ديربورن – خاص “صدى الوطن”
بدا وكأن الأمر على أهبة الانفجار، مساء الجمعة الماضي، أمام مبنى بلدية ديربورن، حين أقدم حارق القرآن، القس تيري جونز على ترك المنبر الذي خصصه للهجوم على “الشريعة” و”الإسلام الراديكالي” في قلب أكبر جالية عربية وإسلامية في أميركا والتوجه إلى استفزاز المئات من الشبان العرب والمسلمين، الذين احتشدوا بشكل عفوي في تجمع مناوئ على الضفة المقابلة من شارع ميشيغن أفنيو. وزاد الأمور تعقيداً إقدام أنصار جونز الذين قدروا بثلاثين شخصاً على رفع العلم الإسرائيلي استكمالا للاستفزازات التي أطلقها من أمام مبنى البلدية ليعبر عن غضبه لعدم السماح له بالتظاهر أمام “المركز الإسلامي في أميركا” في ديربورن يوم الجمعة السابق.
وكان جونز قد ألقى خطاباً حاداً أمام المدخل الرئيسي لمبنى بلدية ديربورن، وسط العشرات من مؤيديه ومراسلي المحطات التلفزيونية الأميركية، مهاجماً الإسلام والقرآن والرئيس الأميركي باراك أوباما. وغادر المنصة بعدها متجاهلاً نصائح المسؤولين الرسميين والأمنيين، وحاملا العلم الإسرائيلي، باتجاه الشارع الذي يفصله عن المتظاهرين المناوئين الذين اعتبروا الأمر بمثابة تحد سافر، فتدفق المئات منهم وقطعوا الشارع، ورموه بالأحذية وعبوات المياه وكال بعضهم له بالشتائم، الأمر الذي أدى إلى تدخل عناصر إضافية من “قوات مكافحة الشغب” التي ساندت الشرطة وبعض فعاليات الجالية العربية في منع الاصطدام، كما تم اعتقال بعض المتظاهرين الذين لم يتمكنوا من ضبط أعصابهم.
وكان يوم الجمعة قبل الماضي، 22 أبريل (نيسان)، قد شهد قدوم القس لمتعصب إلى المدينة للتظاهر أمام “المركز الإسلامي في أميركا”، تحت عنوان رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية في المدينة، لكن محكمة ديربورن قامت باستدعائه على خلفية دعوى قدمتها مدعي عام مقاطعة وين، كيم وورثي، رأت فيها أن تظاهر جونز يهدد الأمن والسلامة العامة ويعكرهما، وأصدرت المحكمة، بناء على قرار لجنة محلفين، قراراً قضائيا بمنع جونز من التظاهر أمام المركز المذكور لمدة ثلاث سنوات، وبتغريمه مبلغاً رمزياً قدره دولاراً واحداً، وأخطرته في الوقت نفسه أنه بإمكانه التظاهر في “منطقة حرة للتعبير”، فقرر التظاهر أمام البلدية كونه، لا يحتاج في ذلك إلى إذن رسمي.
لكن جونز اعتبر ذلك القرار يشكل مساً بالحريات العامة، ويناقض التعديل الأول من الدستور الأميركي، المتصل بحرية التعبير، فرفض دفع الغرامة، بداية، فتم اعتقاله، ليتراجع لاحقاً عن قراره ويدفع الكفالة الرمزية، ويعلن عن نيته العودة إلى المدينة للتظاهر فيها.
وفي زيارته الثانية، الجمعة 29 أبريل (نيسان)، ندد جونز في كلمته بتصرفات سلطات المدينة التنفيذية والقانونية، وقال: “لقد منعوني من التظاهر الجمعة الماضية، وقالوا لي بإمكانك التظاهر في منطقة حرة للتعبير، ولكنني أقول لهم.. إن الولايات المتحدة كلها هي منطقة حرة للتعبير”.
وأدان جونز ما أسماه “تطبيق قوانين الشريعة” (الإسلامية) في مدينة ديربورن، التي تشكل فيها الجالية العربية ما نسبته 40 بالمئة من عدد سكان المدينة، وقال: “إن الأميركيين محكومون بالدستور الأميركي، ولن يسمحوا للشريعة أن تحكمهم”.
ومهاجماً القرآن، قال القس الذي دفع مساعده واين ساب إلى إحراق نسخة من المصحف بعد “محكمة ميدانية” في باحة كنيسته، في شهر شباط (فبراير) الماضي: “إن القرآن لا يعترف بالحقوق المدنية وبالحريات العامة”. وأضاف: “لدينا في أميركا حرية تديّن لا تملكونها (للمسلمين) في البلاد التي جئتم منها، ويمكنكم أن تبنوا من المساجد ما شئتم، ولكن يجب، وهذا ليس خياراً، أن تخضعوا وتطيعوا الدستور الأميركي”.
ووصف جونز الرئيس باراك أوباما بأنه”أسوأ رئيس أميركي على الإطلاق”، ونعته بالكاذب، وقال: “لقد قال أوباما في خطابه بالقاهرة: لقد كان الإسلام على الدوام فصلاً من القصة الأميركية. إنه كاذب.. فالإسلام لم يكن يوماً فصلاً من القصة الأميركية”.
وفي السياق ذاته، دعا جونز الأميركيين إلى “إيقاف” حملة أوباما الرئاسية لولاية ثانية، التي أعلن الرئيس الأميركي عن إطلاقها مؤخراً.
وبينما كان جونز يلقي كلمته، كان ما يزيد عن 500 متظاهر من العرب والمسلمين، يطالبونه بـ”العودة إلى مدينته”، رافعين بعض المصاحف وبعض الأعلام الأميركية والفلسطينية واللبنانية، ومطلقين هتافات تمجد أميركا، وعندما بدأ جونز بمهاجمة الإسلام والقرآن رفعوا له الأحذية، وأطلقوا الصيحات الهازئة، قبل أن تتفاقم الأمور..وتتطور إلى رميه بالأحذية إثر رفع مناصريه للعلم الإسرائيلي، وزاد إثر ذلك عدد المتظاهرين ليقارب الألف شخص قبل أن يتفرقوا مع مغادرة جونز قبل الساعة الثامنة بعد نضوب جعبته من وسائل الاستفزاز. وكان جونز قد أعلن أنه سيتظاهر بين الساعتين الخامسة والثامنة مساء.
ووصف رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي بالرجل “صانع المشاكل”، وبالقس الذي دفع أتباع كنيسته الى التخلي عنه بسبب تصرفاته غير المقبولة، وقال: “إنه يطمح إلى لفت الانتباه لتمويل كنيسته التي تعاني من الإفلاس”.
وأضاف “طلبنا مسبقا من جونز عدم الاقتراب من الحاجز الفاصل، لكنه لم يحترم ذلك وأخذ بتحريض الحشود، ومن ثم رفع يديه الى السماء وكأنه يطلب النجدة من الرب”.
جدير بالذكر، أن نشطاء وفعاليات عربية وإسلامية، قد أصدرت بياناً تطلب فيه إلى الجالية العربية والإسلامية في منطقة ديترويت، بتجاهل جونز ومؤيديه وإهماله، ولكن على الرغم من ذلك تجمع المئات من المتظاهرين المناوئين.
وكان عشرات من الناشطين العرب قد قاموا بمساعدة عناصر الشرطة لإيقاف تقدم الغاضبين منهم، قبل أن تقوم قوات الشرطة باعتقال ثلاثة أشخاص على الأقل.
وكان مجموعة أميركية يسارية متشددة تحمل إسم “بامن” قد دعت الى التظاهر بوجه جونز متحدية قرار الجالية العربية بالتهدئة وتجاهل محاولات القس المتعصب لاستفزاز العرب والمسلمين في المدينة.
Leave a Reply