ما أن يصدر أمر رئاسي غير معلن، لرفض أي فكرة مطروحة تأتي من خارج السلطة الحاكمة، أو تأييد مقترح ما يأتي دائما من السلطة نفسها، حتى يتسابق ساسة الحزب الحاكم في نشر تصريحاتهم وآرائهم الاعلامية الرافضة للفكرة والداعمة للمقترح، بصورة مضحكة ومخجلة في آن واحد، خاصة عندما يتحدث ويكتب أولئك عن شيء لا يفهمونه كالنظام الفيدرالي، المطروح كخيار من القوى السياسية في الداخل والخارج وعلى رأسها قوى المعارضة في ملتقى التشاور الوطني.
قبل عدة أشهر خرج الدكتور الارياني برؤية متخلفة، رأى فيها بعد تحليل عميق دعمه بخبرته “الطويلة” في عالم السياسة بانفصالية النظام الفيدرالي (رغم أنه حسب ملفه الشخصي تعلم وتخرج وعاش في أميركا الفيدرالية) ثم انضم لرؤيته المتخلفة تلك عبدالله غانم وآخرون من كتاب السلطة ومن الذين يكتب بأسمائهم دون علمهم، وأخيرا خرج إلينا نصر طه مصطفى ليعلن بفرح كبير وسرور عظيم، اكتشافا سجله بإسمه الشخصي ونال بموجبه براءة “التشبيه القبيح” للفيدرالية بزواج المتعة.
كرئيس لوكالة الأنباء اليمنية “سبأ”، المملوكة لعلي صالح وحزبه الحاكم “بيت نصر منذ سنين” وجب عليه رفض رؤية أهل التشاور، إستجابة للأمر الصادر من القصر، مع ملاحظة أن نصر لو كان باقيا في حزبه القديم (الإصلاح) لكتب عن الفيدرالية كنظام عظيم سيحمي الوحدة ويعمق الشراكة الوطنية وينهي “الحوثيين” وينكر تدخل إيران في شؤوننا، وسيؤدي الى اصطفاف وطني يمكن منتخبنا الوطني لكرة القدم من إحراز كأس العالم، والأهم من ذلك أن بني ضبيان ستتوقف عن الاختطاف في نفس توقيت توقف الحكومة عن إختطاف الناشطين والصحفيين وستستحي الاجهزة الامنية وتطلق سراح الأستاذ محمد المقالح، وتؤدي نقابة الصحفيين عملها بدون سين أو جيم.
يعتقد نصر طه في نظريته “الممتعة” أن بقاء الحال على ما هو عليه أمر لا يحتاج إلى نقاش، لأن ذلك في مفهومه يعني الحفاظ على الوحدة الإندماجية التي كانت أساسا لكل المشاورات في عهد التشطير، والواضح انه بمفهومه ذلك عجز عن التمييز بين الواقع المعاش اليوم، وبين مشاورات التشطير التي سعى أهل اليمن من خلالها لتحقيق وحدتهم الوطنية لينتج عنها مشروع بحجم قداستها، أصبح اليوم معرضا للخطر بفعل الممارسات التي يرى نصر طه أن معظمها حدث دون قصد، كتسريح عشرات الألاف من الموظفين دون مراعاة لمؤهلاتهم العلمية والأكاديمية واوضاعهم الأسرية، والإساءة المتعمدة للقادة الجنوبيين في الإعلام الحكومي بأسلوب لا يمت للأخلاق وقواعد الخلاف في شيء، كما أن نهب الأراضي الشاسعة وتدمير ميناء عدن عن طريق الفساد المنظم، ومواجهة المظاهرات السلمية بالرصاص الحي في كل مرة أمور حدثت “بحسن نية” ودون قصد في مسيرة المنتصر للحفاظ على الوحدة الإندماجية!!
يستغرب نصر طه (مع أنه لو كان باقيا في الإصلاح لما استغرب) أن يقع أناس يحسبهم راشدين في فخ الفيدرالية كجماعة الإنقاذ والتشاور، مصورا ذلك بالزلة الكبيرة والخطأ الذي لا يغتفر لعدة أسباب أهمها كما يرى، ان المشكلة ليست في الوحدة بل في الأخطاء التي حدثت، وهذه عبارة تنم عن رداءة التحليل وفقدان الشعور بالمسؤولية الناتجين عن ترديد موال سلطوي يبعث على الغثيان، وهو إشهار سيف الوحدة كل ما طالب الناس بالتغيير والتصحيح وتحقيق مطالبهم المشروعة، وإخراج الوطن من بين فكي “نظام التّيه” الذي ابتلع كل شيء، وإعادته الى طريق الدولة وحكمه بأحد الأنظمة المتعارف عليها في دول العالم.
يؤمن نصر طه إيمانا عميقا كسائر المؤمنين بـ”فخامته” أن علي عبدالله صالح سعى إلى الوحدة سعيا لم يأته الباطل من أي مكان، ولذلك عرض “فخامته” الخيار الفيدرالي كخيار مرحلي لأن المهم بحسب كلام “المؤمن نصر” أن يمضي الحزب في خيار الوحدة، قاصداً بذلك أن الوحدة صنيعة علي عبدالله صالح وثمرة لمساعيه التي جعلته يطرح الخيار الفيدرالي لأن (الفيدرالية خير من اللاوحدة) وهو بكلامه هذا يحاول جاهدا مغالطة التاريخ قبل الناس، فقد كشفت الأحداث أن الوحدة تحققت كنتيجة لنضال شعب ومن العار تجاهل وتناسي ذلك، كما أن شهادة علي عبدالله صالح في حديث متلفز نقل من محافظة تعز قبل حرب 94، تثبت أن علي سالم البيض كان رجل المرحلة بامتياز، يوم أن قال ويده على كتف البيض… لولا هذا الرجل لما تحققت الوحدة، وهو من اختار الإندماج مخالفا رأي الحزب طمعا في التعجيل بوصول حلم كل يمني، وعليه فقد تنازل أبناء الجنوب يومها عن كل شيء من أجل وصول ذلك الحلم الوطني العظيم (كرسي الرئاسة، العاصمة، العملة، حتى الخيار الفيدرالي… الخ)، فيما لم يتنازل نظام علي صالح عن أي شيء يومها، وها هو الآن يرفض تقديم أي تنازل من أجل الحفاظ على وحدة البلاد بعد ان قتلها في النفوس، وهنا بالذات أنصح نصر طه إن كان حريصا على الوحدة كحرص “فخامته” أن يكتب بما يتوافق ومصلحة الوطن وبقاء وحدته عبر اعتماد الفيدرالية كخيار سيصحح كوارث النظام القائم ويعيد سفينة اليمن الى برالأمان.
لا يمكن قبول اكتشاف نصر طه ولا حتى ما قاله عن أهل التشاور,الذين نعتقد أنهم اجتهدوا واحسنوا ولم يقعوا في أخطاء فادحة كما قال,فقد نسفوا برؤيتهم المنطلقة من واقع اليمن المنكوب ما ذهب إليه رئيس وكالة الأنباء الرئاسية عندما قال “ومنها أنهم يعلمون أنهم طرحوا هذا الخيار المضاد لعجلة التاريخ محاولة لإرضاء تيار الحراك الإنفصالي”، كما أنهم كشفوا حقيقته وأوقعوه في زلات معيبة أثبتت جهله الشديد بالتاريخ والأنظمة، وأكدت تمترسه خلف نظام لا يستطيع ولو على أقل تقدير مخاطبة الناس بالحسنى فكيف بالحفاظ على وحدة البلاد.
حاولت جاهدا التعرف على “عجلة التاريخ” التي قصدها نصر فلم استطع، لأن النظام الذي يمثله دمر العجلة من الأساس، ليقف تاريخنا في مكانه محملا بالفوضى والفساد والحروب والقتل والدمار، ولحظة استشعار القوى الوطنية لدورها وسعيها لإصلاح العجلة عبر الخيار الفيدرالي الذي لا يكسر، ثم الدفع بالوطن ليتجاوز محنته، يصمم الحاكم وحزبه ونصر وأمثاله على البقاء في نفس الدوامة غير مدركين أن ذلك سيؤدي إلى الانفجار العظيم، بعد أن أسس لذلك الحزب الحاكم المتخصص في صناعة العبوات الناسفة وزرعها في جنوب وشمال البلاد، كما حاولت عند قراءتي نظرية “المتعة” لنصر طه التعرف على نوع النظام المحكومة به بلادنا، فلم أنجح في ذلك ولهذا أتقدم بالتماس عاجل إلى رئيس الوكالة أطالبه بتحديد نوعية ذلك الحكم العجيب الغريب إن كان يريد إقناعنا برؤيته “الممتعة” عن الفيدرالية.
سنتعرض للنظام الفيدرالي في الجزء الثاني من هذا الموضوع، بغرض إفهام نصر طه وإثبات الإصرار العجيب من الحزب الحاكم وقادته على تجهيل شعبنا مستغلين في ذلك حبه لوطنه كقول الإرياني بانفصالية النظام الفيدرالي الذي يثير رعب وخوف النظام الحاكم، ويدفع للتساؤل عن تصميم الرئيس ومن معه في الحزب على قيادة البلد تحت نظام لا تعريف له، سمته الفردية المطلقة والمركزية المفرطة التي تتنافى وروح العصر، والحزب الحاكم بذلك يصر على إقصاء الشعب من الشراكة في صنع القرار وإدارة البلاد أسوة بالدول الديمقراطية في مختلف دول العالم.
سيقول البعض من المنتفعين أن إدارة البلاد باسلوب النظام القائم أفضل الطرق لبقاء الوحدة، وتلك مقولة أصبح الجميع كافرا بها باستثناء أولئك المنتفعين، والحقيقة أن الخوف على المصالح الشخصية الحقيرة والرغبة في تقزيم الوطن وتحويله إلى ملكية خاصة للعائلة ومن والاها، سبب رئيسي لرفض أي خيار تصحيحي كالفيدرالية مثلا، وهنا بالذات أدعو القراء الكرام للتفكير في طريقة تعيين المسؤولين في البلاد من قبل رأس السلطة دون مراعاة للشعب ومصالحه وأحقيته في إختيار من يحكمه على مستوى المحافظات، حيث يتم تعيين محافظ أو مدير أمن أو قاضٍ في محافظة عدن مثلا من مناطق أخرى من البلاد كسنحان أو خولان أو أي مكان آخر,والتعيين يخضع لمعايير التزكية والولاء لمراكز القوى، كما أن المعينين وأغلبهم جهلة بالعمل الإداري ويتميزون بـ”النخيط العالي” يأتون ليديروا محافظة مدنية من الطراز الأول,وعليه تحدث أخطاء قاتلة بسبب جهل أولئك وتصرفاتهم الخارجة على القوانين مجتمعة، وهذا يعني أن أبناء المحافظة الأحق بتلك المناصب (محافظ، قاضي، مسؤول أمن… الخ) عن طريق اختيارهم من أبناء المحافظة نفسها، لأن كل واحد منهم سيعمل وتحقيق مصالح الناس هدف أساسي بسبب علمه بأن بقاءه في منصبه مرهون بصوت الناخب القادر على إقصائه حال تقصيره في عمله.
هكذا تدار الأمور وهكذا يهمش المواطن وتنزع حريته تماما، مثلما تنزع أمواله بطريقة مخالفة لكل القوانين، والصورة تتضح في محافظة مأرب مثلا الغنية بالنفط,حيث يتم استخراجه وبيعه واستخدام امواله في بناء القصور واستيراد السيارات دون أن تنال المحافظة أي شيء من تلك الأموال، والأصح أن تنال نصيبها أولا في تحقيق كل ما تحتاجه من المدارس والمستشفيات والطرق، ثم تورد الأموال من قبل المحافظة إلى خزينة الدولة لإنفاقها في المحافظات الأخرى.
نظام التعيين ونهب ثروة الوطن هو النظام الذي يدافع عنه نصر طه، مشبها أحقية الشعب في اختيار من يحكمه ويحسن تنفيذ رغباته وإدارة امواله عبر النظام الفيدرالي بزواج المتعة، ومصورا ذلك النظام بعكس التاريخ متعاميا عن أن الدول التي تحكم العالم اليوم تحتكم لذلك النظام لأنه أنسب ما وصلت إليه العقول السياسية بصفته الممثل لخيار الشعوب والمحقق لمتطلباتها وتطلعاتها.
Leave a Reply