قدمت “فرقة مسرح أجيال” في ميشيغن عرضها المسرحي الكوميدي الجديد “شوفو الواوا وين” على مسرح “مركز فورد الثقافي” في ديربورن. والمسرحية من تأليف ناجي مندلق واخراج الفنان عبد الرحمن القادري.
تميز العمل بالنص الدرامي الشعبي الذي كتبه المؤلف اللبناني بلهجة لبنانية ممزوجة بلغة إنكليزية مكسرة لغرض الإضحاك وتوصيل موضوعته المسرحية التي من أجلها كتب هذا النص ليؤكد لنا أن فكرة البحث التي يقوم بها الجميع والمشكلات التي تحيط بالعربي المهاجر من بلده الأم نتيجة الإخفاق الحكومي والسياسي الذي يستشري في أوطاننا من ظلم وقهر وتمزق في داخل الطائفة الواحدة، رافضا ً الاحتيالات والخدع التي تبناها بعض من أفراد الجالية وخاصة المشاريع الملتوية والبحث عن “غرين كارد” بطرق غير مشروعة واقتناص الفرص الضائعة التي تسهم في وضع العربي في خانة الاتهام التي تكون صورة سيئة عن أبناء جاليتنا.
ولحسن الحظ فقد توافرت لهذا النص المسرحي العديد من المساحات المرتجلة من قبل الشخصية الرئيسية المتمثلة في “أم حسين” وشخصية “أبو الياس” شاكراً الرئيس الأميركي الحالي أوباما وواضعا ًأصبع الاتهام على بعض الشباب من أبناء الجالية العربية السائرين على دروب السرقة والاحتيال من البنوك وفي التخطيط لاقتناص الفرص الضائعة والمشاريع الملتوية ونحن نعيش تفاقم الأزمة المالية في العالم، منبها ً الجالية الى النضال والوقوف يد بيد من أجل تغير صورة العربي الأميركي عبر خطابات بسيطة وعميقة.
وحين نتحدث عن الضحك والهزل والسحر والفانتازيا نشير الى ما يدهش وهو ما صنعه على الخشبة المسرح الفنان ناجي مندلق مع فريقه عبر اليات عديدة مكنته من الخوض في تفاصيل واقعنا المهجري الذي نعيشه عبر مغامرات تثير تناقضاً يحدد الحالة التي رسمها. فالتراجيديا والدراما والكوميديا كما هو معروف تصدق الحدث بكونه حادثة متسببة عن حالة ما، مبتعدا عن الخطابات الزاعقة التي تنادي بالشعارات التي أكل الزمن عليها وشرب.
لمثل هذه الأعمال التي تقدم هنا وهناك أثر فعال، فمع خلو الساحة العربية المهجرية من المسرح الجاد وعدم استطاعة المهتمين بالمسرح في تقديم عروضهم ومشاريعهم التي يصبون إليها وذلك بسبب الانتاج وقلة الداعمين له، يعكس المسرح التجاري الذي يستقطب معظم أبناء جاليتنا العربية ليصبح متنفسا للجالية ومساحة لطرح همومهم ومشكلاتهم، وذلك متاح عندما يتكاتف الجميع وتتوج جهودهم بالعرض المسرحي المطروح ليلة أو ليليتن على الأكثر وهم مصممون على أداء رسالتهم.
ففرقة “مسرح أجيال” عودت جمهورها على تقديم أعمالها المسرحية وفق مقولة المخرج السينمائي والمسرحي الكبير أنغمار برغمان من أن العرض المسرحي يمكن أن يقام “بنص أو فكرة نص وممثل وجمهور” منطلقاً من فلسفته ومؤكدا ً على فلسفة “برغمان” باعتبار المندلق مؤلفاً وممثلاً كل ما يحدث موجدا، ولم يعد هذا الأمر مسألة إدراك بل هي مسألة حكم وهذا الحكم ليس فقط من خلال واقع الممثل الذي يجعل الفعل حاضرا عند التمثيل بل من خلال المشاهد والفنان الموهوب.
فاختيار النص واختيار العناصر المكملة مثل السينوغرافيا التي يخلقها المؤلف والمخرج معا تصب في خدمة العرض المسرحي، فتحقيق الذات من خلال النص المطروح هو الهدف الأساسي الذي يسعى اليه معظمهم لكون الفنان مندلق مع كادر العمل هم ابناء الجالية، ما يصيبهم يصيب الجالية العربية، فلا بد أن نوفر له المناخ والظروف الإنسانية الملائمة كي يبدعوا وعبر هذه المقالة أوجه ندائي الى كل المؤسسات لدعم مثل هذه الأعمال خدمة للمسرح العربي وتطلعاته في جاليتنا، ولا نقول إن عرض مسرحية “شوفو الواوا وين” استوفت كل شروط النجاح على المستوفى الفني والإبداعي بل فيها الكثير من الهنات منها أن المخرج هو المسؤول عن سلبيات وعيوب العرض المسرحي ومنها الخطة الاخراجية التي تتبدى في عدم استفادة المخرج من امكانية القاعة من خلال توظيفه للضوء وللتكنولوجيات الجمالية التي لم تكتمل نظراً لتواضع خبرة ممثليه الجسمانية والصوتية وهم حسن حاج وحسن صفا وريما ايمن.
وعدم استغلال المكان وتوزيع حركة الممثلين بشكل متناسق كما نلاحظ في مشهد القتل وخاصة عندما يطلق “أبو الياس” الرصاص على زوجته “أم الياس”، بالرغم من ضبابية المشهد وبالتالي فإن المخرج بهذه الطريقة يخل بجماليات عناصره ويكسر تدفقه وحيويته وينتقص من تكامل عناصره. إذن الميزة الوحيدة لهذا العرض هو الاداء المدهش والسلس لبطله الفنان ناجي مندلق وقدرته على التلوين والتعبير بالحركة والتحول من حالة الى أخرى. ويمكن القول ان هذا النمط من العروض المسرحية يضطلع فقط في طرح أفكار مجردة ومناقشتها دون تحويلها إلى لغة بصرية قادرة على إنتاج مفردات قابلة للتأويل الفكري ويرجع ذلك إلى طبيعة النص وطريقة معالجته على خشبة المسرح، بيد أن العرض المذكور يبقى رقما في سجل العروض العربية المهجرية.
Leave a Reply