وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
للمرة الأولى منذ وقت طويل، اجتمع الفلسطينيون على قلب رجل واحد رفضاً لـ«صفقة القرن» التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء الماضي، واضعاً مصلحة إسرائيل وأمنها في مقدمة الأولويات ومتجاهلاً بالكامل، الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
كان لافتاً بل ومستفزاً، حضور ممثلين عن دول عربية هي البحرين والإمارات وعُمان للإعلان عن خطة ترامب بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في دلالة واضحة على القبول بل وحتى الترحيب بـ«الصفقة» التي لم تجد لها بعد، يداً فلسطينية ممدودة.
ولعل أبرز ما جاء في الخطة التي هندسها صهر الرئيس جاريد كوشنير، والتي ستمول عربياً وتحديداً من قبل السعودية، التقويض التام لفكرة قيام دولة فلسطينية حقيقية عبر ضم معظم المستوطنات إلى إسرائيل.
وفي أبرز بنود الخطة التي وردت في ٨٠ صفحة:
– إبقاء السيطرة الإسرائيلية على الجولان المحتل.
– إنشاء نفق يربط أجزاءً من الضفة الغربية وقطاع غزة.
– 87 بالمئة من أراضي المستوطنات في الضفة الغربية ستُضم إلى إسرائيل.
– على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية إسرائيل.
– الاكتفاء بإعادة 50 ألف لاجئ كحد أقصى، وعلى فترة تمتد عشر سنوات، وتوطين اللاجئين حيث هم في الدول التي هُجروا إليها.
– الإبقاء على القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل.
– إسرائيل هي من ستحمي الأماكن المقدسة.
الموقف الفلسطيني
هي «صدمة» وربما «خيبة كبيرة» بحسب عضو اللجنة المركزية في حركة «فتح»، عباس زكي الذي اعتبر أن صفقة القرن هي بين شخصين مأزومين وغير سويّين، أحدهما يُحاكم بتهمة الفساد، والآخر يواجه احتمال الإقصاء والعزل.
وأكد زكي أن خطة ترامب ليست صفقة سلام، بل هي إسدال للستار على نهايات مؤلمة للشعب الفلسطيني، مؤكداً أن «ثمة قرارات ستتخذ لا رجعة عنها»، وهناك المزيد من الإجراءات التي سيعبّر بها الفلسطينيون عن رفضهم لتلك الصفقة، إضافة الى العمل على خطة مشتركة «لإرباك العدو وإنشاء قيادة موحدة من خلال إنهاء الانقسام الفلسطيني–الفلسطيني».
وأضاف أن كل الوسائل الممكنة ستستخدم من أجل «إنهاء الاحتلال وتصويب المسار ووضع استراتيجية جديدة، وإذا كانت حركة الاحتجاج تبدو خجولة اليوم، فهي كذلك لأنها في بدايتها، وكل بداية صعبة، والشعب في حالة حصار مطبق، أما الأيام المقبلة فستكون واعدة وسيتم إرباك الاحتلال في اقتصاده وأمنه وكل حركته».
إحراق صور ترامب
وحول ما سرّبته إحدى الصحف اللبنانية عن تعميم داخلي كانت قد أصدرته السلطة الفلسطينية بمنع إحراق صور ترامب والعلم الأميركي ومنع حدوث مواجهات واسعة مع قوات الاحتلال، ينفي زكي ذلك بشدة، مؤكداً أنه كعضو في القيادة الأولى لم يسمع مطلقاً بقرار كهذا، بل على العكس، أُعطيت كل التوجيهات لرفع الصوت وبقوة، ولا سيما في مناطق التماس.
أما عن استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال فقد أشار زكي إلى أنه تم طرح مسألة وقف كل أشكال التعاون الأمني مع الاحتلال وتطبيق قرارات المجلس الوطني التي اتُخذت عام 2015 و2017 إلى يومنا هذا، ولم يعد يستطيع أحد من مؤيدي السلام أن يقول استسلموا أو سلّموا أرضكم، أو فلتصبحوا من ساكني هذه الأرض القابلين للطرد منها في أي وقت، متوجهاً إلى من يعتريه الإحباط بالقول إن الأمل بالسلام قد قُضي عليه بعد إعلان صفقة القرن، معتبراً أن أميركا واسرائيل هما عدوان للشعب الفلسطيني.
وعن الحديث عن توجه حقيقي للسلطة الفلسطينية إلى إلغاء اتفاقية أوسلو، أكد عضو اللجنة المركزية في حركة «فتح» أن اسرائيل هي من ألغت أوسلو، وأن الفلسطينيين كانوا يريدون السلام ولا يزالون، واسرائيل تتحمل كامل المسؤولية عن كل ما حصل من تجاوزات واعتداءات نفذتها، ليس فقط بحق الفلسطينيين بل بحق المجتمع الدولي، الذي أقر نحو 86 قراراً متعلقاً بفسلطين، ونحن –أي الفلسطينيين– دعونا تلك المنظمات الدولية كلها يوم السبت المقبل إلى مؤتمر لوزراء الخارجية العرب، لكي نشهد الموقف العربي على حقيقته، مشيراً إلى محطات عديدة أخرى، منها منظمة الوحدة الأفريقية حيث سيتوجه الرئيس عباس إلى أديس أبابا وإلى الأمم المتحدة في نيويورك، مع الإصرار على خوض المعركة للحفاظ على الحقوق الفلسطينية وعدم إعطاء المبرر لإسرائيل لمواصلة قضم الأراضي، معولًا على دور روسي–صيني.
حركة سياسية ناشطة ستشهدها الأيام المقبلة، لكنها حتماً ستترافق مع تصعيد ميداني سيأخذ مداه في المقبل من الأيام. فالباب مسدود، هذا ما يؤكده زكي، و«كل شيء من الحقبة الماضية قد انتهى، والكلمة اليوم للمقاومة من أجل تثبيت الحدود»، مشدداً على ضرورة تحقيق الوحدة مع مراعاة التخطيط اللازم والحسابات الدقيقة، كي لا يكون العمل على الأرض متسرعاً أو انتحارياً و«لكن حتماً لا عودة إلى الماضي».
زكي توجه إلى المجتمع الدولي طالباً منه عدم الانحياز لإسرائيل، أما أميركا فقد اعتبرها العدو الأول، ولم يعد مقبولاً بعد اليوم ما يطرحه بعض العرب بأن تكون راعية لعملية السلام، فيما هي مصدر التنكيل الحقيقي بالشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني سيبهر كل الذين علقوا عليه الآمال بصموده وشجاعته.
إنهاء الانقسام
وعن المساعي الجارية لإنهاء الانقسام بين الضفة وغزة، يؤكد زكي أن الأمور تسير على ما يرام، وهي «تبشّر بالخير»، مشدداً على أهمية عدم التأخير في إنجاز الوحدة بعد هذا «الحدث الرهيب»، في إشارة إلى صفقة القرن.
وأضاف أن الأمور «ستأخذ منحى خطراً والجميع مطالب اليوم بتجاوز الأمور الشخصية والمصالح الضيقة في سبيل الوطن»، مؤكداً أن الجميع يستشعر الخطر بسبب صفقة القرن، حتى في داخل إسرائيل نفسها، والاجتماع الأولي الذي عُقد في رام الله بحضور كل الفصائل بما فيها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» كان إيجابياً وسيُبنى عليه.
ويلفت زكي إلى أن الطريقة الرعناء التي أُعلنت فيها «صفقة القرن»، والحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة على الشعب الفلسطيني، دفعتا الجميع إلى الوحدة، مع التأكيد أن العمل يجب أن يكون مدروساً ومجدياً، مشيراً إلى أن العمل الشعبي سيتصاعد وصولاً إلى العصيان المدني، الأمر الذي سيعطّل حياة إسرائيل أكثر بكثير من معركة عسكرية قد تنتهي بعدد كبير من الشهداء وبوقف لإطلاق النار.
مقاومة الاحتلال قرار نهائي
ثمة قرار نهائي باستخدام كل الوسائل لإنهاء الاحتلال ومحاربة المشروع الأميركي في المنطقة وأداته المتقدمة اسرائيل التي يقوم بتزويدها بكل أنواع التكنولوجيا العسكرية الحديثة، مستعدياً العرب وكأنهم «سقط متاع» رغم الخذلان الذي يشعر به الفلسطينيون من أشقائهم العرب، يقول زكي. «لن نكفر بعروبتنا ولا بعقيدتنا»، و«فلسطين وشعبها سيسددان عجزكم يا من أدرتم ظهوركم لمهد السيد المسيح ومسرى الرسول وفرّطتم بقضيتكم المركزية».
هنا لا يغفل زكي الإشارة إلى دول وقفت بكل جرأة في وجه أميركا وسمّتها الشيطان الأكبر وسمّت إسرائيل السرطان في المنطقة، ويثمن عالياً «وضوح الرؤية لديها وشجاعة الموقف والوجدان النظيف«، في إشارة إلى إيران وموقفها من القضية الفلسطينية ودعمها الدائم لها.
مفاعيل إعلان صفقة القرن ستسقط حتماً ولن تبصر النور والأمل والألم يوحدان الشعب الفلسطيني الذي لا يعرف الذل والخنوع، وفق زكي.
محاولة ترامبية
من خلال قراءة سريعة لبنود الصفقة يترسخ الانطباع أنها حِيكت على قياس المصلحة الإسرائيلية، ووفقاً لما تقتضيه مقوّمات استمراريتها كدولة قوية تتسيد محيطها من خلال دعم غير محدود من قبل الراعي الأميركي.
إدعاء الرغبة في السلام ليس كافياً ليتمكن الرئيس ترامب من إقناع العالم بصفقته، التي هي أبعد ما تكون عن أبسط قواعد العدل. كيف لا وهي تصادق على طرد شعب بأكمله من أرضه لتجعله شتاتاً في مختلف أنحاء العالم ثم تعود لتمنّ عليه بمساحة صغيرة مقطّعة الأوصال تشبه كل شيء إلا الدولة بمفهومها السياسي والجغرافي، وتخضع ذلك الشعب الذي هو في الأصل صاحب الأرض لسلطة المحتل، بل وتمنعه حتى من لم شمل شتاته من خلال إسقاط حق العودة وطلب توطين اللاجئين حيث هم في بلاد لا ينتمون إليها، وربما هي نفسها قد ضاقت بأهلها.
أما القدس فقد عادت قدساً موحدة لا شرقية ولا غربية لكن هذه المرة عاصمة لـ«دولة يهودية» بحسب صفقة ترامب وليذهب الفلسطينيون وليخترعوا لأنفسهم عاصمة جديدة ربما تكون في أبو ديس وجزء من مخيم شعفاط.
مقايضة رخيصة
تتضمن صفقة القرن عرض عشرات مليارات الدولارات على الفلسطينيين، وقد يُخيل للرئيس الأميركي أن بإمكانه مقايضة الاحتياجات الغذائية والإنسانية للشعب الفلسطيني، بالأرض، وقد يتوهم أيضاً أنه بعد الخيبات الأميركية المتتالية في الشرق الأوسط، من العراق إلى سوريا مروراً بلبنان ووصولاً إلى اليمن، ربما يستطيع تعويم صورة السيد الأميركي الذي يفرض قراراته على العالم ويتحكم في مقدرات البلاد والعباد.
منطلق هذا الوهم يستند أساساً إلى خنوع عربي فاضح وصمت مريب، يفيد بالرضا والقبول بسرقة أرض فلسطين، كأن العرب قد نسوا أن فلسطين ليست جغرافيا فقط، وأن قيمتها لدى الشعوب تتجاوز البعد الجغرافي نحو بعد إنساني موغل في التاريخ، فهي قبلة المسلمين الأولى وفيها أبصر النور مسيح السلام.
أوهام ترامب والإسرائيليين بتمرير صفقة القرن ستسقط حتماً، وستعود فلسطين إلى أهلها.
Leave a Reply