جاءت أحداث الإنقلاب الدموي التي شهدتها غزة في الآونة الأخيرة، بمثابة القشة التي
قصمت ظهر البعير لشعب نالت منه الجراح وأخذت منه الأحزان والآلام كل مأخذ، ما اعتبره الكثيرون في الأوساط الفلسطينية نكبة فاقت في آثارها مجموع النكبات والمآسي لهذا الشعب على مدى ستين عاما. كان يمكن للفلسطينيين تحمل المزيد من التقتيل والتشريد والتجويع والمقاومة، لكنهم غير قادرين على تحمل حروب أهلية، فقد علّمنا التاريخ أن هذه الأخيرة ما أن تحلّ في أمة حتى تبيدها وتجعلها عصفا مأكولا.لا أحد يعرف أو يمكنه أن يتصور سيناريوهات الأحداث القادمة في الأرض المحتلة، لكن الجميع يتفق على أنها أيام سوداء تاريخية تنتظر الفلسطينيين وقضيتهم التي كانت حتى الأمس قضية عادلة ومقدسة، أما وقد زالت عدالتها وقدسيتها بقتل الأخ لأخيه وذبح الأبرياء والتنكيل برفاق السلاح، فهذا ما نزع عن القضية بعدها العربي والإسلامي وحتى الإنساني. «صدى الوطن» أجرت مقابلات مع عدد من أبناء الجالية الفلسطينية في ميشيغن، لتنقل أحاسيسهم وتوقعاتهم وماذا يقولون في شأن ما تم في غزة والذي وصف بعمل إنقلابي داخل السلطة الحاكمة وكانت هذه الردود:
غيداء إبراهيم (طالبة)تركت فلسطين وعمري 10 سنوات، لا أتذكر سوى بيت جدي هناك وشجرة توت خلف المنزل وقنّ دجاج على أطراف الحاكورة، كنت أذهب يوميا أجمع منه البيض، قرية جدّي كانت وادعة وهادئة، لا أتصور أن يسود فيها العنف والقتل، ما أسمعه وما أشاهده أحزنني وكسر تلك الأحلام والذكريات الجميلة، كنت أفكر بعد أن أكبر وأعمل أن أذهب إلى هناك وأمتلك دارا صغيرة حولها مزرعة صغيرة كمزرعة جدي أقضي فيها العطلات السنوية، لكني بعد الآن سألغي أحلامي أو أنقلها إلى مكان آخر في هذا العالم.
عيسى رمضان (رجل أعمال)أخشى أن أقول رأي بصراحة وأتهم بأني مناصر للإرهاب، فالجميع يعلم أن أميركا وراء ما جرى في غزة وهي حضرّت له منذ سنين، فهي التي فرضت الحصار على أهلنا في الأرض المحتلة، وهي التي جلبت حماس إلى السلطة بعدما أفشلت الجهود السلمية التي بذلها عباس وفتح والمعتدلون الفلسطينيون، وجعلتهم كأنهم لم يفعلوا شيئا على مدى أكثر من 12 عاما منذ توقيع إتفاقات أوسلو، وهي التي صورتهم خونة وفاسدين، ما أدى إلى دفع الفلسطينيين لانتخاب حماس وفي ظنّهم أن هؤلاء سيخلصونهم من الإحتلال والقمع والفساد، وها نحن نشهد ما فعله هؤلاء المتشددون من مصائب.
د. لؤي الشلبي (مدير مدرسة)أتوقع أن إسرائيل نجحت في مخططاتها لزرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء الشعب الواحد، وقبلها فعلت نفس الشيء في لبنان ونجحت، وأميركا نجحت كذلك في تفريق الشعب العراقي، والآن جاء دور الفلسطينيين ليذوقوا مرارات الإنشقاق والحروب الداخلية. خوفي أن يستمر هذا الحال إلى مدى طويل ويصبح في الأرض المحتلة دولتان وسلطتان وعلمان، فهذا من شأنه تعزيز الفرقة ومزيد من الإقتتال، وبذلك يتحول هذا الإنقلاب إلى حقيقة دائمة، علينا أن نعيشها ونتعامل معها، وهذا هو أسوأ ما في الموضوع.
فضل عيسى (مقاول)
على مدى السنوات الماضية قمت بزيارة الضفة الغربية مرات عديدة، وأحيانا كنت أمكث هناك شهور طويلة، لكني من الآن فصاعدا سأقلل من زياراتي هناك وربما لا أذهب لزيارة بلدي فترة طويلة، والسبب ما جرى من إقتتال بين فتح وحماس، وأخشى أن يكون رأي هذا سببا في محاسبتي، فالظاهر أن حماس إن حكمت سوف تعامل الناس بشدة وتحاسبهم على مجرد إبداء الرأي وهذا ما لا يرغبه الفلسطينيون، لأن ما عرف عن شعبنا هو الإعتدال والتسامح وحرية التعبير وغير ذلك يعتبر إنتهاكا لأبسط حقوق الإنسان.
محمد فكري (صاحب مطعم)لا أحد ينكر تضحيات حماس وبطولاتها ضد المحتل الإسرائيلي، ولكن هذا غير مبرر لهم أن يقدموا على إنقلاب عسكري ضد فتح، وكان الأجدى بإسماعيل هنية أن يقدم إستقالته منذ شهور وتسليم مقاليد الحكم لفتح باعتبار هؤلاء متمرسون في العمل السياسي، والدليل على ذلك أنه بمجرد تشكيل عباس لحكومة طواريء تخلو من عناصر حماس، أفرجت الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل عن المساعدات للشعب الفلسطيني، أما أن تستمر حماس في تعنتها وشعاراتها المستحيلة، فهذا ما سوف يدفع ثمنه الناس من حياتهم واستقرارهم وازدهارهم.
لؤي حسين (مدير سوبر ماركت)الجميع مذنبون، كان عليهم أولاً أن يتخلصوا من الإحتلال وبعد ذلك ينشغلوا في تقسيم المناصب والسلطات، لكن ما جرى هو درس نرجو أن يستفيد الجميع منه، وعلى أية حال الناس لا يرغبوا مهما كانت الظروف أن يحكمهم نظام متشدد لا إسلامي ولا غيره، والجميع ينتظر أن تحل هذه الإشكالية سريعا، ويتوحد الفلسطينيون مرة أخرى قبل فوات الأوان.
جميلة حسن (ربة بيت)إنني وعائلتي هنا في أميركا منذ 30 سنة، وكنت دائما أشعر أنني في غربة، وكنت أنتظر زيارة بلدي في فلسطين ساعة بساعة، أذهب هناك مرة كل 3-4 سنوات، ولكني من الآن فصاعدا لن أفكر في الذهاب هناك بعد ما شهدته على شاشات التلفزيون من عنف وقتل وتدمير على أيدي من كنت أعتبرهم أبطال وفدائيين، وسأنصح أولادي كذلك بعدم الذهاب خوفا على حياتهم، فالذي يجري في الأرض المحتلة يجلب الهم والغم إلى النفس.
حامد عوض (تاجر سيارات)ما حصل هو إنقلاب عسكري، أنا غير مقتنع به ولا موافق عليه، لأنه لن يكون في مصلحة الفلسطينيين عموما ولا غزة على وجه الخصوص. فحركة حماس لا تجد قبولا في العالم والدليل على ذلك إعادة المساعدات للضفة فور تشكيل حكومة تخلو من حماس. الأفضل لنا هو حكومة وحدة وطنية وإذا تعذر ذلك تظل قيادة فتح أفضل لمصالح الناس وللقضية نفسها، فهم قادرون على التعامل مع دول الجوار والدول الفاعلة في العالم.
Leave a Reply