فاطمة الزين هاشم
يشكل الفـيسبوك اليوم جزءاً من حياة ملايين البشر ويأخذ معظم وقت فراغهم الذي من المفروض أن يقطعوه مع عوائلهم أو بأعمال مفـيدة تدرّ عليهم بالمنفعة، كم هو محزن حين نقارن وضعَ العائلة المتفكّك اليوم عمّا كان عليه من تماسك بالأمس، حيث كانت العائلة تجتمع فـي المساء بعد عودة الأهل من العمل والأولاد من المدارس أوالجامعات يتحلّقون حول طاولة الطعام وكل فرد منهم يستعرض ما أنجزه خلال اليوم، كما يتكلّم الأهل عمّا صادفهم فـيه من أمور مختلفة مفرحة أو محزنة، مريحة أو متعبة، وتكاد لا تخلو من مفارقة، حيث يأخذ النقاش طابعاً حميميّاً ممّا يشدّ الأسرة تماسكاً وعطاء.
أين نحن اليوم من هذا؟ لقد سادت أو تكاد تسود لغة الإنقطاع العائلي فـي ظلّ تقنيّة التواصل الإجتماعي الذي أخذ تسمية (الفـيسبوك)، حيث أصبح كل فرد فـي العائلة يمتلك الهاتف الذي يختزن تكنولوجيا المعلومات، كما يحوز على جهاز (لاب توب) يغنيه عن أهله (واللي خلّفوه)، فـيجلس كل فرد فـي زاوية من المنزل ويسرح فـي عالمه الذي لا صلة له بالعائلة، وطبعاً لوجود الصور كعنصر أساسي مهّد وبانسيابيّة مغرية جدّاً للتعرّف على فتيات جميلات وشبّان كلّ حسب جنسه ووقوع الطيور على أشكالها، ممّا أدّى لخلق علاقات متعدّدة بمنتهى السهولة، يقابلها كمّ هائل من المشاكل والمصائب التي تؤدي بهم إلى نفق يصعب الخروج منه.
إنّ من النتائج المؤسفة التي تترتّب على ذلك، هي الوحدة والبعد عن حلقة الأسرة حتّى ولو تواجدوا فـي غرفة واحدة، ولست أدّعي هنا الوقوف ضدّ تكنولوجيا المعلومات فأكون (دقّة قديمة) حسبما يقول الشباب اليوم، حيث لا يمكن نكران الدور الإيجابي الذي تقوم به حداثة التكنولوجيا هذه، إذ تقدّم معلومات هامّة وفعّالة فـي مختلف المجالات تعين الفرد وذلك بمجرّد (كبسة زر)، فالشرط اللازم لاستعمال هذه الإختراعات هو الإفادة منها لمصلحة البشر وسير الأفراد فـي الطريق السليم.
وكم هو محزن ومؤسف استغلال هذه التكنولوجيا لأغراص دونية تنتقص من الروحيّة الإنسانيّة وتحيلها إلى تلبية الغرائز الحيوانيّة، ففـي إحدى الحدائق العامّة رأيت امرأة تعثّرت ثمّ تهاوت أمامي إلى الأرض، فسارعت لنجدتها حيث كانت حاملاً فـي شهرها السادس وتصطحب معها طفلين، وأرشدتها ببعض النصائح الطبيّة بحكم ممارستي فـي هذا المجال لسنوات طويلة، كانت وحيدة مع طفليها وكان اليوم عطلة رسميّة، سألتها عن زوجها ولماذا لم يكن بصحبتها ليعينها على رعاية طفليهما، تنهّدت وأجابتني بأنّهما انفصلا قبل أربعة أشهر بسبب صديقتها (المخلصة!)، حيث ذهبت لزيارة أهلها فلم تجدهم فـي منزلهم فعادت أدراجها إلى بيتها لتفاجأ بزوجها يتعامل مع صديقتها عبر «اللاب توب» بوضع مشين، فأغلقه فوراً وأخذ يصرخ بوجهها: (لماذا عدت بهذه السرعة؟ أنت كاذبة وتنصبين عليّ لتوقعي بي أيّتها المحتالة، أنت طالق، خذي طفليك واخرجي من بيتي لا أريدك بعد اليوم) فالتجأت إلى الجيران الذين أخبروها بأنّ تلك المرأة تأتي إليه فـي غيابها، وكم حاولوا ثنيه عن هذا الفعل المشين الذي لم يعلموها به حرصاً على عدم خراب بيتها.
كم كان الأمر فضيعاً حين أبلغتني بأنّ تلك الصديقة كانت هي الأخرى متزوّجة، ألم يكن بإمكانهما الحصول على مبتغاهما بالحلال؟ إذن هذه هي إحدى مساوئ (الفـيسبوك)، كفاكم الله شرّها، فاستفـيدوا من هذه التكنولوجيا بكل ما يغنيكم بالمعرفة والتعرّف على كلّ ما هو جديد، كي تفـيدوا الآخرين، فـيعود النفع على الجميع فـي الخير وحسن الحياة وسلامة الطريق فـيها.
Leave a Reply