يتبلعزون” الطعام مع كونداليسا رايس. ومن يذكر معارضته العلنية الشديدة ضد تمويل المحكمة؟! ثم ماذا يطلب ميشال عون من الحكومة؟ هل يطلب مكاسب شخصية أم أنه يريد تأمين الكهرباء ٢٤ساعة لكل اللبنانيين وليس لبيروت الإدارية فقط، أم تأمين أجور مناسبة للعمل والطبقة المسحوقة، وتزويدهم بالبنزين والمازوت والإنترنت والخليوي بأسعار متهاودة وضمان نهاية الخدمة والعجز والشيخوخة! انها الجريمة الكبرى!
لقد أجادت المقاومة بأنها استوعبت الخطأ وانحازت الى العمال المبتلين بقيادة متواطئة وغير كفوؤة، حتى لا تسمح للمصطادين في الماء العكر أن يبثوا سمومهم ومنهم من هم داخل التيار من الذين لم يرضوا يوماً على “وثيقة التفاهم” بين التيار والحزب بسبب رواسب حاقدة وطائفية ناجمة عن سنين من الحقد والسم الزعاف خلفه “الذي هو حيةٌ فيهم” وخليفته من بعد. .إن الوضع الإقليمي والمحلي يتطلب من الأكثرية الوطنية رص الصفوف تحسباً للآتي الأعظم خصوصاً بعد بدء إنسحاب القوات الأميركية من العراق من دون تطويعه وجعله رأس حربة ضد سوريا (إثر فشل زيارتي أوباما وبايدن)، وبعد ضربة كشف عملاء الإستخبارات الأميركية في لبنان، وقبلها الجولة “الجيفية” على المنطقة ولبنان، نسبةً إلى جيف فيلتمان زعيم ثورة “الرز” التي “حركت” ثورات “الربيع العربي”، ولو أنها كانت متحالفة مع حسني مبارك وبن علي وحكام البحرين والخليج!
فيلتمان أراد من جولته شد عصب جوقة “الدنيا هيك” والترويج للقرار ١٥٥٩ القاضي بسحب سلاح المليشيات، ولهذا السبب شحن المنافق وليد جنبلاط “بطاريته” وأعلن تكويعته الجديدة معرباً عن دعمه للمسلحين المعارضين في سوريا ومنتقداً علناً مفهوم الممانعة، كما إدعى تخوفه من “رسالة الصواريخ” على القوات الدولية في الجنوب متبنياً الإتهام السياسي الفرنسي بأن سوريا والمقاومة وراء هذه “الرسالة”.
ونتيجة الكلام المشبوه لجنبلاط يبدوأن الخطة الجديدة، التي بلغه إياها صديقه جيف، تقضي بتفريغ الجنوب من القوات الدولية للتمهيد لعدوان إسرائيلي جديد، أو العودة إلى المؤامرة القديمة بنزع سلاح المقاومة عن طريق الأمم المتحدة وسياسياً عن طريق المحكمة الإسرائيلية. لكن مهما كادوا كيدهم فإن أيامهم عدداً وها هو أول الغيث لاح بخبر تنحي دانيال بيلمار في أوائل السنة المقبلة بسبب مرضٍ قد يهلك فيه.
على المقاومة أن تحافظ على التفاهم مع التيار العوني مهما كلف الثمن، خصوصاً بعد تكويعة جنبلاط ومخطط ميقاتي، لأن العونية سند المقاومة الفعلي!
Leave a Reply