صنعاء – تشهد اليمن منذ سقوط نظام حسني مبارك في مصر “ثورة غضب” تجتاح معظم مدن البلاد وقد اتسع حجم ونطاق المظاهرات الاحتجاجية في العاصمة صنعاء بانتقالها إلى عدد من مدن جنوبي وغربي البلاد تعز والبيضاء وعدن وإب ولحج والحديدة، رغم محاولات الأجهزة الأمنية تفريقها.
ويعتمد نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في مواجهة “الثورة” على عدة وسائل للحد من زخم التظاهرات، فقد لجأ في مرحلة أولى الى التعهد أمام البرلمان بعدم التمديد لولاية رئاسية أخرى وعدم التوريث، إلا أن تعهدات صالح لم تكن كافية لمنع اندلاع غضب الشارع اليمني، رغم انها تمكنت من اجتذاب “اللقاء المشترك” الى طاولة الحوار، ما حجم من أعداد المتظاهرين.
ميدانياً، إضافة الى انتشار مكثف لقوى الأمن، لجأ نظام صالح الى تجييش مؤيديه ودفعهم الى أكبر ميادين العاصمة صنعاء (ميدان التحرير) منعاً لاستيلاء المتظاهرين عليه. كما قام النظام بوضع مؤيديه و”بلطجيته” في مواجهة المعارضين في معظم الشوارع الرئيسية في صنعاء في صورة أعادت ما شهده العالم من همجية “بلطجية” نظام حسني مبارك في مصر.
وتشكل تناقضات اليمن سيفاً ذا حدين بالنسبة لنظام صالح الذي يحكم البلاد منذ ٣٣ عاماً. فرغم أن الحراك الجنوبي لا يجذب سوى الجنوبيين ويشكل هاجساً لدى الشماليين، إلا أن مواجهات عدن شكلت حافزاً إضافياً للتظاهرات في عموم اليمن، فقد مثّل سقوط أربعة قتلى نقطة فاصلة في خط سير حركة الاحتجاجات الشعبية في اليمن، بعدما تلوّنت شوارع عدن بدم الضحايا، وأحدهم في السادسة عشرة من عمره، واستتبعت بخروج تظاهرات جديدة منددة بالقمع الوحشي الذي تعرض له المحتجون، أبرزها في مدينة الضالع.
وكانت نقطة البداية في الجنوب مع اعتصام احتجاجي سلمي نفّذه مئات من الشباب، الثلاثاء الماضي، في منطقة “المنصورة” في ضاحية عدن، غالبيتهم عاطلون من العمل، ردّدوا شعارات مطالبة بتغيير النظام السياسي، ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح وأقاربه من السلطة، وإطلاق سراح معتقلين في سجن المدينة منذ الأسبوع قبل الماضي.
وبدأت السلطة بقمع المحتجين باستخدام عناصر أمنية بلباس مدني، يحملون هراوات وعصيّاً كهربائية وصور الرئيس، وحين لم يفلحوا، كان الرصاص الحي الخيار البديل، لتفريق المعتصمين، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة من المحتجين، رموا على أثرها الجنود بالحجارة، فيما اقتحم عدد آخر منهم مبنى المجلس المحلي.
وأكد شهود تعمّد إصابة المحتجين من مسافات قريبة، والتركيز على المناطق العلوية من الجسم، ما يفسّر سقوط أربعة قتلى وعشرات الجرحى، سارع العديد منهم إلى مغادرة المستشفيات خشية الاعتقال، فيما رفض والد القتيل محمد العلواني، أول ضحية تسقط في الاحتجاجات اليمنية ضد السلطة، تسلّم جثة ولده قبل القبض على الجناة.
من ناحيته، الرئيس اليمني أمر بفتح تحقيق فوري في أحداث “المنصورة”، فيما ناشد نائب الرئيس اليمني السابق، علي سالم البيض، “جميع الجنوبيين في الداخل والخارج أن يهبّوا اليوم لطرد الغزاة وانتزاع حرية الجنوب واستعادة استقلاله”.
اتساع المظاهرات
وتشهد مدينة صنعاء منذ بداية الأسبوع مواجهات يومية بين المتظاهرين و”بلطجية” النظام وأبرز هذه المواجهات كانت في “ميدان التحرير” فيما بدأت اشتباكات أمام مبنى “جامعة صنعاء” عندما اشتبك نحو 1500 محتج مع موالين للحزب الحاكم بعد اعتراضهم سير المظاهرة لحظة انطلاقها من الجامعة قبل تدخل قوات الشرطة لفض الاشتباك.
وهتف المحتجون “الشعب يريد إسقاط الرئيس. الشعب يريد إسقاط النظام” في ترديد لشعارات الثورتين التونسية والمصرية.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية إن المؤيدين –الذين ذكر شهود أنهم كانوا مزودين بالهراوات والخناجر- والمعارضين اشتبكوا في عراك بالأيدي، وقد فشلت الأجهزة الأمنية بفض الاشتباك مما اضطر الجنود إلى إطلاق الرصاص لتفريق المتظاهرين.
وبحسب شهود فإن الشرطة فقدت السيطرة فيما يبدو على الحشود وانسحبت من الشوارع حيث تراشق الجانبان بالحجارة وتم إرسال شرطة مكافحة الشغب، التي منعت المؤيدين للحزب الحاكم من مطاردة المتظاهرين بعدما حاولوا الهرب.
ولم يتم حصر عدد الجرحى والقتلى في عموم اليمن، إلا أن تقديرات أولية تشير الى أنهم بالعشرات.
ودعا المنظمون والشباب إلى التظاهر في “جامعة صنعاء” يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) للاحتجاج على أعمال القمع والاعتقال التي وقعت اليوم وللمطالبة أيضاً بسقوط النظام، فيما لا تزال قوى المعارضة خارج الشارع.
وقد اتسع حجم ونطاق المظاهرات لينتقل من صنعاء إلى عدد من مدن جنوبي وغربي البلاد منها تعز والبيضاء وعدن وإب ولحج والحديدة.
ففي تعز إلى الجنوب من صنعاء سيطر محتجون مناهضون للحكومة على ميدان رئيسي قبل عدة أيام وتتزايد أعدادهم إلى بضعة آلاف في المساء ثم تنخفض في الفجر.
كما تظاهر آلاف من أنصار الحراك الجنوبي في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة والضالع في المناسبة الأسبوعية التي ينظّمها مجلس الحراك السلمي كل يوم خميس.
وردد المتظاهرون، الذين رفعوا صور القتلى وأعلام دولة الجنوب السابقة، شعارات تعبر عن رفضهم وتنديدهم بما يصفونه بحصار وقصف مناطق ردفان، مطالبين بما يسمّونه فكّ الارتباط عن دولة الوحدة.
ودخل رجال دين مسلمون إلى المعترك السياسي حيث قال رئيس لجنة مرجعية العلماء باليمن، الشيخ عبد المجيد الزنداني في مؤتمر صحفي اليوم إن عملية التغيير يجب أن تكون عبر الانتخابات، وذلك رغم تأييده حق الشعوب بالخروج إلى الشوارع والتظاهر.
وقال الزنداني “نحن اليوم بين خيارين، إما أن نتصارع ونتقاتل وتسفك الدماء، وإما أن تتفق جميع الأطراف في السلطة والمعارضة على أن يكون التغيير سلميا وعبر صناديق الاقتراع”.
Leave a Reply