أخطأتْ قوى «٨ آذار» مرَّتين وفي كل مرَّة كانت تُلدَغ من جحرها، كانتْ مصداقيتها تتآكل وتنقضم من دون جدوى. المرَّة الأولى، حين زفَّتْ ميشال سليمان زفَّاً الى موقع الرئاسة وكأنَّه المُنقذ والمُُحرِّر مع أنَّه لم يكن «زينة» شباب الموارنة وكان إنجازه الكبير تدمير «مخيَّم نهر البارد» على رؤوس اللاجئين الفلسطينيين ومقتل المئات من أفراد الجيش اللبناني، فاستحق الوصول الى قصر بعبدا.
أمَّا إنجازه الثاني فكان قضاء ليلة مع جنوده في إحدى قرى الجنوب، كما سرَدَ لنا أحدهم. يا للعظمة!
ولكن في الأمر الأوَّل، سرعان ما تبيَّن الفشل الذريع مع هروب الإرهابي شاكر العبسي، زعيم ما يُسمَّى «فتح الإسلام»، من تحت أنف سليمان مما فتح الباب للتيارات التكفيرية السلفية الوهَّابية الهوى لكي تُفرِّخ وتنمو كالوباء في الأرض اللُبنانية السائبة ومن ضمنها ظاهرة الإرهابي القاتل أحمد الأسير لاحقاً في صيدا. يومها ظهر جليَّاً أنَّ «غولدا» الحريري (شكراً للكاتبة مريم شهاب على لفتة النظر للإسم) كانت من أكبر داعمي التيارات السلفية التكفيرية الموتورة من عبسي وشركاه وحتَّى الأسير وأذنابه.
الخطأ الثاني الفادح لجماعة «٨ آذار» هو الإستعاضة عن خدمات سعد الطائر من رئاسة الحكومة عبر إسقاط حكومته، باختيار «ضربة» على الرأس (لا ضربة معلِّم) أسمُها نجيب الحريري، أي ذهبنا «من تحت الدلفة لتحت المزراب»!
اليوم تحاول القوى الوطنية تفادي الخطيئة بإيقاف مسلسل التمديد المقيت لرؤساء الجمهورية «المُخلَّعة» الأبواب والمشلَّعة الأركان، بعد التدشين الرسمي لمعركة الرئاسة الأولى. ولعلَّ أوَّل الطامحين للبقاء في بعبدا هو قاطنها الحالي الذي «يسنُّ أسنانه» ويسعى «بيديه ورجليه» من أجل التجديد لنفسه يدعمه في ذلك جماعة الزرقاويين وعلى رأسهم فؤاد السنيورة الذي بدأ حراكاً باتجاه المقامات الدينية المسيحيّْة مروِّجاً للتمديد لسليمان بعد أنْ صدر الأمر السعودي الملكي لصالح سليمان على ما يبدو على أساس أنَّه قد أظهَر إخلاصاً شديداً للتيَّار السعودي المعادي لسوريا (والتي ساعدتْه يوم الضيق وجاءَتْ به رئيساً) وحسَم أمره بالوقوف نهائياً إلى جانب صغار «١٤ آذار». والمضحك أنَّ فؤاد السنيورة إنتابته صحوة ضمير مفاجئة جدَّاً، لا على ١١ مليار دولار التي «شفطها» من خزينة الدولة، بل على خطف راهبات معلولا وتفجير الأديرة والكنائس والمساجد، وذلك من أجل تبييض وجهه الأسود أمام رجال الدين المسيحيين الذين يريد ترويج إسم سليمان عندهم. ولكن ماذا عن مخطوفي «أعزاز» الذين كَادَ لهم عقاب صقر أحد خِزمتشية معلِّمه، بالتنسيق مع تركيا وقطر؟! وماذا عن تدنيس المقامات الدينية الاسلامية والمسيحية وشق الصدور وأكل الأكباد وإعدام الأطفال وذبح النَّاس كالخراف والنعاج وآخرها في مدينة عدرا السورية التي ارتكبها أتباع الفكر التكفيري الوهَّابي؟! فهل يتخطى السنيورة جبنه ويسمّي الأشياء بأسمائها؟ وكيف يدين القتل والعنف التكفيري وهو يدعم الإرهابي أحمد الأسير؟!
لقد سبق للعلوش أنْ انتقد مملكة أسياده لعدم السماح للمرأة بقيادة السيارة فكادوا ينفوه إلى «تيزي أوزو» (وهي فعلاً مدينة في الجزائر).
ثم على أي أساس يريد سليمان أنْ يمدِّد لنفسه؟! أنظروا إلى البحر حيث تكمن ثروات لبنان النفطية ومستقبله الناصع ويكمن تحرُّره من التبعية لهذه الدولة وتلك عن طريق الإستقلال المالي والإقتصادي والإكتفاء الذاتي! ميشال سليمان أحبط تعويم الحكومة الميقاتية على علَّاتها، رغم أنَّ البلد واقف وملفَّاته المصيرية معلَّقة كملف النفط والحالة المعيشية الخانقة وانهيار الدولة التي لا تتمكن من مواجهة عاصفة صغيرة، في حين أنَّ العدو الإسرائيلي يكاد يستخرج النفط من الأراضي اللبنانية المسروقة! ميشال خليفة السيِّء الذكر الياس سركيس لا يريد عقد جلسات حكومية ولا تعويم الحكومة لتسيير شؤون الناس وربَّما يتوجَّه إلى تأليف حكومة أمر واقع من دون حزبيين ولو أدَّتْ إلى خراب البلد. وهكذا على خطى سلفه سركيس يمشي سليمان. فالأول بلَّش سوري الهوى مما أدى إلى إنتخابه في «قصر منصور»، مبنى البرلمان المُؤقَّت، تحت القصف الكتائبي و«القوَّاتي» لكنَّه انتهى «بشيرياً» في ختام ولايته!
لقد كسر سليمان الجرة مع القوى التي تمثِّل أكثرية الشعب اللبناني، ولو كان لبنان دولة وليس «خيال صحرا» وأقيم استفتاء حول عهده اللاميمون لكان أكثر العهود سوءاً، طبعاً بعد عهد أمين الجميِّل الذي يحلم هذه الأيام بالعودة إلى قصر بعبدا، وهو كحلم إبليس بالجنَّة. ويتَّكل سليمان في محاولة التجديد له على مملكة العائلة الوهَّابية بعد أنْ دافع عنها ضدَّ مضبطة الإتِّهام الدَّامغة التي تدينها في لبنان وسوريا. لقد إستند في السابق إلى كلام وسام الحسن وأشرف ريفي، الذي تمرَّد عليه وأهانه، حيال تلبيس تهمة تفجيرات ضد الوزير السابق ميشال سماحة وحتَّى الرئيس الأسد نفسه، لكنَّه لا يرى هذا الفيض من الأدلة والقرائن حول تورُّط بندربن سلطان وأذياله في لبنان!؟ لكن الزمن الأول تحوَّل فلا السعودية ولا غيرها قادرٌ على منع التطور الطبيعي الذي لا يقف أمام فريقٍ وازن ومُضحٍّ في سبيل وطنه، من المشاركة في الحياة السياسية لبلده الذي أعطاه كل ما يملك!
ميشال يعمل بكيديَّة واضحة وإذا نفَّذَ مخططه وشكَّل حكومة مهزلة مع تمَّام سلام فلن تحظى بالثقة ولن تكون قانونية لأنَّها لن تتولَّى صلاحيات الرئاسة وستُغرِق البلاد في ظلام دامس من الفوضى والإنقسام الذي سيبقى يقترن بـ«إنجازاته» العظيمة. وإذا لم يتم إجتراح حلٍ ما قبل نهاية العهد، فان الفراغ سيكون سيد الموقف لكنه يبقى أفضل من التجديد أو التمديد!
Leave a Reply