بري متفائل بالوصول لرئيس للجمهورية والحريري اقتنع بالتوافق قائد الجيش يتقدم لائحة المرشحين وجنبلاط وجعجع يخافان من وصوله
الموعد الجديد الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية، وقبل 12 يوماً من انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، قد يكون الموعد الاخير، وفيه ستحصل العملية الانتخابية بعد التوصل الى مرشح توافقي، بدأت تتقدم مواصفاته على ما عداه.والمواصفات تستند الى مبادرة بري ومساعي البطريرك نصرالله صفير الذي يعمل على تقريب وجهات النظر بين موارنة السلطة وموارنة المعارضة، بعد ان رفض الدخول بلعبة الاسماء وتقديم مرشح معين، بل اكتفى بوضع المواصفات لجهة ان يكون للشخص المطلوب لتبؤ منصب الرئاسة الاولى، تاريخ في الشأن العام، وعلى مسافة واحدة من الجميع، ونظيف الكف، وليس له ارتباطات خارجية.والمعايير التي وضعها سيد بكركي، اخذت بها اللجنة الرباعية التي تم تشكيلها، من ممثلين عن موارنة الموالاة والمعارضة، وبقي امامها ان تحدد الاسماء التي تتطابق معها.ولقد استعانت البطريركية المارونية بهذه اللجنة ومن تمثل، لفتح حوار ماروني-ماروني، تمثل بلقاءات عقدت بين القيادات المارونية، فاجتمع الرئيس امين الجميل مع رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، بعد الخلاف الذي حصل بينهما اثر اغتيال الوزير بيار الجميل، بعد ان رفضت عائلة الجميل وتحديداً جويس الجميل والدة الوزير الجميل ان يقدم التعازي، ووجهت اصابع الاتهام باتجاه «التيار الوطني الحر» انه شجع عمليات الاغتيال لتفاهمه مع احزاب حليفة لسوريا وخصوصاً «حزب الله»، وما رافق ذلك من توتر بين انصار الطرفين، انعكس في خوض «التيار الوطني الحر» الانتخابات النيابية الفرعية التي فاز فيها مرشحه كميل خوري بمواجهة الرئيس امين الجميل، الذي شعر ان هناك من دفعه لخوض هذه المعركة ليخسر فيها مقعد ابنه، ولاضعاف عون عبر تخفيض شعبيته، والمستفيد من ذلك «القوات اللبنانية» وبعض اطراف 14 شباط لتحجيم الجميل وعون.ادرك الجميل «الفخ» الذي نصب له من قبل حلفائه في السلطة، وبعد شهرين على الانتخابات انفتح على اطراف مسيحية في المعارضة، وتحديداً العماد عون والوزير السابق سليمان فرنجية رئيس «تيار المردة»، لان الرئيس الاعلى لحزب الكتائب، بدأ يقلق من تمدد «القوات اللبنانية» على حساب حزب الكتائب واستقطاب اعضائه، فكان لا بدّ من اللقاء مع رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير»، والابتعاد عن قوى 14 شباط وتمييز موقفه عنها، فأعلن تأييده لمبادرة بري، وعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بنصاب الثلثين في الدورة الاولى، ولم يمانع وصول مرشح توافقي.وشكل لقاء الجميل-عون حدثاً سياسياً مفاجئاً، وخلط للاوراق، كما ان انفتاح عون على الحوار مع قوى 14 شباط، لاخراج نفسه على انه من قوى 8 اذار، والتأكيد انه يمثل روح 14 اذار وانفتح على قوى 8 اذار وقام بالتفاهم مع «حزب الله» حول سلاحه ومسائل خلافية اخرى، اضافة الى العلاقة مع سوريا على اساس رفض العداء لها، كما فعل بعض اطراف 14 شباط.وهذا الاداء السياسي لعون، وضعه في موقع المؤثر في القرار الداخلي ورقماً صعباً في المعادلة الداخلية يصعب اختزاله، وهو يقدم نفسه على انه مرشح توافقي.وقد تم تفسير تسريع خطى الحوار بين القوى السياسية على انه ترجمة لاشارات خارجية عربية واقليمية ودولية، تؤكد على ضرورة ان يتوصل اللبنانيون الى التوافق على مرشح تسوية، يمنع وقوع لبنان في المجهول ويدفعه الى الانهيار فاندفعت الوفود الاجنبية والعربية باتجاهه، فحضر وفد «الترويكا» الاوروبية الذي ضم وزراء خارجية فرنسا وايطاليا واسبانيا، الذين كانت له مساهمات ومساعي لحل الازمة اللبنانية، وقام وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير باستضافة حوار لبناني في سان كلو في باريس، وكذلك في مقر السفارة اللبنانية في بيروت وتمنى على القوى المتخاصمة ضرورة حصول الاستحقاق الرئاسي في موعده والمجيء برئيس يكون عليه شبه اجماع لبناني.والرسالة التي حملها الوفد الوزاري الاوروبي باسم الاتحاد الاوربي، وبدعم من الفاتيكان، الى اللبنانيين، هي ان يتكلوا على انفسهم ويستفيدوا من الدعم الخارجي للتوصل الى الاتفاق على رئيس للجمهورية.ورفض الوزراء الاوروبيون الدخول بالاسماء او تأييد هذا الطرف او ذاك على خلاف ما تقوم به اميركا التي اكد مسوؤلون فيها، انها تؤيد رئيساً من فريق 14 شباط، لكن الادارة الاميركية حسمت موقفها لجهة تأييد حصول الانتخاب بالنصاب القانوني من خلال حضور ثلثي عدد اعضاء مجلس النواب، وهذا ما ترك النائب سعد الحريري وبعد عودته من واشنطن ان يعود للحوار مع بري، ويدعم الوصول الى التوافق على رئيس للجمهورية، بعكس موقف حليفيه وليد جنبلاط وسمير جعجع حيث شعر الاول باقتراب الوصول الى تسوية حول المرشح الرئاسي، فاعلن عن رفضه لها، ولكنه فوّض سعد الحريري للوصول اليها على ان يكون له هامش عدم الاقتراع لغير مرشح من 14 شباط، في حين ان سمير جعجع اكد ان التوافق لن يحصل.ولن يستطيع جنبلاط وجعجع منع حصول التسوية او وقفها، لان القرار الاقليمي والدولي هو التوصل الى توافق حول رئاسة الجمهورية، وان البديل هو الفراغ الدستوري وتفكك الدولة ومؤسساتها وخراب لبنان، وهذا ما سيضعف الادارة الاميركية التي تؤكد دائماً انها حققت انجازاً في لبنان، وساهمت في نشر الديمقراطية فيه، وحصول انتخابات نيابية دون وصاية خارجية، وتشكيل حكومة بالطرق الديمقراطية، والتي تلقى كل الدعم من الرئيس جورج بوش الذي ينظر الى لبنان انه ورقة في يده يستخدمها كنموذج ديمقراطي يعمل للحفاظ عليه، بعد ان كاد يفقد ورقة العراق، وان الفوضى في لبنان لا تفيده، بل ستصيب مشروعه بالانهيار الكامل.من هنا فان الادارة الاميركية تأخرت في اعطاء جواب نهائي حول الاستحقاق الرئاسي، واوكلت الى حلفائها الاوروبيين ان يهتموا به وتقطيع الوقت ريثما تنجلي صورة الاوضاع في المنطقة وتحديداً في فلسطين والعراق والبرنامج النووي السلمي الايراني، حيث الارباك يسود البيت الابيض بشأن الملفات الساخنة في الشرق الاوسط ولبنان من ضمنها، ويحاول الرئيس بوش ربط الازمة اللبنانية بها، وهو يختلف مع بعض الدول الاوروبية في هذا الموضوع، والتي تسعى الى فك الارتباط بينهما، وعدم ترك لبنان يتخبط في ازماته التي قد تتطور الى حصول تطورات سياسية وامنية خطيرة تؤثر على وحدته ككيان، وعلى المسيحيين كوجود في المشرق العربي، حيث وجه الفاتيكان اتهاماً مباشراً الى اميركا انها تسببت بهجرة المسيحيين منه، بعد ان احتلت العراق، وهي قد تكون وراء هجرة ما تبقى من مسيحيين في لبنان، اذا لم تحصل الانتخابات الرئاسية وبالتوافق بين اللبنانيين.فالضغط الاوروبي عبر الوفد الوزاري على الداخل اللبناني قد بدأ يفعل فعله بتفعيل الحوار، ولكن يبقى ان يتوصل الاوروبيون مع المسؤولين الاميركيين لترك اللبنانيين يتوصلون الى التوافق، وهو متوفر من خلال بعض المرشحين.وجاء تأجيل جلسة 23 تشرين الأول الى 12 تشرين الثاني، كمؤشر ايجابي الى ان اجواء التوافق تتقدم، وهو ما يعكسه الرئيس بري امام زواره ويجزم بأنه آتٍ آتٍ، اضافة الى تأكيده ايضاً على انه سيكون للبنان رئيس قبل 24 تشرين الثاني، وان جلسة 12 تشرين الثاني، قد ينتخب فيها رئيس للجمهورية، وانه خلال هذه الفترة ستتكثف الاتصالات لغربلة الاسماء، حيث بدأ الحوار حولها، ومن سيكون المرشح التوافقي.وفي هذه الفترة التي تسبق التوافق، فان محطات سياسية بارزة ستحصل، سيكون لها تأثير على الوضع اللبناني، حيث سيعقد مؤتمر دول الجوار للعراق في تركيا، وقد تلتقي فيه وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس بنظيرها السوري وليد المعلم، ولن يكون لبنان والاستحقاق الرئاسي فيه بعيداً عن اللقاء، كما ستعقد قمة اميركية-فرنسية بين الرئيسين جورج بوش ونيكولا ساركوزي وسيكون الملف اللبناني على الطاولة، وكذلك ستحضر الازمة اللبنانية في اللقاء المرتقب بين وزير خارجية السعودية سعود الفيصل ووزير خارجية ايران منوشهر متكي، كما ان الجامعة العربية عاودت تحركها بإتجاه لبنان حيث ينتظر ان يقوم الامين العام عمرو موسى بدور في انجاح مساعي التوافق، وقد تلقى اشارات مشجعة من مصر التي اوفدت وزير خارجيتها احمد ابو الغيط للتأكيد على ان بلاده تقف الى جانب مبادرة بري التوافقية، والتوصل الى مرشح رئاسي يحظى بتأييد اللبنانيين.وكان لافتاً استقبال الرئيس المصري حسني مبارك لقائد الجيش العماد ميشال سليمان، الذي بدأ اسمه كمرشح وسطي يتقدم بين لائحة المرشحين التي تحمل اربعة اسماء توافقية يتم التداول بها وهي: ميشال اده، فارس بويز، رياض سلامه وميشال سليمان، ودخل على هامش اللائحة اسمي النائب بيار دكاش والنائب السابق مخايل الضاهر الذي طرح اسمه كمرشح تم التفاهم عليه بين اميركا وسوريا عام 1988 لكن اسقطه زالفيتوس المسيحي آنذاك.فالعماد سليمان برز كمرشح توافقي قوي، بالرغم من ان اطرافاً في 14 شباط ترفضه تحت ذرائع عدة، ومنها رفض وصول عسكري الى الحكم، و تكرار تجربتي فؤاد شهاب واميل لحود، وكذلك عدم تعديل الدستور، وان وصول قائد الجيش سيشكل ضربة للنائب جنبلاط، الذي لا يرتاح لعسكري في رئاسة الجمهورية، لكنه لن يقف بوجه وصوله، في حين ان جعجع اكد امام زواره انه لن يسمح بوصول العماد سليمان الى قصر بعبدا، ولو تم ذلك «على جثتنا» كما يقول قائد «القوات اللبنانية» الذي يكره الجيش كما جنبلاط، اللذان كانت لهما معارك مع المؤسسة العسكرية.ولكن رفضهما لن يؤثر على اتفاق اقليمي-دولي على وصول العماد سليمان وبتأييد داخلي لبناني، تمثل بقبول البطريرك صفير تعديل الدستور اذا كان لانقاذ لبنان، ولا يضع عون «فيتو» عليه وهو اعلن انه يتنازل له، كما ان الرئيس لحود رشحه لرئاسة حكومة انتقالية، و«حزب الله» يثق به لادائه الجيد مع المقاومة وحماية سلاحها، والرئيس بري يؤيده اذا سماه صفير او لم يمانع من انتخابه، وان سعد الحريري لن يعرقل وصول قائد الجيش الذي وقف على مسافة واحدة من الجميع فلم يزج المؤسسة العسكرية بالصراعات الداخلية، وتصدى لمنظمة «فتح الاسلام» الارهابية، وقام بتطبيق القرار 1701 في الجنوب، وسهر على الامن في الداخل.كل هذه المواصفات التي يتميز بها العماد سليمان رفعت اسمه الى رأس لائحة المرشحين، ويبقى عليه ان يجتاز القرار الاميركي، بعد ان لقي تأييداً اوروبياً، بوصول شخص يستطيع تأمين الاستقرار الداخلي.وتؤيد وزارة الدفاع الاميركية وصول العماد سليمان، الى الرئاسة ليس لكونه عسكرياً، بل لانه اثبت قدرة في الحفاظ على وحدة الجيش الذي يتصدى «للارهاب» منذ سنوات. ومع ارتفاع اسهم قائد الجيش في بورصة المرشحين للرئاسة فان جنبلاط وجعجع يشعران بخيبة امل مع حلفاء لهما في 14 شباط، وحاول رئيس «اللقاء الديمقراطي» ثني العماد سليمان عن القبول برئاسة الجمهورية، لان ثمة صعوبات تحول دون تحقيق ذلك.والى جانب العماد سليمان، فان حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، يحتل مرتبة متقدمة بين المرشحين ولا يحتاج الى تعديل للدستور وفق دراسات دستورية وقانونية، وحافظ على الاستقرار النقدي والوضع الاقتصادي، لكن السنيورة لا يقبل به وكذلك اطراف في 14 شباط، الذين ينظرون الى سلامه كما سليمان انهما حليفين غير مرئيان لسوريا.
Leave a Reply