صباح الأحد الماضي، قصفت القوات الإسرائيلية حي الشجاعية في شمال غزة قصفاً عنيفاً مما أدى إلى ازالة معالم الحي فقتلت 67 مدنياً على الأقل، تناثرت جثثهم في الشوارع في حين كان عمال الإنقاذ يكافحون بصعوبة بالغة لإسعاف الجرحى وسط استمرار القصف. كانت مجزرة مروّعة جرت عن سابق إصرار وتصميم من القوات الفاشية الإسرائيلية التي ارتعدت فرائص قوات النخبة فيها مثل لواء «غولاني» من ضربات المقاومة بعد أنْ قتلت قائد هذا اللواء غسان عليان. وجاء قصفها لهذا الحي الشجاع ليس لأنه معقل «لحماس»، كما إدعت بعض وسائل الإعلام الصهيونية ورديفاتها في الغرب وحتى الشرق. كانت هذه المجزرة فعل جنون للثأر من حقيقة باتت أكثر وضوحاً مع مرور الساعات والأيام: الفلسطينيون يكسبون الحرب ويحاصرون جلادهم!
لقد فشل الغزو البري في غزَّة فشلاً ذريعاً حتى الآن بالرغم من جهنمية ووحشية آٓلة القتل الإرهابية الإسرائيلية الفتاكة الموجَّهة ضد المدنيين فقط بهدف إركاع غزَّة العزَّة أو إجبار الشعب الفلسطيني بالتخلي عن مقاومته. وحتى صباح يوم الخميس الماضي، لقي 32 جندياً اسرائيليياً حتفهم وتم أسر جندي واحد. هذالرقم لقتلى الجيش الإسرائيلي، الذي كان حصيلة أقل من أسبوع على بدء العدوان الإسرائيلي، لم يسبق له مثيل في تاريخ عمليات التوغل البرية داخل الأراضي الفلسطينية.
ولئن كان صحيحا أن عدد القتلى في الجانب الفلسطيني هو أعلى بحوالي 20 مرة منه في الجانب الإسرائيلي، فإنَّ قصف المدنيين عشوائياً وبشكل جماعي من قبل سلاح الجو المتطور والمدفعية الثقيلة التي تُستعمل ضد جبهات لا ضد أحياءٍ سكنية، ما هو إلا دليل الضعف والفشل العسكري، وليس النجاح.
«عملية الجرف الصامد»، وهو إسمٌ الحرب الإسرائيلية البربرية على غزة، لم تحقق أيٍاً من أهدافها، ما عدا هدفاً واحدآً غير مُعلن وهو معاقبة جماعية للشعب الفلسطيني.
فالهجمات الصاروخية من قبل المقاومة الفلسطينية على كل أنحاء فلسطين التاريخية لم تتوقف، وشركات الطيران الدولية أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل على مدار الأسبوع بسبب الصواريخ التي تطلقها «حماس» و«الجهاد الاسلامي» وباقي فصائل المقاومة وذلك يحدث لأول مرة في تاريخ الكيان الغاصب مما يشكل ضربةً له معنوية واقتصادية جسيمة.
والفلسطينيون هم الآن في وضع يمكّنهم من التفاوض على شروط خاصة بهم لإنهاء الحصار الجائر المفروض على غزة، بعد أنْ تجاوزت الخسائر الإسرائيلية أكثر من طاقة حكومة الاحتلال ومؤيديها على تحمُّلها، بينما تمكَّنت المقاومة الفلسطينية من إثبات أنَّ الظلم الناجم عن الاحتلال والحصار الخانق لا يمكن ان يستمر إلى ما لا نهاية أمام سمع العالم وبصره دون رد فعل مناسب من ضحايا العدوان.
غير أن خسارة إسرائيل لا تقتصر على الميدان العسكري فحسب، بل يسجِّل الشعب الفلسطيني نجاحاً باهراً أيضاً على جلاده في الحرب الإعلامية الافتراضية. ففي عصر وسائل التواصل الإجتماعي، التي هي عبارة عن صحافة واعلام المواطن والبث الحي الواقعي، فلتت من قبضة وسائل الإعلام الرئيسية السائدة التي تحابي إسرائيل عموماً وتجافي الحقيقة ولكنها اليوم لم تعد تحتكر سيل المعلومات بعد أن تفوقت عليها وسائل التواصل الإعلامي على الإنترنيت وأصبحت تكشف الحقائق بثوانٍ معدودة.
فأشرطة الفيديو للهواة التي سُجِّلت ونُقِلتْ عبر الهواتف المزودة بكاميرات، والتغريدات على «تويتر»، وصفحات «الفيسبوك» التي امتلأت بالصور و«الهاشتاغات» المتضامنة مع الشعب الفلسطيني بدأت تظهر الجانب الآخر من قصة كفاح وصمود الشعب الفلسطيني التي طالما حاول الإعلام الصهيوني والغربي طمسها. وفي حين أظهر استطلاع «بيو» للرأي الأسبوع الماضي أن معظم الأميركيين ما زالوا يؤيدون إسرائيل، للأسف بسبب عمليات غسل الدماغ التي يمارسها الإعلام الصهيوني لفترة طويلة، إلا أنَّ القصف الإجرامي للمدارس والمستشفيات والاستهداف المتعمد للمدنيين الفلسطينيين بدأ يظهر للعيان أمام الجمهور الأميركي. وهي ليست سوى مسألة وقت قبل أن يبدأ الرأي العام الأميركي بالتحوُّل، الأمر الذي قد يؤدي للضغط على مسؤولينا المنتخبين لإعادة النظر في الدعم المالي والعسكري والسياسي الأعمى لإسرائيل.
هذا التحوُّل بدأت تباشيره بين كبار الشخصيات العامة في أميركا، بمن في ذلك الفنانين والرياضيين، الذين كتبوا تعليقات مؤيدة لغزَّة على وسائل الاعلام الاجتماعية وهذا لم يكن ممكناً تصوره قبل 15 عاماً.
إنَّ الذي يجري فعلياً اليوم هو رسم مقارنة بين فشل العملية الإسرائيلية في غزَّة وهزيمة إسرائيل في لبنان في مثل هذا الشهر من عام 2006. ويبدو أنَّ شهر تموز (يوليو) أصبح فألاً سيئاً على آلة الحرب الإسرائيلية.
وإلى أنْ يدرك مجرمو الحرب في إسرائيل بشكل واضح أن هذه الحرب لا يمكن كسبها أو الربح فيها، عندئذٍ سوف يهرع حلفاء إسرائيل في القاهرة وواشنطن وغيرهما من عواصم العالم الغربي.. والعربي للأسف!، لإنقاذها من خلال اقتراح خطة لوقف اطلاق النار يكون مقبولا هذه المرَّة من الفلسطينيين الذين حققوا أسطورة المقاومة والصمود.
هذه الحرب ستؤدي حتماً إلى تغيير طبيعة الصراع وتجبر إسرائيل ورعاتها على إعادة التفكير في السياسات العنصرية البغيضة ضد فلسطين وشعبها، كما أنها ستعيد رسم خريطة التحالفات السياسية في الشرق الأوسط.
«صدى الوطن»
Leave a Reply