غزة – تحت وطأة ضربات المقاومة الفلسطينية، دخل الغزو البري الإسرائيلي مرحلة انعدام الأفق، وسط تراجع حاد في الغطاء الأميركي للعدوان الوحشي المستمر منذ عشرة أسابيع والذي أودى بحياة أكثر من 19 ألف شهيد، بحسب آخر الإحصائيات المتوفرة.
وقالت صحيفة «إيكونوميست» إنه رغم اشتداد القتال بين الجيش الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، فإنه بات في حكم المؤكد أن الهجمة الحالية هي آخر عملية إسرائيلية واسعة في هذه الحرب، مشيرة إلى أن الضغوط الأميركية على تل أبيب تتصاعد في السرّ.
ويأتي تخبط الغزو البري بعد تلقي جيش الاحتلال لضربات موجعة في أنحاء متفرقة من القطاع لاسيما في حي الشجاعية شمالي مدينة غزة، وفي خان يونس حيث سقطت قوات النخبة في كمائن مميتة مما اضطر تل أبيب إلى إرسال فرقة كاملة إلى المدينة الواقعة جنوبي القطاع، في حين لا تزال ثلاث فرق أخرى من سلاح المدرعات تواصل عملياتها في الشمال.
ضربات موجعة
بينما وصل الجيش الإسرائيلي إلى ذروة انتشاره منذ ما يزيد على شهرين، قال القيادي في «حماس» أسامة حمدان إن الهزيمة التي منيت بها إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي تتكرس يومياً على أرض قطاع غزة، مؤكداً أن قوات الاحتلال تتلقى هزائم في كل محاور القتال، وأن لا عودة للأسرى إلا بشروط المقاومة.
وأضاف حمدان في مؤتمر صحفي من بيروت أن إسرائيل «هزمت سياسياً وعسكرياً وأمنياً وإعلامياً وشعبياً أمام صمود شعبنا وقوة مقاومتنا وثبات حقوقنا وجهادنا». وأكد أن جنود إسرائيل وضباطها يعودون من غزة أشلاء أو مصابين أو معاقين أو مرضى نفسيين، مشيراً إلى اعترافالإعلام العبري بإصابة خمسة آلاف ضابط وجندي حتى الآن.
وقال حمدان إن جيش الاحتلال يواصل إخفاء عدد القتلى الحقيقي، مؤكداً أن هذا الأمر يشير إلى حجم الخسائر الهائلة في صفوفه، والتي يجري توثيق الكثير منها بالصوت والصورة.
وقال حمدان إن الأكاذيب التي رددها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورددها الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته انكشفت بعد 69 يوماً من الصمود والتضحية.
في المقابل، أقرت إسرائيل بمقتل 116 ضابطاً وجندياً منذ بداية العملية البرية في غزة مما يرفع عدد قتلى جيش الاحتلال إلى 445 عسكرياً منذ 7 أكتوبر الماضي.
وجدد القيادي في «حماس» التأكيد على أن المقاومة ردّت على الاحتلال في الميدان، وأنه «لا تفاوض على الأسرى ولا عودة لهم إلا بعد وقف كامل للعدوان والاستجابة لشروط المقاومة كاملة بشأن الصفقة».
وقال إن استمرار إدارة بايدن في حث جيش الاحتلال على تقليل الخسائر في أرواح المدنيين «هو استخفاف واستهتار بدم الشعب، لأن كل قطرة دم تسفك يتحمل مسؤوليتها الاحتلال والإدارة الأميركية».
وتحت وطأة ضربات المقاومة، لم يعد أمام إسرائيل خيار سوى تقليص عملياتها، لاسيما مع تصاعد لهجة واشنطن –حليفها الرئيسي ومزودها بالأسلحة– المطالبة بخفض مستوى القوة النارية لتجنب الاستمرار في هذه المقتلة بحق المدنيين، وكذلك في ظل الضغوط المتزايدة على الاقتصاد الإسرائيلي جراء تعبئة 360 ألفاً من جنود الاحتياط.
وذكرت «الإيكونوميست» أن الجيش الإسرائيلي ربما يكون قد قضى على نصف قوة حماس التي قدّرتها الصحيفة بحوالي 30 ألف مقاتل، لكنها أكدت أن الحركة ما زال لديها آلاف المقاتلين، الذين يواصلون الخروج من الأنفاق والإيقاع بالجنود الإسرائيليين في الكمائن، كما أن عشرات الأسرى الإسرائيليين ما زالوا في قبضة الحركة وتحت خطر القصف الإسرائيلي المستمر على غزة.
كما لم تتمكن إسرائيل كذلك من القضاء على قيادة حماس أو تدمير بنيتها التحتية، فهي وإن كانت قتلت عدداً من القادة الميدانيين، فإنها لم تفلح في القضاء على رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار أو قائد «كتائب القسام» الجناح العسكري للحركة محمد الضيف أو نائبه مروان عيسى.
موقف الولايات المتحدة
تستمر إدارة بايدن بمنح الغطاء الدولي للعدوان الإسرائيلي رغم تصعيد الرئيس بايدن للهجته ضد الحكومة الإسرائيلية في تصريحات غير مسبوقة منذ بدء العدوان.
ورغم ذلك، لا يوجد في العلن ما يشير إلى أن واشنطن تضغط على إسرائيل بالفعل، لاسيما بعد الفيتو (حق النقض) الذي استخدمته في مجلس الأمن في الثامن من الشهر الجاري لعرقلة قرار يدعو لوقف إطلاق النار في غزة، كما أنها تزودها بمزيد من الأسلحة، حيث أقرت في الأيام الأخيرة شحنة تضم نحو 14 ألفاً من قذائف الدبابات.
لكن الضغوط تتزايد في السر، وفقاً للمراقبين، حيث أكدت مصادر عدة أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أخبر المسؤولين في زيارته الأخيرة لإسرائيل أن عليهم إنهاء العملية العسكرية بحلول السنة المقبلة.
وتجلت الخلافات بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية في تباين المواقف بشأن ترتيبات حكم قطاع غزة بعد تراجع القتال.
وفي تصريحات بدت مفاجئة قال بايدن، يوم الثلاثاء الماضي، إن إسرائيل بدأت تفقد دعم المجتمع الدولي بسبب قصفها العشوائي لقطاع غزة.
وأضاف بايدن خلال فعالية لجمع التبرعات في واشنطن: «لقد بدأوا يفقدون هذا الدعم»، مشيراً إلى أن سلامة الشعب اليهودي على المحك حرفياً.
وأضاف أن نتنياهو يحتاج إلى تغيير حكومته المتشددة «لإيجاد حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، مؤكداً أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي «أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهي لا تريد حل الدولتين».
ووفقًا لشبكة «سي أن أن» فقد أشار بايدن إلى وجود بعض التباينات الواضحة بينه وبين نتنياهو، وكشف أنه قال لنتنياهو مازحاً: «أنا أحبك، ولكنني لا أتفق مع أي شيء تقوله»، وأضاف أن «الأمر على نحو مماثل اليوم».
واستدرك بايدن قائلاً: «سنواصل تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل حتى يتخلصوا من حماس، لكن علينا أن نكون حذرين»، وتابع: «قد يتغير الرأي العام العالمي بلحظة، لا يجب أن نسمح لذلك بالحدوث».
تعنت نتنياهو
ردّ نتنياهو، على تصريحات بايدن بقوله إن جيشه سيواصل القتال رغم الضغوط الدولية التي تطالب بوقف إطلاق النار.
وقال نتنياهو للجنود في غزة عبر الراديو: «نحن مستمرون حتى النهاية، حتى النصر، وحتى القضاء على حماس». وأضاف: «رغم الألم الشديد، ورغم الضغوط الدولية.. أقول إنه لن يوقفنا شيء».
وجاء خطاب نتنياهو بعد أن شهد جيش الاحتلال أسوأ خسائره القتالية في يوم واحد منذ بدء الحرب بمقتل 10 من ضباطه وجنوده يعد كمين نصبه لهم مقاتلو حماس في حي الشجاعية.
من جانبها، قالت حركة «حماس» إن العملية أظهرت أن القوات الإسرائيلية لن تتمكن أبداً من إخضاع غزة: قائلة: «كلما طال أمد بقائكم هناك، زادت فاتورة قتلاكم وخسائركم، وستخرجون منها حاملين ذيل الخيبة والخسارة إن شاء الله». وفي خطاب متلفز، قال زعيم «حماس»، إسماعيل هنية، إن أي ترتيب مستقبلي في غزة بدون حماس هو «وهم».
وكانت إسرائيل قد حظيت بتعاطف عالمي عندما بدأت حربها للقضاء على حركة حماس، بعد عملية «طوفان الأقصى» التي أسفرت عن مقتل حوالي 1,200 إسرائيلي، وأسر 240.
وفي مؤشر واضح على انحسار الدعم الدولي لحرب إسرائيل الانتقامية على غزة، طالبت الأمم المتحدة بوقف فوري للحرب بعد أن أيد أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية العامة المؤلفة من 193 عضواً هذه الخطوة التي استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضدها في مجلس الأمن الأسبوع الماضي.
ولا تملك واشنطن حق النقض في الجمعية العامة. وأيدت 153 دولة قرار وقف إطلاق النار وعارضته إسرائيل والولايات المتحدة وثماني دول أخرى فيما امتنعت 23 دولة عن التصويت.
وقالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد أمام الجمعية العامة قبل التصويت إن هناك جوانب في القرار تدعمها الولايات المتحدة مثل الحاجة إلى معالجة الوضع الإنساني المتردي في غزة بشكل عاجل وحماية المدنيين وإطلاق سراح الرهائن.
وتيرة الحرب
تناقلت وسائل الإعلام الأميركية تصريحات لمسؤولين أميركيين أنّ إدارة بايدن نقلت، عبر مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، جيك سوليفان، مطالب إلى المسؤولين الإسرائيليين بشأن ضرورة عدم إطالة أمد العمليات العسكرية البرية في قطاع غزّة، وتقليص مجالها.
ونقلت «وول ستريت جورنال» أن سوليفان حذر الإسرائيليين من أن إطالة أمد الصراع من شأنه زيادة تأجيج المنطقة، وأنه يجعل من الصعب حكم غزة بعد الحرب.
في الوقت نفسه، قالت هذه الصحيفة الأميركية إن اجتماعات سوليفان في إسرائيل يبدو أنها لم تحقق تقدما يذكر في معالجة الخلاف المتزايد بين واشنطن وتل أبيب بشأن الضحايا المدنيين، ومدة الصراع والدعم الدولي الضعيف للحملة الإسرائيلية والحكم المستقبلي في غزة.
كما نقلت وكالات الأنباء عن مسؤول أميركي رفيع أن سوليفان ناقش العملية العسكرية في غزة وكيفية تحويلها من عملية مرتفعة الشدة إلى أقل حدة. وأضاف هذا المسؤول أن الإسرائيليين أطلعوا سوليفان على عزمهم اعتماد جدول زمني وأن ما يتم تداوله في الإعلام غير صحيح.
واعتبر المسؤول الأميركي أن الجداول الزمنية للعملية العسكرية الإسرائيلية لا تهم بقدر أهمية الظروف التي ستحكمها، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشمل عمليات أكثر دقة تستند إلى معلومات استخباراتية عن كيفية استهداف بنية تحتية معينة، على حد قوله.
من جانب آخر، قالت وكالة «رويترز» إن سوليفان ونتنياهو أجريا مناقشات مفصلة للغاية حول الجهود المبذولة لإخراج الرهائن المتبقين من غزة، وأن مصادر أميركية أشارت إلى أن المباحثات شهدت توافقاً واسع النطاق على أن مستقبل غزة يجب أن يقوده الفلسطينيون.
في الأثناء، قالت الخارجية الأميركية إنها منخرطة في محادثات مع الإسرائيليين بشأن مدة الصراع الحالي. وأضاف المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر أن بلاده لا تريد استمرار الصراع «مدة أطول مما هو ضروري».
ويأتي تخبط الغزو البري الإسرائيلي في وقت تواصل فيه واشنطن مساعيها لمنع توسع الحرب، ولاسيما بعد تصعيد اليمن من تهديداته للسفن الإسرائيلية العابرة في البحر الأحمر، واستمرار عمليات المقاومة ضد جيش الاحتلال عبر الحدود اللبنانية من خلال استهداف التجمعات والمواقع العسكرية.
وأعلنت القوات المسلحة اليمنية، الخميس الماضي، أن القوات البحرية نفذت عملية عسكرية ضد سفينة حاويات «ميرسيك جبرلاتر»، كانت متجهة إلى الكيان الإسرائيلي.
وشددت القوات المسلحة اليمنية على استمرارها في منع كل السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من الملاحة في بحر العرب والبحر الأحمر، قائلةً إن «منع هذه السفن من الملاحة سيستمر حتى إدخال ما يحتاج إليه إخواننا الصامدون في قطاع غزة، من غذاء ودواء».
وقبل يومين، أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، في بيان، أنّ القوات البحرية نفذت عملية ضد سفية «أستيرندا» التابعة للنرويج، وتم استهدافها بصاروخ مباشر.
وتحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن الخطر الذي تشكّله التهديدات اليمنية على السفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى إسرائيل، من الناحية الاقتصادية، وليس الأمنية فقط. وقالت إنّ «هناك خشية من التعطيل الكامل لميناء إيلات، بالإضافة إلى ضرائب الحرب التي تجبيها شركات الشحن البحري الكبرى بسبب خطر تعرّضها لنيران من الساحل اليمني».
وجاء التهديد والتحذير اليمنيان بعد تنفيذ صنعاء عدداً من العمليات ضدّ سفن إسرائيلية، دعماً للمقاومة الفلسطينية، التي تواجه العدوان الإسرائيلي منذ أكثر من شهرين. واستهدفت صنعاء، سابقاً، سفينتين إسرائيليتين في مضيق باب المندب، هما «يونيتي إكسبلورر» وسفينة «نمبر ناين»، بُعيد استئناف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة.
Leave a Reply