وليد مرمر – لندن
من الشائع أن هناك زراً أحمر داخل الحقيبة الجلدية المعروفة بالـ«فوتبول»، يستطيع من خلاله الرئيس الأميركي شنّ هجوم نووي في غضون دقائق معدودة. لكن الحقيقة أن الحقيبة المذكورة لا تحتوي على أي أزرار حمراء ولا زرقاء، بل كل ما تقوم به هو التأكد من هوية الرئيس عبر آلية معينة، يتم من بعدها الطلب من «البنتاغون» شن الضربة المقترحة.
وبما إن الشيء بالشيء يذكر، فإن الزر الأحمر الوحيد الموجود في مكتب الرئيس ترامب، هو لطلب مشروب الكوكاكولا «الدايت»، الذي يقال إنه يستهلك منها 12 عبوة يومياً.
ولكن لماذا يكثر الحديث في بعض الصحف الأميركية والإسرائيلية عن ضربة محتملة لإيران، يقولون إنها قد تكون نووية؟
لا شك بأن اللوبي الصهيوني يؤازره «اللويبي» (تصغير لوبي) الخليجي في واشنطن يعدان من أشد المتحمسين لتسويق الـ«إيرانوفوبيا» طمعاً بإقناع إدارة ترامب بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. وما نشر في الأيام الماضية عن سؤال الرئيس ترامب لمستشاريه عن تبعات هكذا ضربة لا شك قد عزز من هذا الاحتمال.
ولقد جاء اجتماع «نيوم» منذ أيام، ليصب في فكرة هذا السيناريو الكارثي. وعلى الرغم من محاولات نفي مملكة آل سعود للاجتماع الذي تم في «نيوم»، بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، فإن معظم الصحف الإسرائيلية كانت قد أكدت حصول هذا الاجتماع، فضلاً عن صحف أميركية كالـ«واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال».
ولقد ذكرت صحيفة «هآرتس» إن طائرة نتنياهو التي استقلها مرتين لدى سفره إلى روسيا لمقابلة فلاديمير بوتين، قد أقلعت من «مطار بن غوريون» يوم الأحد ولم يتمكن بعدها أحد من الاتصال بنتنياهو لمدة عشر ساعات. ولدى سؤال المتحدث باسم مكتب نتنياهو يوم الاثنين الماضي حول الاجتماع، رفض النفي أو التأكيد. أما نتنياهو فقد أجاب لدى سؤاله عن الموضوع: «طوال حياتي لم أعلق على مثل هذه الأمور ولا أنوي البدء في ذلك الآن». لكن من جهته، فقد أكد وزير التعليم الإسرائيلي صحة التقارير الإعلامية عن لقاء نتنياهو مع بن سلمان فيما وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الخبر بأنه «غير مسؤول ومثير للقلق».
ولقد صرح مسؤولون سعوديون كما أوردت شبكة «روسيا اليوم» أن هدف الاجتماع قد تمحور حول موضوعين وهما التطبيع العلني بين الدولتين، واحتمال توجيه ضربة لإيران قبل رحيل ترامب.
أما فيما خص التطبيع فإن العلاقات السرية بين آل سعود والكيان الإسرائيلي تمتد لعقود خلت، وإنما يتم البحث حالياً عن الطريقة والوقت الملائمين لإبرازها إلى العلن في المستقبل القريب. وفيما خص احتمال توجيه ضربة لإيران، فيبدو أن إسرائيل ومملكة آل سعود تحاولان جر إدارة ترامب لاتخاذ هذه الخطوة المتهورة قبل رحيله.
وربما كان التقدم الذي أحرزته إيران في برنامجها النووي حافزاً إضافياً لاجتماع «نيوم» في هذا التوقيت. فقد أفاد تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حسب وكالة «رويترز» (وهو ما أكده سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الوكالة الدولية الذرية) بأن إيران بدأت بضخ غاز سادس فلورايد اليورانيوم في أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة «نطنز»، وهي أجهزة طرد متطورة عن أجهزة الجيل الأول الذي نص عليه الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن «كمية اليورانيوم منخفض التخصيب في موقع «نطنز» تجاوزت الآن 12 ضعف الحد المسموح به وفق الاتفاق النووي المبرم مع الدول الكبرى في عام 2015».
وحسب الوكالة الدولية، فإنه في نوفمبر من هذا العام وصلت كمية اليورانيوم المخصب إلى 2.5 طن ونصف مقابل الحد المسموح به البالغ 200 كيلوغرام حسب الاتفاق. وهذا يكفي لإنتاج سلاحَين نوويَّين، بحسب تحليل لـ«معهد العلوم والأمن الدولي».
ولقد عادت إيران إلى تطوير برنامجها النووي وزيادة مخزونها من اليورانيوم بعد انسحاب إدارة ترامب من معاهدة الاتفاق النووي وما تبعه من تنصل الدول الأوروبية من الإيفاء بتعهداتها وذلك خوفاً من العقوبات الأميركية على الشركات التابعة لها.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نقلت عن مسؤولين في الإدارة الأميركية أن ترامب قد طلب من كبار مستشاريه معرفة ما إذا كانت لديه خيارات لاتخاذ إجراء عسكري ضد موقع «نطنز» النووي خلال الأسابيع المقبلة. فهل يُقدِم دونالد ترامب فعلاً على هذه الخطوة في فترة «البطة العرجاء»؟
يرفض ترامب حتى الآن الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات الأخيرة، وهو جاد في المضي قدماً بمحاولة منع عودة الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض. وقد اتخذ خطوات لا تمت إلى العرج بصلة، مثل قيامه بإقالة وزير الدفاع مارك أسبر في خطوة مفاجئة، وتعيين كريستوفر ميلر كقائم بأعمال وزارة الدفاع مكانه، وهو ما يعد خروجاً عن المألوف في هذه الفترة «الانتقالية». ولعل التعميم الذي أصدره ميلر فور تعيينه، بأمر جميع القوات المسلحة الأميركية بإرسال التقرير مباشرة إلى مكتبه.
وفي ما يرى كثيرون نوايا «داخلية» وراء هذه التحركات، غير أن صحيفة «إندبندنت» البريطانية أوردت في مقال للصحفي كريس هوري أن أسبر كان يعتبر العقبة الأخيرة أمام ترامب للقيام بأية ضربة نووية لإيران. ثم كان هنالك حدثان عززا فرضية الضربة العسكرية. أولهما هو إرسال قاذفات «بي–52» إلى الشرق الأوسط. والثاني هو إعلان «البنتاغون» يوم الخميس الماضي عن زيارة مفاجئة لكريستوفر ميلر إلى الشرق الأوسط.
وفي إسرائيل، أوردت وسائل الإعلام العبرية أن الجيش تلقى تعليمات بالاستعداد لسيناريو هجوم أميركي على إيران قبل انتهاء ولاية ترامب. وقال مسؤولون إسرائيليون إن «التعليمات الموجهة للجيش لم تأت نتيجة مجرد معلومات أو تقييم».
لكن ماذا لو صدقت التنبؤات وحصلت الضربة المشؤومة؟
إن أخف السيناريوات المحتملة جراء هذه الضربة هو أن تقوم إيران باستهداف القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة فضلاً عن استهداف ناقلات النفط الأميركية في مضيق «هرمز» وما سيتبع ذلك من إقفال المضيق والتسبب بأزمة طاقة عالمية كارثية.
وأما السيناريو الأشد وبالاً فهو الانزلاق إلى حرب إقليمية مدمرة لن تستثني الدول التي تستضيف القواعد الأميركية فضلاً عن إسرائيل.
وماذا سيكون تأثير هذه الضربة غير معروفة العواقب على عملية انتقال السلطة في أميركا؟
إن الدستور الأميركي بتعديلاته لا ينص على استمرار الرئيس في ممارسة مهامه خلال فترة الحرب. لكن قانون «باتريوت آكت» الذي أقر في عهد الرئيس بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 يشرع له هذا. وبالتالي فإن أية عملية عسكرية ضد إيران قد تكون بمثابة الـ«وِنّ–وِنّ» لدونالد ترامب، وذلك عبر إرضاء لوبي المطبلين للحرب من جهة، والاستمرار في السلطة من جهة أخرى.
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply