تضامن واسع مع الجالية المسلمة غطى منطقة جنوب شرق ميشيغن
أحرق القرآن الشهر الماضي. قرر الحضور إلى ديربورن معقل أكبر جالية عربية ومسلمة في الولايات المتحدة للاحتجاج أمام أكبر مراكزها الإسلامية، (المركز الإسلامي في أميركا)، على ما أسماه “قانون الشريعة” و”الجهاد” وللفت الأنظار إلى “راديكالية الإسلام”. لكن القس الذي ابتلي بتعصب أعمى، انتهى نزيل زنزانة مقاطعة وين في ديترويت بعد ساعات طويلة قضاها أمام القاضي مارك سومرز في محكمة المدينة التي تقدمت منها مدعي عام مقاطعة وين كيم وورثي بادعاء ضد جونز على خلفية نية تعكير صفو الأمن والسلام.
وفي الوقت الذي كان جونز يمثل أمام لجنة محلفين في محكمة المدينة للنظر في الاتهام الموجه اليه، كان سكان مدينة ديربورن وجوارها ينظمون مهرجان “الوحدة والتسامح” أمام “مكتبة هنري فورد سنتنيال” القريبة من مبنى المحكمة، فيما تجمع العشرات أمام “المركز الإسلامي” على شارع فورد. كما انتشرت وسائل الإعلام المحلية والوطنية في النقاط الثلاث في مدينة ديربورن، المحكمة والمكتبة والمسجد، فيما حلقت طوافة في سماء ديربورن لتغطية الصورة الكاملة لمحيط النقاط الثلاث الحساسة التي تحولت الى ما يشبه ثكنة عسكرية.
في المحكمة، طالب القاضي سومرز، الخميس الماضي، جونز بوضع “كفالة سلام”، لكن جونز رفض قرار القاضي، ومارس حقه الدستوري في المثول أمام لجنة محلفين، سارعت المحكمة إلى انتقاء أعضائها عشية حركته الاحتجاجية، على أن يمثل أمامها صباح يوم التظاهرة.
استمرت المدوالات طيلة نهار الجمعة الماضي وتخللها الاستماع إلى عدد من الشهادات من قائد شرطة ديربورن رونالد حداد، وعدد من رجال شرطة المدينة، سلطوا فيها الضوء على أسباب تخوف قسم الشرطة من تعكير السلام في منطقة الاحتجاج وبالتالي ضرورة أن يبتعد جونز عن “المركز الإسلامي”، إضافة إلى شهادات أخرى أبرزها شهادة حاخام يهودي حضر من ولاية كاليفورنيا لتقديم الدعم لجونز.
وبعد مداولات لجنة المحلفين التي استغرقت عدة ساعات، تخللها عدة استراحات تناولوا خلال إحداها “البيتزا”، خرجت اللجنة بقرار يدعم اتهام الإدعاء، ومفادها أن حركة الاحتجاج الاستفزازية ستؤدي، على الأرجح، إلى تعكير صفو الأمن والسلام في هذه المنطقة الحساسة بتنوعها الديني والثقافي.
بعد قرار لجنة المحلفين خطا القاضي سومرز خطوة كبيرة لتجاوز هذه الأزمة، أملا بتعاون هذا القس الموتور مع المحكمة والشرطة، فأبلغه بقراره تحديد مقدار الكفالة المالية بدولار واحد. وتقضي هذه “الصفقة” التي عرضها القاضي سومرز على جونز بأن يدفع مقدار الكفالة (دولار واحد) على أن يمتنع عن الظهور في محيط أي مركز اسلامي للسنوات الثلاث القادمة.
لكن تفكير القاضي سومرز كان في واد، ونوايا القس جونز كانت في واد آخر، إذ رفض هذا “العرض-المخرج”، مما أدى بالقاضي سومرز إلى الأمر بحبسه بعد رفضه دفع الكفالة.
وبعد ساعات من احتجاز القس جونز في سجن المقاطعة قرر دفع الكفالة، على أن يستقل طائرته في اليوم التالي عائداً الى فلوريدا، حسبما أكدت مصادر خاصة لـ”صدى الوطن”.
مجريات يوم الجمعة العظيمة الطويل
وفيما كان القس جونز يتمتع بكامل حقوقه الدستورية في محكمة المدينة التي يتهمها بتطبيق الشريعة الاسلامية، كان محيط هذه المحكمة ومحيط مبنى المركز الاسلامي في ديربورن الذي يبعد عنها أقل من ميل، يشهدان حضوراً كثيفاً لعناصر الشرطة وأجهزة الأمن الذين انتشروا في المنطقة وجوارها تحسباً لأية احتكاكات محتملة، إذا ما ظهر جونز أمام المركز الاسلامي، وما كان سيشكله هذا الظهور من استفزاز لمشاعر الألوف من أبناء المدينة.
وشهد يوم “الجمعة العظيمة” تظاهرة كبيرة تحدى خلالها مئات من أبناء وبنات الجالية العربية والمسلمة ومتضامنون افريقيون ولاتينيون وبيض أميركيون الطقس الماطر واحتشدوا أمام مبنى “مكتبة هنري فورد سنتنيال” على شارع “ميشيغن أفنيو” في المنطقة الملاصقة لمبنى محكمة ديربورن، حيث كان جونز لايزال داخلها انتظارا لقرار لجنة المحلفين.
وشهد هذا التجمع إلقاء العديد من الكلمات التي شدد أصحابها على الوحدة والتسامح بين مختلف المكونات الدينية والعرقية في المدينة والولاية.
وخاطب ناشر “صدى الوطن” الزميل أسامة السبلاني الذي تولى تنسيق الكلمات القس جونز بالقول: “اعلم أننا لا نخاف منك، ولا من مليون شخص من أمثالك، لكننا شعب أتى من مهد الحضارات ونحن لسنا هنا لإحداث أي فوضى، بل لبث رسالة تسامح ونشر دعوة للوحدة والتآلف، وهذا ما تعمل أنت على تقويضه”. وقال السبلاني، الذي شكر رئيس بلدية ديربورن وشرطتها، للمحتشدين “تتساءلون لماذا نحن هنا، وليس أمام المركز الاسلامي، والسبب الوحيد لذلك هو أن هذا اليوم هو عيد “الجمعة العظيمة” عند إخواننا من الطوائف المسيحية الذين يحييون هذا اليوم في عدد من الكنائس المحيطة بالمركز الإسلامي، فارتأينا انطلاقا من إحساسنا بقداسة هذا اليوم أن نخفف من الازدحام في تلك المنطقة”.
وتحدث أمام الحشد عميد الكغرس الأميركي، النائب جون دنغل، فقال: “نحن هنا كأميركيين، مسيحيين ومسلمين ويهود، نخضع جميعنا للقانون الأميركي، وجونز غير مرحب به، ونقول له: أنت غير مرغوب بك هنا”.
ثم تحدث القس ادوين رو، راعي الكنيسة المثودية المتحدة في ديترويت، واصفا القس جونز بأنه لا يمثل روح الديانة المسيحية، ولا يفقه معانيها السامية.
وتحدث محافظ مقاطعة وين روبرت فيكانو معبراً عن تضامنه مع العرب والمسلمين الأميركيين في مواجهة الهجمة التي يشكل القس جونز رأس حربتها، ومؤكدا على الحفاظ على روح الألفة والتضامن بين سكان المقاطعة على مختلف انتماءاتهم الدينية والثقافية.
وشن رئيس فرع ديترويت في “الجمعية الوطنية الأميركية للملونين”– فرع ديترويت، القس ويندل انثوني هجوما عنيفا على القس جونز واصفا إياه بالخارج عن الديانة المسيحية، وخاطبه بالقول “كيف يجرؤ متعصب مثلك أن يشبه نفسه بالدكتور مارتن لوثر كينغ الذي كان مثالا للتسامح والجمع وليس للتعصب والتفرقة، كما هو حالك؟”.
وخاطب القس أنثوني الحشود قائلا: “حرصت على المجيء إلى هنا لأعبر لكم عن تضامننا نحن الأفارقة الأميركيين مع ما تمرون به لأننا مررنا بهذه التجربة مثلما مر آخرون بها في هذه البلاد، ولأن ما يجمعنا هو إله واحد، دمنا واحد، ونتنفس هواء واحدا، ونحن أخوة في الإنسانية. ثقوا أنكم لستم وحدكم في مواجهة هذا التحدي”.
وتناوب بعدها على الكلام عدد من رجال الدين والنشطاء، وهم والإمام محمد علي إلهي والإمام محمد مارديني والمحامية مريم بزي والأب راني عبدالمسيح والقس تشارلز وليام ونجله تشارلز وليام الابن من الكنيسة المعمدانية ونسيب فواز والإمام حسن القزويني وعلي السيد وعماد حمد وندى القادري والمحامي علي حمود، وشددوا جميعهم على الوحدة والتضامن وقيم الإسلام الداعية إلى احترام الديانات الأخرى وعدم المس بمقدساتها.
فعالية الخميس في المركز الاسلامي
وكان المركز الإسلامي قد شهد عشية الاحتجاج المخطط له (الخميس) تدفق أعداد كبيرة من المتضامنين قدرت بأكثر من ألف شخص من كنائس مسيحية ومعابد يهودية ومراكز إسلامية أخرى ونشطاء في ميدان الحقوق المدنية للمشاركة في مهرجان الوحدة والتسامح حيث شهدت أروقة المركز وقاعاته ومحيطه الخارجي صلوات مشتركة وإضاءة شموع وشبك أياد لإظهار وحدة أبناء المنطقة في مواجهة زيارة جونز الاستفزازية.
وافتتح الاحتفال بكلمة لرئيس مجلس قيادة حوار الأديان بوب بروتيل، ثم رحب إمام المركز السيد حسن القزويني بالمشاركين معبراً عن شكر وتقدير المركز والجالية العربية والمسلمة لهذا التضامن معها.
ثم تناوب على الكلام كل من رئيس مجلس المنظمات الإسلامية في ميشيغن فيكتور غالب بيغ والقس كينيث فلاورز رئيس المؤتمر المعمداني التقدمي في ميشيغن وريتشارد نوديل رئيس مجلس علاقات الجالية اليهودية مؤكدين جميعهم على الوقوف مع المركز الاسلامي والمسلمين الأميركيين في مواجهة استفزازهم والمس بمقدساتهم.
وتحدث عن المؤسسات الدينية كل من الأسقف آلان فيغنورن من أسقفية ديترويت والقس تشارلز وليامز من “كنيسة الملك سليمان” المعمدانية والأب جورج شلهوب راعي “كنيسة سانت ماري” الأرثوذكسية والإمام مصطفى الترك من مجلس الأئمة في ميشيغن، وشددت كلماتهم على روح التسامح والوحدة ونبذ التعصب وإدانة زيارة جونز الاستفزازية.
وفي نهاية الاحتفال توجه المشاركون إلى المدخل الأمامي للمركز الاسلامي واصطفوا متشابكي الأيدي مشكلين سوراً رمزياً لحماية المقدسات الدينية لكل مكونات مجتمع الولاية من المساس بها أو الإساءة إليها. وقد حفل يوما الخميس والجمعة الطويلين بتغطية إعلامية مكثفة، وغير مسبوقة، وعلى مدار الساعة من قبل وسائل الإعلام الأميركية، المقروءة والمرئية والمسموعة.
بيانات منددة
وقبل وصول جونز الى ديربورن أصدر كل من محافظ مقاطعة وين روبرت فيكانو ورئيس بلدية ديربورن جاك اورايلي بيانا انتقدا فيه الزيارة ومضمونها بشدة، كما أصدر النائب الديمقراطي عن ديربورن في كونغرس الولاية جورج ديراني بياناً أدان فيه روح الكراهية التي يحملها القس المتعصب.
وجاء في بيان المحافظ فيكانو: “إن ممارسة الحق الدستوري المكفول لا يجعل من أي ممارسة عملاً صائباً يجب القيام به. إن الاحتجاج أمام المسجد في ديربورن هو بكل بساطة عمل تنميطي ينتقص من حق شريحة كادحة ووطنية من المسلمين الأميركيين الذين يرتادون تلك المؤسسة الدينية والذين يقطنون في مدينة ديربورن ومقاطعة وين”.
وخاطب أورايلي جونز في بيان قائلاً “لقد شاهدتك على التلفاز وأنت تتحدث عن الدستور وعن ديربورن، ويبدو أنك بحاجة الى معلومات إضافية عنهما قبل أن تحضر الى مدينتنا. بإمكاني أن أقدم لك رؤية متبصرة حول الدستور وخبرة حول مدينة ديربورن”.
وسأل أورايلي جونز “إذا كنت غير مسرور بما تظن أنه يجري في ديربورن فما هو إذن، موقع التظاهر الأفضل من المبنى البلدي كستارة خلفية لمسرح تظاهرك؟ لكن عوضا من ذلك، تصر على التظاهر في منطقة لا تتمتع بمساحة لاستيعاب المتظاهرين، والمتفرجين، ولا مواقف للسيارات أو لوسائل الاعلام”. (مزيد من المواقف ص ١١).
Leave a Reply