بقلم: عماد محمد
لم يغب القات عن اليمنيين في بلاد الإغتراب، فتلك النبتة التي غزت اليمن السعيد قبل عقود لحقت بأهلها لتشاركهم أفراحهم وأتراحهم وكل مناسباتهم هنا في الولايات المتحدة الأميركية، ليخزّنوا ويمضغوا تلك العشبة التي تمنح مستهلكيها الطاقة الجسدية والذهنية التي سرعان ما تتحول الى طاقة سلبية وحالة من الخمول، لتنتج عنها آثار سلبية لا تعد ولا تحصى تلحق الضرر بالفرد والمجتمع.
القات لم يكن يحظى بهذا الإنتشار في اليمن خلال الحقب الماضية ولم تكن هذه النبتة السحرية تحتل صدارة منتجات اليمن الزراعية، بل كانت هناك زراعات أخرى اشتهر بها اليمن على مر العصور، ومنها «الذهب الأخضر» أي زراعة البن التي جار عليها الزمان مع تفشي زراعة نبتة القات التي باتت تستنزف أهل اليمن مادياً ومعنوياً.
اليمن، موطن البن منذ القدم، حتى أن مصدر كلمة «موكا» التي ترمز للقهوة عالمياً يأتي من اسم ميناء «مخا» الواقع في جنوب اليمن والذي كان يصدر سنوياً عشرات آلاف الأطنان، ففي عام 1875 مثلاً استوردت بريطانياً 15500 طن من البن، وفرنسا 27500 طن، وأميركا 4000 طن وغيرها من الدول بإجمالي 57000 طن من البن سنوياً في تلك الفترة، أما اليوم فينتج اليمن فقط 18000 طن سنوياً والسبب يعود بشكل مباشر إلى مزاحمة زراعة القات، حيث يعمل اليوم يمني واحد في زراعة البن مقابل ستة في القات.
ويؤكد صالح المثيل رئيس «جمعية الأيادي النقية اليمنية في ميشيغن» أن مشاكل القات لا يمكن حصرها إقتصادياً أو إجتماعياً أو صحياً.
عندما قررت صحيفة «صدى الوطن» فتح هذا الملف، واجهت صعوبة كبيرة في إيجاد من يوافق التطرق الى هذا الموضوع الشائك، حيث أبدى العديدون رفضهم الحديث عن الأمر، ما جعلنا نضع الملف جانباً حتى جمعتنا الصدفة برجل قرر أن يكسر الصمت.
إمام «مسجد البقاع» الواقع على شارع تشايس في شرق ديربورن، شايف المريسي، قرر الكشف عن كل ما لديه من معلومات حول القات، لاسيما وأنه كان من «المخزنين» قبل أن يقاطع هذه العشبة بشكل نهائي، على حد قوله، أما المثيل الذي قرر الحديث أيضاً فيقول إن التأثير السلبي الملموس للقات على المجتمع اليمني هنا في ميشيغن لا بد أن يوجب على الجميع الحديث عن هذه الآفة ومناقشة سبل مكافحتها.
أضرار القات الصحية
للقات أضرار صحية عديدة أثبتتها التجارب الطبية في مختبرات الأبحاث، لمعرفة تأثير المواد الكيميائية الموجودة في النبتة، أوضحت هذه التجارب أن المواد الكيميائية الموجودة في نبتة القات تؤدي إلى حالة من المرح الصاخب لمدة 24 ساعة عقب تناول الجرعة، ثم تعقبها حالة من الخمول. فاستدل العلماء على أن هذه المواد الكيمائية تشبه الأمفيتامينات في عملها حيث تعمل على تحفيز الخلايا العصبية مما يقلل الشعور بالتعب والإجهاد في الساعات الأولى للتعاطي يعقب ذلك شعور بالكسل والقلق والاكتئاب.
كما أجمعت الدراسات البحثية على أن تناول القات والإدمان عليه يؤدي إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية. فالقات يسبب صعوبة في التبول والإفرازات المنوية غير الإرادية بعد التبول، وفي أثناء المضغ، وذلك لتأثير القات على البروستات والحويصلة المنوية وما يحدثه مـن احـتقان وتقلص مما يساعد على تضخم البروستات ويؤدي ذلك إلى الضعف الجنسي.
إن المواد الكيميائية في نبتة القات تؤدي إلى زيادة ضربات القلب وتضيق الأوعية الدموية مما يرفع ضغط الدم عند المصابين بالضغط وبالتالي يجعل من الصعب على أدوية ضغط الدم العمل على تخفيض الضغط، بالإضافة إلى أن هذه المواد تجعل الشخص السليم أكثر عرضة للإصابة بضغط الدم المزمن لدى البالغين وكبار السن.
وقد أظهرت دراسة بحثية أن الزيادة في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب والإختلالات في تخطيط القلب وُجدت في 20 بالمئة من المرضى الذين يعانون من أمراض وسكتات القلب المفاجئة، كما أن هناك دور ملاحظ لمضغ القات كعامل خطر لإحتشاء عضلة القلب الحاد. يعاني متعاطو القات من تقرحات مزمنة في الفم واللثة واللسان، مما يعد سبباً من أسباب انبعاث رائحة الفم الكريهة.
ويؤدي القات إلى ارتخاء اللثة مما ينتج عنه ضعف في اللثة والأسنان، إضافة الى كونه مسبباً رئيسياً في عمليات عسر الهضم وفقدان الشهية والإمساك كما يؤدي إلى مرض البواسير وسوء التغذية، ولعل هذا ما يفسر الهزال وضعف البنية لدى غالبية المتعاطين.
ويعتقد الكثير من الأطباء والباحثين أن تأثير القات على مرضى السكري ضار جداً، وذلك لأن المتعاطين أقل ميلاً لإتباع نظام الحمية الغذائي الذي ينصح به الأطباء هؤلاء المرضى، إضافة إلى أن متعاطي القات يستهلكون كميات كبيرة من المشروبات المحلاة مما يؤدي إلى إرتفاع نسبة السكر في الدم. إن النتيجة العكسية لخفض نسبة السكر لدى متعاطي القات عن المعدل الطبيعي أشد ضرراً وخطورة على الصحة. ويعزى هذا التأثير الى تأخر امتصاص الغلوكوز من الأمعاء بفعل تأثير القات في تأخير إفراغ المعدة للطعام المهضوم أو عدم تناول الطعام لفترات طويلة أثناء فترة مضغ القات مما يلعب دوراً في خفض نسبة السكر في الدم بشكل خطير يؤدي في كثير من الحالات إلى الدخول في نوبة إغماء نتيجة لعدم إمداد الدماغ بالغلوكوز (السكر الأحادي) والذي يعد الغذاء الوحيد لخلايا الدماغ.
القات وارتباطه بيوميات الجالية اليمنية
يمكن القول أن القات مرتبط بشكل عضوي بحياة الجالية اليمنية اليومية، فهو لا يغيب عن لقاءاتهم الإجتماعية الأسبوعية ولا يغيب عن أعراسهم ولا حتى عن مجالس تقبل التعازي في حالات الوفاة، بل أيضاً هناك الكثير من أبناء الجالية ممن يعتبرون القات مصدراً للتركيز ويعاملونه مثل «مشروب الطاقة» حيث يتناولونه قبل الدرس أو العمل.
يباع القات في منطقة ديترويت سراً لأنه يعتبر مادة مخدرة ويعاقب عليها القانون، حيث أكد مسؤول وحدة مكافحة المخدرات في شرطة ديربورن لـ«صدى الوطن» أن القات مصنف كمادة مخدرة وفق القانون الفدرالي وقانون ولاية ميشيغن. وأضاف الضابط المسؤول أنه بالرغم من عدم إنتشار تعاطي القات مثل باقي أنواع المخدرات إلا أن رجال القانون يتعاملون مع هذه المادة، مثل ما يتم التعامل مع الماريوانا، مشيراً الى أن حيازة القات تعتبر جنحة تصل عقوبتها للسجن ٩٣ يوماً إضافة الى دفع غرامة.
ويقول المثيل إن المشكلة الأكبر تكمن في أن ظاهرة تخزين القات تزداد إنتشاراً ونمواً مع مرور الوقت و«هذه مشكلة من كافة النواحي، الإقتصادية والصحية والإجتماعية»، ويضيف المثيل «لو عدنا 12 أو 14 عاماً الى الوراء لوجدنا أن هذه الظاهرة كانت محدودة.. لكننا اليوم نراها تتوسع وتنتشر».
وأضاف المثيل أنه تحت عنوان اللقاءات الإجتماعية يقوم أبناء الجالية بالتجمع واللقاء أسبوعياً في مجالس خاصة تسمى «مقيل القات»، غالباً ما تكون داخل منازل يتم استئجارها خصيصاً لهذا الغرض، حتى لا تُزعج العائلات، لاسيما وأن جلسات التخزين قد تستغرق أكثر من ست ساعات وأحياناً تصل الى 12 ساعة.
حول «المقيل» (مجلس القات)، يقول المثيل إن الأمر يسير من سيء إلى أسوأ، حيث أصبح يصطحبه التدخين والأركيلة الى جانب تخزين القات، مؤكداً أن لهذه المجالس أضراراً سلبية متعددة خطيرة. فهي «مبددة للوقت والمال وتسبب إهمال الواجبات والمسؤوليات العائلية».
ويشير الشيخ المريسي إلى أن القات يباع بـ«القرطاس» ومعدل سعر قرطاس القات في ميشيغن يبلغ حوالي 35 دولاراً وهو يكفي لجلسة واحدة تقريباً، ويضيف أن «الخارم عليه» (أي من يخزن القات بشكل دائم) بحاجة إلى معدل قرطاسين من القات يومياً أي حوالي 60 دولاراً في اليوم.
وعن كيفية توفر القات يقول «شايف» إنه يصدر من اليمن والحبشة ويباع بشكل سري «نوعاً ما» هنا في ميشيغن وهو متوفر في العديد من محلات البقالة الخاصة بالجالية.
المثيل يقول إنه يضطر أحياناً لحضور مجالس القات للقيام ببعض الواجبات والزيارات الإجتماعية، حيث أن ارتفاع نسبة مخزني القات بين أبناء الجالية اليمنية يجعل من هذه المجالس فرصة للقاء الكثيرين في وقت واحد، إذ يقول: «أنا شخصياُ لا أتعاطى القات لكني من أجل الإجتماع بالناس أضطر أحياناً للذهاب الى المجالس من أجل اللقاء بالأصحاب».
وأشار المثيل الى مشكلة تواجد القات في مجالس التعزية «ففي بعض الأحيان يأتي معزون من خارج الجالية اليمنية لتأدية واجب العزاء فيصدمون بمجالس القات الغريبة عنهم»، لذلك يشيد المثيل بالجهود التي تبذل لنقل مجالس التعزية إلى المساجد بدل «مقايل القات» إحتراماً للميت وخصوصية المناسبة.
كما يدخل القات في تقاليد وثقافة أعراس اليمنيين الأميركيين، حيث يعتبر من واجبات صاحب العرس تأمين أفضل أنواع القات وبكميات كبيرة لجلسة ما بعد العرس حيث يقام مجلس خاص بعد حفلة العرس من أجل تأمين راحة الضيوف وإبراز كرم الضيافة.
زيادة الوعي
يدعو المثيل لمبادرات مؤسساتية وشبابية من الجالية لكبح هذه الظاهرة، تماشياً مع حملات مماثلة أطلقت في اليمن، مثل «يمن بلا قات» و«عرس بلا قات»، و«مجلس بلا قات» بالإضافة إلى مبادرة على المستوى الرسمي الحكومي تقضي بمنع استهلاك القات خلال دوام العمل الرسمي، إضافة الى مكافحة انتشار تعاطي القات بين الأطفال.
Leave a Reply