عماد مرمل – «صدى الوطن»
إذا كان البعض في لبنان قد افترض أنه بالامكان التعايش مع الشغور الرئاسي والاعتياد عليه، الى حين أن يهبط الرئيس المقبل على قصر بعبدا بمظلة اقليمية-دولية، فقد أتت الوقائع المتلاحقة لثبت أنه من الوهم «عزل» الشغور وحصر تداعياته التي تدرجت من شلّ مجلس النواب الى تعليق الحوار الوطني مروراً بتعثر الحكومة التي قاطعها وزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» و«الطاشناق» و«المردة»، حتى كاد تفاعل كل هذه «العوارض» يتسبب في أزمة نظام.
بل إن التيار الحر يعتبر أن الأزمة باتت وجودية، وتتعلق بدور مسيحيي لبنان، الى حد أن رئيسه الوزير جبران باسيل خاطب الشركاء المسلمين على طاولة الحوار بالقول: بدكن يانا أو ما بدكن؟.
ويقول القاضي السابق سليم جريصاتي عضو تكتل «التغيير والاصلاح» (الذي يترأسه العماد ميشال عون) لـ«صدى الوطن» إن الأزمة الحالية لم تعد تتعلق بأسماء من قبيل اللواء محمد خير والعماد جان قهوجي وبالتالي لم تعد مختصرة بالخلاف بين مؤيدي التمديد للقيادات العسكرية ورافضيه، بل أصحبت أخطر من ذلك بكثير، وباتت تنطوي على أبعاد ميثاقية ووجودية.
تصعيد متدرّج
ويعتبر جريصاتي أن المسيحيين يريدون أن يعرفوا أين هم من النظام وما هو موقعهم فيه، لافتا الانتباه الى أن هناك استهدافا لحقوقهم، من خلال منع وصول الرئيس القوي الى رئاسة الجمهورية، ورفض وضع قانون انتخاب يحقق التمثيل الصحيح، وتجاهل غياب المكون المسيحي الأوسع تمثيلاً عن الحكومة، واهمال مطالبه، وتهميش حضوره في الادارة والمؤسسات.
ويشير جريصاتي الى أن التيار الحر بحاجة الى ضمانات في ما يخصّ التقيد بقواعد الشراكة، وهو لم يعد يقبل باستمرار الحصار المضروب عليه في كل المجالات.
ويوضح أن التيار يستعد لتصعيد تحركه الاحتجاجي، في حال لم تلق طروحاته آذاناً صاغية، لافتا الانتباه الى أن هذا التحرك يتخذ مسارا تصاعديا بدأ بمقاطعة الحكومة وطاولة الحوار وسيتخذ في المستقبل أشكالاً جديدة، تبعاً لما تقتضيه التطورات.
ويؤكد أن ذكرى معركة 13 تشرين 1990 (هجوم القوات السورية والجيش بقيادة العماد اميل لحود على قصر بعبدا) التي يحييها التيار الحر في كل عام، ستشكل محطة مفصلية هذه السنة، بفعل تزامنها مع المواجهة الوجودية التي يخوضها التيار، وبالتالي من المتوقع أن يشارك فيها حشد شعبي كبير، لتوجيه رسالة واضحة الى كل من يهمه الامر بأن الشارع المسيحي لم يعد يحتمل الاستمرار في تهميشه، إذا لم يبادر المعنيون الى معالجة هواجسه.
ويكشف جريصاتي عن أن أي دعوة للهيئات الناخبة الى الانتخابات النيابية على أساس قانون الستين، والمتوقع توجيهها في شباط (فبرير) المقبل، ستشكل حدا فاصلا بين مرحلتين وستدفعنا الى القطيعة التامة مع التركيبة الحالية، لان قانون الستين سيعيد انتاج المجلس النيابي ذاته ومعادلاته ذاتها، بكل ما تنطوي عليه من تشويه للتمثيل المسيحي.
متانة التحالف مع «حزب الله»
ويؤكد جريصاتي متانة التحالف بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، مشيراً الى أن العماد ميشال عون مطمئن الى ثبات خيارات حليفه والى الوعد الصادق للسيد حسن نصرالله على صعيد دعم ترشيح الجنرال للرئاسة.
ويشير الى أن عون يستطيع بقامته القيادية والريادية أن يملأ بذاته المساحة التي يمتد عليها خط المواجهة، وان يقود قواعده الى استعادة التوازن الميثاقي بكل الوسائل الديمقراطية المشروعة، لكن ذلك لا يمنع من أن الحلفاء يستطيعون أن يؤدوا دوراً في حماية الشراكة والميثاقية، من دون تحميلهم أكثر من طاقتهم.
ويعتبر جريصاتي أن «حزب الله» يستطيع أن يؤدي دور ضابط الإيقاع في فريق «8 آذار»، بعد ترشيح أحد رموز هذا الفريق، رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، في مواجهة عون، وتأييد الرئيس نبيه بري لفرنجية، الامر الذي أحدث تشظياً في صفوف الحلفاء، وحده الحزب يستطيع أن يعالجه، انطلاقا من علاقته الجيدة مع جميع الأطراف.
ويشدد جريصاتي على أن عون اتخذ قراراً بعدم الرد على الهجوم العنيف الذي شنه فرنجية على الوزير باسيل خلال جلسة الحوار الأخيرة، وهو طلب من جميع مسؤولي التيار عدم الانزلاق الى أي سجال شخصي مع رئيس «تيار المردة»، حتى لا تنحرف المعركة عن وجهتها الأصلية.
ويوضح جريصاتي أن عون يعتبر أنه من الممنوع اللعب على وتر الخلافات بينه وبين بري، موضحاً أن الجنرال تعامل بايجابية مع قرار رئيس مجلس النواب بتعليق الحوار بعد إعلان التيار عن إيقاف مشاركته في الحوار، لأن هذا القرار يدل على إدراك بري لاهمية موقع التيار الحر في الشراكة الوطنية.
Leave a Reply